"حجة الوداع:منهج وعمل"ملخص
الحج فريضة إلهية على جميع المؤمنين، أمر بها ربنا -تبارك وتعالى-جميع أنبيائه ورسله لحكمة بالغة نرى من جوانبها المتعددة طاعة الله -تعالى-فى كل أمر، وتعريض كل من حج ...
الإشارة إلى الأصوات التحت والفوق سمعية
عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: دخلت على عجوزان من عجز يهود المدينة. فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم. قالت: فكذبتهما. ولم أنعم أن ...
الوصية الأولى: اغتنام هذا الزمن الفاضل بكثرة الأعمال الصالحة قبل فواتها فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه ...
ما بين تديين السياسية وتسييس الدين دارت تحركات معظم الكيانات المجتمعية، جماعات كانت أم دولًا أم إمبراطوريات، حيث حلا للبعض إضفاء الصبغة الدينية على كل توجه يقوم به الحاكم وإن خالف معلومًا من دين ...
مقالات
الوصايا العشر في الأيام العشر
الوصية الأولى: اغتنام هذا الزمن الفاضل بكثرة الأعمال الصالحة قبل فواتها فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»، فقالوا: "يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء» [رواه الترمذي وصححه الألباني]. وفيه دليل على أن كل عمل صالح في هذه الأيام فهو أحب إلى الله تعالى منه في غيرها، وهذا يدل على فضل العمل الصالح فيها وكثرة ثوابه، وأن جميع الأعمال الصالحة تضاعف في العشر من غير استثناء شيء منها. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظمُ أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى»، قيل: "ولا الجهاد في سبيل الله؟"، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل - إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» [حسنه الألباني]، وهذا شأن سلف هذه الأمة، كما قال أبو عثمان النهدي - رحمه الله -: "كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأَوَّلَ من ذي الحجة، والعشر الأَوَّلَ من المحرم ". وفي العشر أعمال فاضلة وطاعة كثيرة، ومن ذلك: الإكثار من نوافل الصلاة، والصدقة، وسائر الأعمال الصالحة، كبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والتوبة النصوح، وحسن الإنابة، الإكثار من ذكر الله تعالى، وتكبيره، وتلاوة كتابه والصيام.الوصية الثانية: الالتزام بسنة المصطفى وعمل الصحابة رضوان الله عليهم في هذه العشر فإن العمل بالسنة أكثر أجراً وأعظم من كثرة العمل مع مخالفة السنة، وكذلك تعظيم الحرمات وعدم الجرأة في مخالفة أوامر الله ورسوله ومن هذه الأوامر مثلاً امتثال أمر الرسول صلى الله عليه و سلم في عدم أخذ شيء من الشعر والبشر والظفر إذا أراد الإنسان أن يضحي من أول العشر إلى حين ذبح الأضحية فقد جاء عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» [رواه مسلم]، وفي رواية: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئا» [رواه مسلم]. ومن أخذ شيئاً من شعره وظفره فعليه بالتوبة والاستغفار ولا فدية عليه وأضحيته صحيحة مقبولة بإذن الله وهذا لا يعم الزوجة ولا الأولاد ولكنه خاص بمن يريد أن يضحي وهو رب الأسرة أو من اشترى أضحية بماله ولو كان امرأة، ولا يشمل النهي لمن كان وكيلاً عن غيره في ذبح الأضحية أو من يطبق وصية غيره فإن النهي لا يشمله، ويشمل النهي كذلك من وكل غيره فإنه ما دام أنه يريد أن يضحي فإن النهي متوجه إليه، ومن أراد الأضحية وأراد الحج أيضاً فعليه بأن يمسك عن أخذ الشعر والظفر وعند أداء نسك العمرة فيشرع له أن يأخذ من شعره ليتحلل فقط ويبقى ممسكاً حتى يذبح أضحيته على الراجح من أقوال أهل العلم، وصدق الله إذ يقول: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [سورة الحج: 30]، وقال سبحانه: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [سورة الحج: 32].الوصية الثالثة: المبادرة إلى أداء الركن العظيم، وهو الحج إلى بيت الله الحرام فهو واجب على كل بالغ عاقل قادر، كما قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 97]. ومن فضل الله تعالى ورحمته وتيسيره أن الحج فَرْضٌ مرةً في العمر، لقوله صلى الله عليه و سلم: «الحج مرةً، فمن زاد فتطوع» [صححه الألباني]. وقد ورد عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يَعْرِضُ له» [صححه الألباني]، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يبادر إلى أداء هذا الركن العظيم متى استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعلى المستطيع من الآباء والأولياء العمل على حَجِّ من تحت ولايتهم من الأبناء والبنات وغيرهم، لعموم قوله صلى الله عليه و سلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته» [رواه البخاري ومسلم]. ويتأكد ذلك في حق البنت قبل زواجها، لأن حجها قبل أن تتزوج سهل وميسور، بخلاف ما إذا تزوجت فقد يعتريها الحمل والإرضاع والتربية، ونحو ذلك من العوارض الطارئة. وليس للزوج أن يمنع زوجته من حجة الإسلام، لأنها واجبة بأصل الشرع، وينبغي للزوج إن كان قادراً أن يكون عوناً لزوجته على أداء فريضتها، ولا سيما من كان حديث عهد بالزواج، فيسهل مهمتها، إما بسفره معها، أو بالإذن لأحد إخوانها أو غيرهم من محارمها بالحج بها، وعليه أن يَخْلُفَها في حفظ الأولاد والعناية بالمنزل، فهو بذلك مأجور. وليتذكر عظيم الأجر المترتب على أداء الحج «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [رواه البخاري].الوصية الرابعة: موجهة إلى من أراد أن يحج أو يعتمر وهي وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «من حج فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه» [أخرجه البخاري ومسلم]، وفي لفظ لمسلم: «من أتى هذا البيت فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجع كما ولدته أمه» الحديث دليل على فضل الحج وعظيم ثوابه عند الله تعالى، وأن الحاج يرجع من حجه نقياً من الذنوب، طاهراً من الأدناس، كحاله يوم ولدته أمه، إذا تحقق له وصفان: الأول: قوله: «فلم يَرْفُثْ» والرَّفَثُ - بفتح الراء والفاء -: ذِكْرُ الجماع ودواعيه إما إطلاقاً، وإما في حضرة النساء بالإفضاء إليهن بجماع أو مباشرة لشهوة. الوصف الثاني: «ولم يَفْسُقْ» أي: ولم يخرج عن طاعة الله تعالى بفعل المعاصي، ومنها محظورات الإحرام، قال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [سورة البقرة: 197] والمعنى: فمن أوجب فيهن الحج على نفسه بأن أحرم به فليحترم ما التزم به من شعائر الله، وَلْيَنْتَهِ عن كل ما ينافي التجردَ لله تعالى وقَصْدَ بيته الحرام، فلا يرفث ولا يفسق ولا يخاصم أو ينازع في غير فائدة، لأن ذلك يخرج الحج عن الحكمة منه، وهي الخشوع لله تعالى والاشتغال بذكره ودعائه. فالواجب على حجاج بيت الله الحرام أن يحرصوا على تحقيق أسباب هذه المغفرة الموعود بها، وأن يحذروا كل الحذر من الذنوب والمعاصي التي يتساهل بها كثير من الناس في زماننا هذا. الوصية الخامسة: مما يشرع في هذه العشر ذكر الله عز وجل وأعظم الذكر قراءة كتاب الله عز و جل، ومن السنة كذلك التكبير وهو مطلق ومقيد فأما المطلق فيبدأ من أول العشر في الأماكن العامة وفي الأسواق والبيوت وهناك تكبير مقيد يشرع بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، وصفته: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد". قيل لأحمد - رحمه الله -: "بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟"، قال: "بالإجماع: عمرَ وعليٍّ وابنِ عباس وابنِ مسعود رضي الله عنهم"، وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر» [أخرجه مسلم] ومثله ورد عن أنس رضي الله عنه متفق عليه.قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف الفقهاء من الصحابة والأئمة أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة". الوصيةالسادسة: ومن العبادات العظيمة في هذه العشر الصيام، ويدل عليه عموم الحديث بالحث على العمل في هذه العشر وأن له مزية عن غيره من الأيام، وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صائماً العشر قط" أي أنه لم يصمها كلها كما قال الإمام أحمد وليس المراد أنه ما صامها مطلقاً وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم هذه العشر ولكن ليس دائماً بدليل قول عائشة السابق. الوصية السابعة: ومن أعظم الأيام التي تصام في العشر هو اليوم التاسع يوم عرفة فقد جاء عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن صوم يوم عرفة، قال: «يكفر السنة الماضية والسنة القابلة» [أخرجه مسلم]. الحديث دليل على فضل صوم يوم عرفة وجزيل ثوابه عند الله تعالى حيث إن صيامه يكفر ذنوب سنتين. وإنما يستحب صيام يوم عرفة لأهل الأمصار، أما الحاج فلا يسن له صيامه، بل يفطر تأسياً بالنبي صلى الله عليه و سلم. فعلى المسلم المقيم أن يحرص على صيام هذا اليوم العظيم اغتناماً للأجر، وإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فإنه يصام، وأما ما ورد من النهي عن إفراد يوم الجمعة في الصوم فإنما هو لذات يوم الجمعة، وأما يوم عرفة فإنما يُصام لهذا المعنى وافق جمعةً أو غيرها، فدل على أن الجمعة غير مقصودة. والذنوب التي تكفَّر بصيام يوم عرفة هي الصغائر، وأما الكبائر كالزنا وأكل الربا والسحر وغير ذلك، فلا تكفرها الأعمال الصالحة بل لابد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد، وهذا قول الجمهور. ومما جاء في فضل هذا اليوم ما جاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء»، وعلى المسلم أن يحرص على الدعاء اغتناماً لفضله ورجاءً للإجابة، فإن دعاء الصائم مستجاب، وإذا دعا عند الإفطار فما أقرب الإجابة وما أحرى القبول!. الوصية الثامنة: هذه العشر فرصة للتوبة إلى الله وترك المعاصي وتجديد العهد مع الله يا مسلم يا عبد الله لا تفوت على نفسك الفرصة فهذه الأيام هي من أفضل أيام عمرك، جاهد نفسك على اغتنام الأوقات في الأعمال الصالحة والبعد عن كل ما يغضب الله ولا تكن من المحرومين الخاسرين الذين يتلاعب بهم الشيطان ويضيع عليه أغلى أوقات العمر، وهي مواسم الطاعات، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.الوصية التاسعة: فيما يتعلق بيوم العيد من أحكام. ورد في الحديث عن عبد الله بن قُرْطٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم: «إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر ثم يوم القَرِّ» [أخرجه أبو داود بإسناد جيد]، والحديث دليل على فضل يوم النحر وأنه أعظم الأيام عند الله تعالى وهو يوم الحج الأكبر، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: «يوم الحج الأكبر يوم النحر» [أخرجه أبو داود بسند صحيح]. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «يومُ عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهلُ الإسلام…» [أخرجه أصحاب السنن إلا ابن ماجة بإسناد صحيح]، وعيد النحر أفضل من عيد الفطر، لأن عيد النحر فيه الصلاة والذبح، وذلك فيه الصدقة والصلاة، والنحر أفضل من الصدقة، كما أن يوم النحر يجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الموسم. وفي هذا اليوم وظائف نرتبها كما يلي: أولاً: الخروج إلى مصلى العيد على أحسن هيئة، متزيناً بما يباح، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يترك التنظف والتزين حتى يذبح أضحيته، كما يفعله بعض الناس، ويبكر إلى المصلى، ليحصل له الدنو من الإمام، وفضل انتظار الصلاة. ثانياً: يسن التكبير في طريقه إلى المصلى حتى يخرج الإمام للصلاة، وإذا شرع الإمام في الخطبة ترك التكبير، إلا إذا كبر فيكبر معه. ثالثاً: تسن مخالفة الطريق، وهو أن يذهب من طريق ويرجع من آخر، لما ورد عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق» [أخرجه البخاري]. رابعاً: يسن في عيد الأضحى ألا يأكل شيئاً حتى يصلي، لما ورد عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: «كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطْعَمَ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي» [أخرجه الترمذي]. خامساً: صلاة العيد واجبة على كل مسلم ومسلمة على الصحيح من أقوال أهل العلم وليحرص المسلم على أدائها، وينبغي حث الأولاد على حضورها، حتى الصبيان، إظهاراً لشعائر الإسلام. سادساً: بعد الصلاة والخطبة يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، ويأكل منها، ويهدي للأقارب والجيران، ويتصدق على الفقراء، ويجوز ادخار لحوم الأضاحي. ولا تجوز الاستهانة بلحوم الأضاحي أو رَمْيُ ما يحتاج منها إلى تنظيف بحجة مشقة تنظيفه، بل من تمام الشكر الاستفادة منها كلِّها أو إعطائها من يستفيد منها ولو كلف ذلك جهداً. سابعاً: لا بأس بالتهنئة بالعيد، وتجب زيارة الوالدين والأقارب، وزيارتهم تقدم على زيارة الاخوة في الله، لأن الواجب على المسلم أن يبدأ بمن حقهم آكد وصلتهم أوجب. الوصية العاشرة: أيها المسلم يا عبد الله إن من علامة توفيق الله لك أن توفق للعمل الصالح فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله»، قالوا يا رسول الله: "وكيف يستعمله؟"، قال: «يوفقه لعمل صالح قبل موته»، وجاء أيضا في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم: عن أبي بكرة أن رجلا قال: "يا رسول الله أي الناس خير؟"، قال: «من طال عمره وحسن عمله»، قيل: "فأي الناس شر؟"، قال: «من طال عمره وساء عمله». اللهم أحسن ختامنا وأحسن عملنا يا أرحم الراحمين.
------------------------------------------------
المصدر
موقع طريق الاسلام
الوصية الأولى: اغتنام هذا الزمن الفاضل بكثرة الأعمال الصالحة قبل فواتها فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي ...
البحث عن الحب
لم يعل الإسلام شيئاً مثلما أعلى من شأن الحب، حتى أنه ربطه بالرب سبحانه وتعالى وجعل الله عز وجل هو الغاية التي ينتهي إليها الحب أيا كان نوعه . الإسلام حينما فعل ذلك أراد أن يجرد الحب من كل رباط محسوس، ومن كل رغبة أو شهوة بشرية آنية، تتلاشى لحظة تحققها، ليجعله متصلا بالله مباشرة . فالحب فيه سبحانه أسمى درجات الحب ، ولا يتحقق إيمان بشر، إذا لم يحب الله والرسول صلى الله وعليه وسلم ، ولا يتحقق إيمانه كاملاً إذا لم يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه. لقد صار كل حب في الإسلام غايته الحب في الله . وحينما يؤكد الإسلام على هذا الجانب ، فإنه يهدف إلى تجاوز المادي إلى الروحاني .. و الأرضي إلى العلوي السماوي . كيف ... ؟ إن المادي والأرضي ينتهيان إلى الفناء ، أما الروحاني والعلوي فمصيرهما الخلود . أليس الزواج بين رجل و امرأة هو نتيجة حب، بشكل من الأشكال. تأمل كيف ينظر الإسلام لأنواع الحب التي تؤدي إلى نشوء علاقة بين رجل و امرأة، تقود إلى الزواج. المال أولاً ثم الجمال (أي ميزات الجسد ) ثم المكانة الاجتماعية وأخيراً الدين بما يعني من تمثل لكافة القيم العليا التي جاء بها الإسلام ، وفي مقدمها حب الله سبحانه، من خلال تنزيهه بالتوحيد ، وأن لا يشرك معه أحداً. الإسلام يثمن عالياً الحب الأخير لأن غايته الله سبحانه ، و ينعي على الفرد تطلعه للأنواع الأخرى. الأنواع الأخرى .. مادية .. زائلة .. مصيرها إلى الفناء : المال يفنى ، والجسد يبلى ، والمكانة الاجتماعية تزول . لأن الحب طبيعته هكذا ، فإنه يقاوم عوامل الفناء ، بل هو يتجدد باستمرار .. إنه يستمد حياته من الذات العليا ، التي هي مصدر الخلود . إن من طبيعة المادي أنك حينما تمتلكه تزهد فيه ، لأنه يفتقد لخاصية التجدد والتسامي ، التي يملكها الروحاني . أضرب لك مثالاً : ألسنا نشتهي الطعام اللذيذ، وحينما نملكه .. نمله ونزهد فيه. ألسنا نعشق الجمال، فإذا ما أدركناه تطلعنا لآخر غيره . انظر إلى حسن التعامل ، الأدب ، الأخلاق ، الرحمة ، التعاون. ألسنا إذا ما وجدناها في إنسان تعلقنا به، و كلما ازداد تمثلاً لهذه الخصال، زاد تمسكنا به. الإسلام تعامل مع هذين النوعين .. المادي و الروحاني، على أساس من قدرة كل نوع على منح السعادة ، لأكبر عدد ممكن من الناس ولأطول مدة ممكنة. الجمال مثلاً، يمكن أن يمنح السعادة والمتعة لشخص واحد فقط، هو ذلك الذي يباشر الجمال .. بطبيعته المحسوسة ، بشكل أولى، ولمدة محدودة، هي الفترة الزمنية التي يكون فيها محتويا على عنصر الحياة والحيوية، قبل أن تأتي على نضارته عوامل الزمن. بل إن الطبيعة المادية المحسوسة له، تجعل الاستمتاع به مرهون بلحظة المباشرة أو اللذة الآنية . على الجانب الأخر ، خذ الأخلاق كمعادل لجمال الروح ، بما تحويه من رحمة ، وعطف ، وتعاون ، وأدب ، وغيرها من الخصال الحميدة. كم من الناس تمنحهم السعادة ، دون أن يكون لعامل الزمن أثر على امتدادها في عمق الزمان ، أو يمنع من شمولها و تمددها عائق المكان. الحب من هذا النوع يتجاوز الجسد .. ليعانق الروح في أفقها السرمدي . جمال الروح يمكن أن يوجد في الرجل ، وفي المرأة ، وفي الأبيض و الأسود ، والشيخ والطفل . أما الجمال المادي .. في الجسد .. في المحسوس .. فلا . إنه امتياز خاص ، لفئة محدودة من الناس اختارها الله ، لحكمة يعلمها هو سبحانه . الحب على أساس من الروح يفتح المجال واسعاً للترقي في مدارج الكمال، فارتباط الروح بالذات العليا، يمنحها القدرة على الإبداع والتسامي .. والزيادة . فنحن نستطيع أن نكون أكثر رحمة، وأكثر عطفا ً، وأكثر تسامحاً مرة بعد مرة، مدفوعين بالحب الأسمى .. حبه سبحانه وتعالى. لكننا لا نستطيع أن نكون أجمل، وأجسامنا لن تكون أكثر نضارة، وأنفاسنا لن تكون أطيب رائحة .. في كل مرة، لأن الجسد مرتبط بالأرضي الفاني، وجدير بحب كهذا أن يؤول للزوال . د. محمد الحضيف
لم يعل الإسلام شيئاً مثلما أعلى من شأن الحب، حتى أنه ربطه بالرب سبحانه وتعالى وجعل الله عز وجل هو الغاية التي ينتهي ...
طبيبة اجنبية تقول اذهلنى بر الوالدين فاسلمت
أول مرة سمعت فيها كلمة الإسلام كانت أثناء متابعتي لبرنامج تليفزيوني ، فضحكت من المعلومات التي سمعتها..
بعد عام من سماعي كلمة ” الإسلام ” استمعت لها مرة أخرى.. ولكن أين ؟ في المستشفى الذي أعمل فيه حيث أتى زوجان وبصحبتهما امرأة مريضة .. جلست الزوجة تنظر أمام المقعد الذي أجلس عليه لمتابعة عملي وكنت ألاحظ عليها علامات القلق ، وكانت تمسح دموعها .. من باب الفضول سألتها عن سبب ضيقها ، فأخبرتني أنها أتت من بلد آخر مع زوجها الذي آتى بأمه باحثا لها عن علاج لمرضها العضال..
كانت المرأة تتحدث معي وهي تبكي وتدعو لوالدة زوجها بالشفاء والعافية ، فتعجبت لأمرها كثيراً ! تأتي من بلد بعيد مع زوجها من أجل أن يعالج أمه ؟تذكرت أمي وقلت في نفسي : أين أمي؟ قبل أربعة أشهر أهديتها زجاجة عطر بمناسبة ” يوم الأم ” ولم أفكر منذ ذلك اليوم بزيارتها !
هذه هي أمي فكيف لو كانت لي أم زوج ؟! لقد أدهشني أمر هذين الزوجين .. ولا سيما أن حالة الأم صعبة وهي أقرب إلى الموت من الحياة .. أدهشتني أمر الزوجة.. ما شأنها وأم زوجها ؟! أتتعب نفسها وهي الشابة الجميلة من أجلها ؟ لماذا ؟ لم يعد يشغل بالي سوى هذا الموضوع ؟ تخيلت نفسي لو أني بدل هذه الأم ، يا للسعادة التي سأشعر بها ، يا لحظ هذه العجوز !
إني أغبطها كثيرا.. كان الزوجان يجلسان طيلة الوقت معها ، وكانت مكالمات هاتفية تصل إليه من الخارج يسأل فيها أصحابها عن حال الأم وصحتها …دخلت يوما غرفة الانتظار فإذا بها جالسة ، فاستغللتها فرصة لأسألها عما أريد ..حدثتني كثيرا عن حقوق الوالدين في الإسلام وأذهلني ذلك القدر الكبير الذي يرفعهما الإسلام إليه، وكيفية التعامل معهما .. بعد أيام توفيت العجوز ، فبكى ابنها وزوجته بكاءاً حارا وكأنهما طفلان صغيران.. بقيت أفكر في هذين الزوجين وبما علمته عن حقوق الوالدين في الإسلام.. وأرسلت إلى أحد المراكز الإسلامية بطلب كتاب عن حقوق الوالدين.. ولما قرأته..عشت بعده في أحلام يقظة أتخيل خلالها أني أم ولي أبناء يحبونني ويسألون عني ويحسنون إلي حتى آخر لحظة من عمري.. ودون مقابل.. هذا الحلم الجميل جعلني أعلن إسلامي دون أن أعرف عن الإسلام سوى حقوق الوالدين فيه ..
الحمد لله تزوجت من رجل مسلم، وأنجبت منه أبناء ما برحت أدعو لهم بالهداية والصلاح.. وأن يرزقني الله برهم ونفعهم..
أول مرة سمعت فيها كلمة الإسلام كانت أثناء متابعتي لبرنامج تليفزيوني ، فضحكت من المعلومات التي سمعتها..
بعد عام من ...
المسيح في القرآن
المسيح في القرآن ( 3 )
هل المسيح ابن الله أم لا ؟
وهل حقيقة المسيح لاهوتية أم ناسوتية ؟
وما هو الحق فيما حصل للمسيح في أخريات حياته هل رفع إلى السماء أم صلب على الخشبة ؟
، تلك هي أهم قضايا الخلاف بين الأمتين النصرانية والإسلامية ، ونحاول أن نبين ذلك في هذا المقال - من خلال العرض القرآني - ، .* المسيح والرفع المبارك
لم يسلم عيسى - عليه السلام- من أذى اليهود الذين بُعث لهدايتهم ، حتى بلغ بهم أن شكوه إلى الرومان ليقتلوه ، وهنا تتفق اليهودية والنصرانية على أعظم فرية ، ألا وهي القول بصلب المسيح - عليه السلام- ، ولكلا الطائفتين تفسيرهما لحادثة الصلب ، غير أن القرآن الكريم ينسف دعواهما معاً ، ويثبت حقيقة كانت غائبة عن الكثيرين وهي أن عيسى - عليه السلام- لم يصلب وإنما رفعه الله إليه ، بعد أن ألقى الله شبهه على واحد - قيل من أعدائه ، وقيل من أتباعه - حيث قام الرومان بصلبه .يقول الله في بيان وتجلية هذه الحقيقة : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } (النساء:157-158) وقال أيضاً :{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }(آل عمران:55) * بيان كفر النصارى في اعتقادهم ألوهية المسيح
لقد أوضح القرآن الكريم مبلغ الضلال والغي الذي وصل إليه النصارى حين اعتقدوا ألوهية المسيح - عليه السلام- الذي أرسله الله تعالى داعياً إلى وحدانيته جلا وعلا ، فقد تحول في أذهان هؤلاء الجهلاء إلى إله يُعبد من دون الله ، لذلك وبموجب هذه العقيدة الشركية فقد صرح القرآن الكريم بكفرهم ، فقال سبحانه :{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }(المائدة:72) * وعظ النصارى بترك الغلو
بعد أن أبان الله حقيقة عيسى - عليه السلام- وأنه رسول من عند الله عز وجل بعثه لهداية الخلق لطريق الحق ، وعظ سبحانه النصارى في غلوهم فيه ، وأمرهم بالانتهاء عن أقوالهم الباطلة ، ودعاهم إلى القول بما أخبر به من أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله ، فقال سبحانه :{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }( النساء:171) * المسيح ينفي ما ادعته النصارى فيه
يقول الله جل جلاله في ذلك :{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ علاّم الْغُيُوبِ }( المائدة:116) ، ففي الآية ينفي عيسى - عليه السلام - عن نفسه ما زعمته النصارى فيه من القول بألوهيته وأمه من دون الله جل وعلا ، وفي هذا النفي أعظم الحجة على ضلال النصارى ، لعلهم يرجعون عن ضلالهم وغيهم .* عيسى والنزول آخر الزمان
وهذا حديث آخر عن عيسى - عليه السلام- ، يخبر فيه رب العزة والجلال عن علامة من علامات الساعة العظام وهي نزول عيسى - عليه السلام- من السماء لينهي بخروجه وانضمامه إلى المسلمين وتمسكه بشريعتهم ، حالة من الجدال بين الأمم الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلامية ، قال تعالى مبينا هذه الحقيقة :{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } (الزخرف:61) قال ابن عباس في تفسير المراد بالآية :هو نزول عيسى - عليه السلام- ، وقال أيضاً:{ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }( النساء:159) ومعنى الآية على أحد الأقوال - كما يقول الإمام الطبري - أن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى وأنه عبد الله ورسوله قبل أن يموت وذلك عند نزوله آخر الزمان لقتال الدجال ، وقد أوضحت السنة النبوية تفاصيل هذا النزول ، وتكلمنا عنه في مقال سابق بما يغني عن إعادته .وبهذه الأسلوب الرائع الذي حدَّث به القرآن عن شخصية عيسى - عليه السلام- تتشكل في ذهن كل مسلم صورة واضحة المعالم ، صورة - على روعتها - سهلة في فهمها واستيعابها ، ويمكن تلخيصها بكلمات يسيرة ، فعيسى - عليه السلام- وإن كانت ولادته معجزة من أمٍّ بلا أبٍ ، إلا أنه كسائر الرسل فيما سوى ذلك ، فهو بشر أرسله الله عز وجل داعية إلى بني إسرائيل ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأيده بالآيات والمعجزات ليكون دليلا وبيانا على صدق نبوته ، وحجة على من خالف وعاند وكفر ،{ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }(مريم :34 ).إسلام ويب
المسيح في القرآن ( 3 )
هل المسيح ابن الله أم لا ؟
وهل حقيقة المسيح لاهوتية أم ناسوتية ؟
وما هو الحق فيما ...
لماذا يطوف المسلمون حول الكعبة
ما الفائدة من الدوران حو.ل الكعبه قال صاحبي وهو يبتسم ابتسامة خبيثةألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتتمسّحون به وتطوفون حولهورجم الشيطان والهرولة بين الصفا والمروة وتقبيل الحجر الأسود وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات والسبع هرولات وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة... وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم...لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة ولكن لا حياء في العلمقلت في هدوء :ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستهاأن الأصغر يطوف حول الأكبرالإلكترون في الذرّة يدور حول النواةوالقمر حول الأرضوالأرض حول الشمسوالشمس حول المجرّةوالمجرّة حول مجرّة أكبرإلى أن نصل إلى الأكبر مطلقا وهو اللهألا نقول الله أكبرأي أكبر من كل شيءوأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسيةرغم أنفك ولا تملك إلا أن تطوففلا شيء ثابت في الكون إلا اللههو الصّمد الصامد الساكن والكل في حركة حولهوهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياءأما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا لله ألا تطوفون أنتم حول رجل محنّط في الكرملين تعظمونه وتقولون أنه أفاد البشريةولو عرفتم لشكسبير قبرا لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد عليه الصلاة والسلامألا تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي المجهولفلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجرا على نصب رمزي نقول أنه يرمز إلى الشيطانألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتكثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديدوهي نفس الرحلة الرمزيةمن الصفا ، الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدمإلى المروة ، وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة و الوجودمن العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدمأليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقاتألا ترى في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرارأما عن رقم 7 الذي تسخر منهدعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7صول لا سي دو ري مي فا .ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديدفلا نجد 8 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جرا.... وكذلك درجات الطيف الضوئي 7 وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرّة في نطاقات 7 والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 وإذا ولد قبل ذلك يموت وأيام الأسبوع 7ألا يدل ذلك على شيءأم أن كل هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلسميةألا تقبّل خطابا من حبيبتك .. هل أنت وثني ؟فلماذا تلومنا إذا قبّلنا ذلك الحجر الأسودالذي حمله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في ثوبه وقبّلهلا وثنية في ذلك بالمرةلأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها وإنما نحو المعاني العميقة والرموز والذكرياتإن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر وبعث المشاعر وإثارة التقوى في القلبأما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم ونشترط ألا يكون مخيطا فهو رمز للخروجمن زينة الدنيا وللتجرد التام أمام حضرة الخالق تماما كما نأتي إلى الدنيا في اللفةونخرج من الدنيا في لفة وندخل القبر في لفةألا تشترطون أنتم لبس البدل الرسمية لمقابلة الملكونحن نقول : إنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا التجرد وخلع جميع الزينة لأنه أعظم من جميع الملوك ولأنه لا يصلح في الوقفة أمامه إلا التواضع التام والتجرد ولأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني والفقير والمهراجا والمليونير أمام الله فيه معنى آخر للأخوة رغم تفاوت المراتب والثرواتوالحج عندنا اجتماع عظيم ومؤتمر سنوي ومثله صلاة الجمعة وهي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع هي كلها معان جميلة لمن يفكر ويتأمل وهي أبعد ما تكون عن الوثنيةولو وقفت معي في عرفة بين عدة ملايين يقولون ((الله أكبر)) ويتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة ويهتفون ((لبيك اللهم لبيك ))ويبكون ويذوبون شوقا وحبا لبكيت أنت أيضا دون أن تدري وتذوب في الجمع الغفير من الخلق وأحسست بذلك الفناء والخشوع أمام الإله العظيم.
من كتاب حوار مع صديق الملحد للكتور مصطفى محمود
ما الفائدة من الدوران حو.ل الكعبه قال صاحبي وهو يبتسم ابتسامة خبيثةألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة ...
لماذا يطوف المسلمون حول الكعبة
ما الفائدة من الدوران حو.ل الكعبه قال صاحبي وهو يبتسم ابتسامة خبيثةألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتتمسّحون به وتطوفون حولهورجم الشيطان والهرولة بين الصفا والمروة وتقبيل الحجر الأسود وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات والسبع هرولات وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة... وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم...لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة ولكن لا حياء في العلمقلت في هدوء :ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستهاأن الأصغر يطوف حول الأكبرالإلكترون في الذرّة يدور حول النواةوالقمر حول الأرضوالأرض حول الشمسوالشمس حول المجرّةوالمجرّة حول مجرّة أكبرإلى أن نصل إلى الأكبر مطلقا وهو اللهألا نقول الله أكبرأي أكبر من كل شيءوأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسيةرغم أنفك ولا تملك إلا أن تطوففلا شيء ثابت في الكون إلا اللههو الصّمد الصامد الساكن والكل في حركة حولهوهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياءأما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا لله ألا تطوفون أنتم حول رجل محنّط في الكرملين تعظمونه وتقولون أنه أفاد البشريةولو عرفتم لشكسبير قبرا لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد عليه الصلاة والسلامألا تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي المجهولفلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجرا على نصب رمزي نقول أنه يرمز إلى الشيطانألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتكثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديدوهي نفس الرحلة الرمزيةمن الصفا ، الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدمإلى المروة ، وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة و الوجودمن العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدمأليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقاتألا ترى في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرارأما عن رقم 7 الذي تسخر منهدعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7صول لا سي دو ري مي فا .ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديدفلا نجد 8 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جرا.... وكذلك درجات الطيف الضوئي 7 وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرّة في نطاقات 7 والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 وإذا ولد قبل ذلك يموت وأيام الأسبوع 7ألا يدل ذلك على شيءأم أن كل هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلسميةألا تقبّل خطابا من حبيبتك .. هل أنت وثني ؟فلماذا تلومنا إذا قبّلنا ذلك الحجر الأسودالذي حمله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في ثوبه وقبّلهلا وثنية في ذلك بالمرةلأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها وإنما نحو المعاني العميقة والرموز والذكرياتإن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر وبعث المشاعر وإثارة التقوى في القلبأما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم ونشترط ألا يكون مخيطا فهو رمز للخروجمن زينة الدنيا وللتجرد التام أمام حضرة الخالق تماما كما نأتي إلى الدنيا في اللفةونخرج من الدنيا في لفة وندخل القبر في لفةألا تشترطون أنتم لبس البدل الرسمية لمقابلة الملكونحن نقول : إنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا التجرد وخلع جميع الزينة لأنه أعظم من جميع الملوك ولأنه لا يصلح في الوقفة أمامه إلا التواضع التام والتجرد ولأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني والفقير والمهراجا والمليونير أمام الله فيه معنى آخر للأخوة رغم تفاوت المراتب والثرواتوالحج عندنا اجتماع عظيم ومؤتمر سنوي ومثله صلاة الجمعة وهي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع هي كلها معان جميلة لمن يفكر ويتأمل وهي أبعد ما تكون عن الوثنيةولو وقفت معي في عرفة بين عدة ملايين يقولون ((الله أكبر)) ويتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة ويهتفون ((لبيك اللهم لبيك ))ويبكون ويذوبون شوقا وحبا لبكيت أنت أيضا دون أن تدري وتذوب في الجمع الغفير من الخلق وأحسست بذلك الفناء والخشوع أمام الإله العظيم.
من كتاب حوار مع صديق الملحد للكتور مصطفى محمود
ما الفائدة من الدوران حو.ل الكعبه قال صاحبي وهو يبتسم ابتسامة خبيثةألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة ...
لا إكراه في الدين
قال تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} البقرة : 256إذن هي الحرية الدينية لغير المسلمين في ظل دولة الإسلام .فقد أعطى الإسلام الحرية للناس في عقائدهم إذا خضعوا لحكم الإسلام ما لم يكن وثنياً من جزيرة العرب ، فهذا لا حرية له ، وما عدا هذا فما عرف الناس مكاناً يأمنون فيه على دينهم غير أرض الإسلام . والدليل على ذلك واضح ، هو أنه حيث فتح المسلمون أرضاً فيها دين وجدت بقايا أهل هذا الدين موجودين ، ولو أن المسلمين كانوا يكرهون رعاياهم على اعتناق دينهم كما فعل غيرهم لما وجدت هذه الظاهرة . إنك لا تجد مثلاً مسلماً واحداً في أسبانيا مع أن المسلمين فيها كانوا ثلاثين مليوناً ، بينما تجد نصارى في بلاد الشام حتى الآن من بقايا النصارى الأولين ، وتجد يهوداً ، ولا يزال غير المسلمين هم الأكثرية في الهند مع أن المسلمين حكموها ثمان مائة سنة ، وهكذا تتكرر الظاهرة في كل مكانلقد حاول مرة السلطان سليم الأول أن يأخذ أولاد النصارى ويربيهم على الإسلام ، فوقف أمامه علماء المسلمين معارضين ، وأعلنوا أن هذا لا يجوز فعدل عن فكرته .ومن قرأ معاهدات المسلمين مع غيرهم من أبناء الأرض المفتوحة ، وجد سعد صدر المسلمين وتسامحهم ، وعلم أن دعوة الإسلام لم تسلك طريقها في القلوب إلا عن طريق الإقناع والمعاملة الحسنة ، والإيمان بالقيم العظيمة الموجودة في هذا الدين ، واقرأ نص المعاهدة التي كتبت بين نصارى الشام وبين عمر تجد هذا المعنى واضحاً وهذا نص المعاهدة :" بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أماناً لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبرها ، وسائر ملتها أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقض منها ولا من صلبانهم ولا شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن إيلياء أحد من اليهود . وعلى أهل إيلياء أن يعطوا أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على إيلياء من الجزية ، ومن أحب إيلياء من الجزية ، ومن أحب من إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وعلى صليبهم حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء رجع إلى أرضه ، وأنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ، شهد على ذلك من الصحابة – رضي الله عنهم – خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وعمرو بن العاص - رضي الله عنه - وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - " . ومن قرأ شهادة السكان غير المسلمين رأى مصداق ذلك .يقول البطريرك ( عيشو يايه ) عام 656 هجرية :" إن العرب الذين مكنه الزمن من السيطرة على العالم يعاملوننا بعدالة كما تعرفون " .ويقول مكاريوس بطريك إنطاكية : " أدام الله بناء دولة الترك خالدة إلى الأبد . فهم يأخذون ما فرضوه من جزية ولا شأن لهم بالأديان سواء أكان رعاياهم مسيحيين ، أم ناصريين يهوداً أو سامرة " .ويقول أرنولد : حتى إيطاليا كان فيها قوم يتطلعون بشوق عظيم إلى التركي لعلهم يحظون كما حظي رعاياهم من قبل بالحرية والتسامح اللذين يئسوا من التمتع بها في ظل أي حكومة مسيحية .ويقول : وحدث أن هرب اليهود الأسبانييون المضطهدون في جموع هائلة فلم يلجأوا إلا إلى تركيا في نهاية القرن الخامس عشر .ويقول ريتشارد سيبر من أبناء القرن السادس عشر : وعلى الرغم من أن الأتراك بوجه عام شعب من أشرس الشعوب ... سمحوا للمسيحيين جميعاً للإغريق منهم واللاتين أن يعيشوا محافظين على دينهم ، وأن يصرفوا ضمائرهم كيف شاؤوا بأن منحوهم كنائسهم لأداء شعائرهم المقدسة في القسطنطينية وفي أماكن أخرى كثيرة جداً ، على حين أستطيع أن أؤكد بحق بدليل اثنتي عشرة عاماً قضيتها في أسبانيا أننا لا نرغم على مشاهدة حفلاتهم البابوية فحسب بل إننا في خطر على حياتنا وسلفنا " .وحتى الجزية التي هي من جانب رمز للخضوع لسلطان الإسلام ، هي من جانب آخر رمز على الحرية الدينية ، فالجزية من هذا الجانب تفرض على رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين ، في مقابل حمايتهم وعدم مشاركتهم في الحروب ، وفي ذلك منتهى العدل إذ القتال في الإسلام قتال عقدي فالمسلم الذي يقاتل إنما يقاتل بوحي من إسلامه وعقيدته ، وفي سبيل ربه ودينه . فلو أننا طالبنا رعايانا من غير المسلمين أن يقاتلوا معنا فكأننا في هذه الحالة نجبرهم على القتال من أجل عقيدة لا يؤمنون بها ، وذلك منتهى الظلم ، وخاصة إذا كان القتال ضد أبناء دينهم أنفسهم . فالجزية إذن من هذا الجانب لصالح هؤلاء الرعايا ، وجزء متمم لحريتهم ، بدليل أنه حدث في التاريخ الإسلامي أن ناساً من غير المسلمين شاركوا في جيوش المسلمين فأسقط عنهم المسلمون الجزية .وحتى العقوبة الصارمة التي فرضها الإسلام على المرتدين عن الإسلام وهي القتل ، هذه العقوبة لصالح الأقليات غير الإسلامية في الأرض الإسلامية من جانب . إذ غير المسلم عندما يعلم أن الدخول في الإسلام باختياره ، ولكنه وإذا دخل وخرج فجزاؤه القتل ، فذلك يجعله يفكر كثيراً قبل اعتناقه الإسلام فيقدم عليه بعد دراسة طويلة واقتناع كامل .قارن هذه الحرية المعطاه لغير المسلمين في الأرض الإسلامية ، في عقائدهم ودياناتهم ، بما يفعل الآخرون حديثاً وقديماً من إجبار الإنسان على تغيير عقيدته ، أو قتله أو سجنه ، أو تعذيبه أو اضطهاده ، أو فرض فكر معين عليه يعتنقه ويتبناه ، أو عدم السماح له بدراسة دينه وعقيدته ، أو يحال بينه وبين من يمك أن يلقنه دينه ، وتجد في ذلك مآسي وحوادث تثير شجن الإنسان . لكن لو درست التاريخ الإسلامي . فإنك لا تجد حادثة واحدة شبيهة بهذا وهذه أمثلة على أعمال غير المسلمين :يذكر صاحب كتاب كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل وهو كتاب مؤلفه نصراني :1 – أمر الإمبراطور قسطنطين بقطع آذان اليهود وإجلائهم إلى أقاليم مختلفة ، ثم أمر إمبراطور الروم في القرن الخامس أن يخرج اليهود من الإسكندرية التي كانت مأمنهم .. وأمر بهدم كنائسهم . ومنع عبادتهم وعدم قبول شهادتهم ، وعدم نفاذ الوصية إن أوصى أحد منهم لأحد في ماله ، ولما احتجوا على ذلك نهب جميع أموالهم وقتل كثيراً ( صفحة 27 ) .2 – إن يهود بلدة أنطيوح لما أسروا بعدما صاروا مغلوبين ، قطع أعضاء البعض وقتل البعض ، وأجلى الباقين كلهم ، وظلم الإمبراطور الروماني اليهود الموجودين في المملكة كلها ، وأجلاهم وهيج الدول الأخرى على هذه المعاملة فتحملوا بذلك الظلم من آسيا إلى أقصى حد في أوربا . ثم بعد مدة كلفوا في أسبانيا أن يقبلوا شرطاً من شروط ثلاثة . أن يقبلوا المسيحية ، فإن أبوا عن قبولها يكونون محبوسين , وإن أبوا عن كليهما يجلون من أوطانهم ومثل ذلك حدث في فرنسا ( ص 29 ) .3 – ومن القوانين التي أصدرها الكاثوليكيون . ولا يجوز الأكل مع اليهودي ويجب نزع أولادهم منهم لتربيتهم تربية مسيحية ( ص 29 ) .4 – وقد ثبت تاريخياً أن اليهود أجلوا من فرنسا سبع مرات ( ص 30 – 31 ) .5 – وحدث لهم في النمسا وأسبانيا وبريطانيا من القتل والطر والإكراه الكثير ، وقد أجلى إدوارد الأول ملك بريطانيا أكثر من خمسة عشر ألفاً من اليهود بعد أن نهب أموالهم ( ص 32 ) .ويذكر توماس نيوتن في كتابه عن نبوءات الكتب المقدسة أن النصارى عندما فتحوا بيت المقدس في الحروب الصليبية قتلوا أكثر من سبعين ألفاً من المسلمين .ونقول : إن المسلمين عندما استردوا المدينة بعد زمن طويل لم يقتلوا إنساناً واحداً بعد الفتح .وأصدر الملك لويس الحادي عشر سنة 1724 قانوناً يقول فيه : إن الكاثوليكية وحدها مأذون بها وأما أصحاب الديانات الأخرى فجزاؤهم الأشغال المؤبدة ، وكل واعظ يدعو إلى ملة غير الكاثوليكية جزاؤه الموت .وقتل في فرنسا في مذبحة واحدة وهي الشهيرة بمذبحة بروتولماوس واحد وثلاثون ألفاً من البروتستانت .وقتلت محاكم التفتيش حرقاً بالنار حوالي مائتين وثلاثين ألفاً ، والذين قتلوا بالسيف وبآلات التعذيب خلق كثير هذا من غير المسلمين ، أما المسلمون فقد ذكرنا أنه لم يبق في أسبانيا من الثلاثين مليوناً من المسلمين مسلم واحد ، كلهم غدر بهم فمن قتيل أو طريد أو مكروه على تغيير دينه .إن إعطاء الإنسان الحرية الكاملة في أمر اختياره عقيدته وعدم إجباره على تغيير دينه بأي واسطة من وسائط الإكراه ، ثمرة من ثمار محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ما كانت لتكون لولا الوحي . إن العرب هذا الشعب القاسي ، كان يمكن أن يمثل في حال النصر الدور الذي مثله التتار من بعد . قتل جماعي ، ومحو للحضارة ، ولكن العرب على العكس من ذلك . مثلوا على مسرح التاريخ أروع أمثلة الرحمة والتسامح مع الشعوب المغلوبة ، وهذا ليس من أخلاقهم في الأصل لولا دعوة الله ودين الله ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .بل إن عملية الجهاد المستمر ، والتضحيات الكثيرة التي بذلت فيه من أجل إخضاع العالم لسلطان الله ، مع إعطاء الفرد الحرية في البقاء على دينه أو الانتقال منه إلى الإسلام دين الله الحق بالاقتناع الكامل دليل على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله .فالذين يتصورون أن مقام النبوة يتنافى مع الحرب العادلة ، تصوراتهم معكوسة تماماً . إن حرب الأنبياء وحدها هي المعقولة في العالم ، إذ إن الحياة البشرية لا تستقيم إلا على قانون الله وشريعته . فما لم يكن العالم خاضعاً لسلطان الله ، فإن العالم تمزقه بمن فيه وقتذاك أهواء البشر ، أما إذا خضع لسلطان الله المتمثل في عباده المستقيمين الصالحين ، وشريعة الله ، فإن في ذلك صلاحه وكما قدمنا فلا يعني إخضاع البشر لسلطان الله إجبارهم على الدخول في دين الله .والذين ينكرون على رسول الله الجهاد في سبيل الله إما ملحدون : وهؤلاء أصغر من أن يرد عليهم لأن القتل والخراب الذي يحدث على أيديهم بغير حق يندى له جبين الوحوش . فقد قتلت روسيا من رعاياها من أجل إقامة الحكم الشيوعي تسعة عشر مليوناً . وإما أهل دين : كاليهود والنصارى وهؤلاء يناقضون أنفسهم فإن في التوراة التي يؤمن بها جميعهم نصوصاً كثيرة تدل على أن الأنبياء جاهدوا في سبيل الله ، وفي الإنجيل وكتب العهد الجديد ما يدل على أن الأنبياء يحاربون وهذه شواهد .1 – مذكور في كتاب المشاهدات الباب ( 19 ) والرسالة الثانية الباب الثاني لأهل تسالونيق وهما كتابان نصرانيان . أن عيسى عليه السلام سيقتل الدجال وعسكره بعد نزوله . أي قرب قيام الساعة وهذه عقيدة المسلمين أيضاً .2 – وفي سفر التثنية( 10 ) وإذا دنوت من قرية لتقاتلهم ادعهم أولاً إلى الصلح فإن قبلت وفتحت لك الأبواب فكل الشعب الذي بها يخلص ويكونون لك عبيداً يعطونك الجزية ، وإن لم ترد تعمل معك عهداً وبدأت بالقتال معك فقاتلها أنت ، وإذا سلمها الرب إلهك بيدك اقتل جميع من بها من جنس الذكر بحد السيف دون النساء والأطفال والدواب وما كان في القرية غيرهم واقسم للمعسكر الغنيمة بأسرها . وكُل من سَلبِ أعدائك الذي يعطيك الرب إلهك . وهكذا فافعل بكل القرى البعيدة منك جداً . فأما القرى التي تعطى أنت إياها فلا تستحي منها نفساً البتة ولكن أهلكهم هلاكاً كلهم بحد السيف . الحيثي والآموري والكنعاني والفرزي والحوابي والبابوسي كما أوصاك الرب إلهك .3 – وفي الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا ( 29 ) فجمع داود الشعب وسار إلى راية فحارب أهلها وفتحها وأخذ تاج ملكهم على رأسه .والنصوص عندهم في هذا كثيرة تجدها في سفر الخروج الباب الثالث الفقرة ( 43 ) وفي الباب الرابع والثلاثين منه ( 10 ) وفي سفر العدد الباب الثالث والثلاثين وفي سفر صموئيل الأول الباب السابع والعشرون ( 8 ) وفي سفر الملوك الباب الثامن ( 20 ) وغيرها وغيرها كثير يقول بولس المقدس عند النصارى في الرسالة العبرانية الباب الحادي عشر فقرة ( 32 ) : وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت أن أحدث عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا براً نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود أطفئوا النار ، نجو من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء .وأخيراً الجهاد في سبيل الله ثمرة من ثمار النبوة ، وعدم إكراه الناس على الدخول في الإسلام ثمرة أخرى ، وكلتاهما تشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .وهذه الثمار كلها غيض من فيض وإلا فإن ثمار النبوة كثيرة تعجز الإنسان عن الإحصاء . وحيثما نظرت في الإسلام دلّك الإسلام على أنه دين الله رب العالمين ، وأن محمداً رسول هذا الإله العظيم وأنه المبلغ عنه .- سعيد حوى
قال تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} البقرة : 256إذن هي الحرية الدينية لغير المسلمين في ظل دولة ...
دين البابية ونسخ جميع الأديان
الباب:يعتقد فيه البابيون أنه أتم، وأكمل هيكل بشري ظهرت فيه الحقيقة الإلهية، وأنه هو الذي خلق كل شيء بكلمته، والمبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء، أو هو - كما يعبر جولدزيهر -: "أرفع مراتب الحقيقة الإلهية التي حلت في شخصه حلولاً مادياً وجثمانيًا"[1] وهو حقيقة كل نبي ورسول وقديس. وإليك نص ما قاله الباب نفسه عن نفسه: "كنت في يوم نوح نوحًا، وفي يوم إبراهيم إبراهيم، وفي يوم موسى موسى، وفي يوم عيسى عيسى، وفي يوم محمد محمداً، وفي يوم "علي قبل نبيل"[2]، علي، ولأكونن في يوم من يظهره الله من يظهره الله، وفي يوم من يظهره من بعد من يظهره الله من بعد من يظهره الله إلى آخر الذي لا آخر له قبل أول الذي لا أول له. كنت في كل ظهور حجة الله على العالمين"[3] أي هو الحقيقة الإلهية التي ظهرت من قبل، وستظل تظهرا أبدا في أجسام بشرية. وهذا النص الثابت يهدم ما تزعمه البهائية من أن الباب لم يكن سوى مبشر بظهور البهاء.وكفر الباب قديم لهج به الغنوصيون[4] والصوفيون، غير أن الباب لم يجد التعبير عنه، ليخفي معالم سرقة الكفر أو ليظهر الكفر جديداً.أمور الآخرة:كفر الباب بالقيامة كما فصل أمورها، ووصفها القرآن، وأخذ بتفسير الباطنية لها، أو بجحود الباطنية بها، فقد قال عن القيامة: إنها قيام الروح الإلهية في مظهر بشري جديد، وعن البعث: إنه هو الإيمان بألوهية هذا المظهر! وعن لقاء الله يوم القيامة: إنه لقاء الباب؛ لأنه هو الله!وعن الجنة: إنها الفرح الروحي الذي يشعر به من يؤمن بالمظهر الإلهي. وعن النار: إنها الحرمان من معرفة الله في تجلياته في مظاهره البشرية [5]، وزعم أنه البرزخ المذكور في القرآن؛ لأنه كان بين موسى وعيسى. فهل ثم من جديد في هذا الكفر الذي أرسى عليه الباب أصول دينه؟ كلا، وسيأتي الدليل.الرجعة:فسرها الباب - أخذاً عن الشيخية - برجوع الصفات الإلهية، وتجليها مع أثارها في مظهر جديد للحقيقة الإلهية[6].شرعة الباب:ألغى الباب الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصلاة الجماعة إلا في الجنازة! وقرر أن الطهر من الجنابة غير واجب، وأن القبلة هي البيت الذي ولد فيه بشيراز، أو مكان سجنه، أو البيوت التي عاش فيها هو وأتباعه. وهي نفس الأماكن التي فرض على أتباعه الحج إليها[7].أما الصوم: فمن شروق الشمس إلى غروبها، ومدته شهر بابي، وعدته تسعة عشر يوما، وهذا الشهر يقع دائما في أول الربيع. وقد أباح الباب لإتباعه قضاء خمسة أيام قبل الصيام في لهو ومجانة تنطلق فيها النفس انطلاق الشهوة العارمة لا تأبه بدين ولا قانون، ولا مجتمع.أما الزكاة فخمس العقار، وتؤخذ في آخر العام من رأس المال وتعطى للمجلس البابي المؤلف من تسعة عشر عضواً[8].أما الزواج: فإجباري بعد بلوغ الحادية عشرة، ويكفي فيه رضاء الطرفين. ويجوز إيقاع الطلاق تسع عشرة مرة، وعدة المطلقة تسعة عشر يوماً.ولا يجوز الزواج بأرملة إلا بعد دفع دية، وإلا بعد انقضاء عدتها، ومقدارها خمسة وتسعون يوماً.وقد حرم على المرأة الحجاب طواعية لشهوة قرة العين التي عاشت حياتها كلها مسفرة إسفار الدنس والمجانة، تدمر الأعراض، وتوحي إلى الباب بدينه! ويعيش معها شيوخ البابية في فجور الجسد الممتهن.وقد ألغت البابية جميع العقوبات المادية والأدبية، ولم تبق سوى الدية التي يدفعها من يريد الزواج بأرملة! ولا تحكم البابية على شيء بالنجاسة، فالإنسان حينما يعتنق البابية يصبح طاهرا، ويصبح كل ما يملكه كذلك. وتوجب البابية دفن الميت في قبر من البلور، أو المرمر المصقول، ووضع خاتم في يمناه منقوش عليه فقرة من كتاب البيان. والميراث لسبعة أنواع: الولد والزوج أو الزوجة والأب والأم والأخ والأخت والمعلم. والنصيب الأوفى من الميراث يكون للولد. والعيد الرئيسي عند البابية هو عيد النيروز ومدته تسعة عشر يوما. وفي صباح كل جمعة يجب استقبال الشمس بالسلام [9].نسخ جميع الأديان:قال الباب في رسالة بعث بها إلى الشيخ محمود الألوسي صاحب تفسير (روح المعاني) عن دينه الذي يدعو إليه: "من لم يدخل في دين الله - أي دينه - مثله كمثل الذين لم يدخلوا في الإسلام"[10] وقال - وشيطانه الموحي قرة العين -: "كل من كان على شريعة القرآن كان ناجيا إلى ليلة القيامة أي من يوم الساعة، وهي الساعة الثانية والدقيقة الحادية عشرة من غروب شمس اليوم الرابع، وأول الليلة الخامسة من شهر جمادي الأولى سنة 1260هـ"[11] يعني الساعة التي أعلن فيها أنه القائم، أو المظهر الإلهي الجديد!؛ ولهذا حرم الباب على أتباعه جميعا قراءة القرآن، فقام البابيون بتحريق المصاحف وذر رمادها! وكل امرئ لا يدخل دين البابية كافر جاحد مهدور الدم.يفضل نفسه على خاتم النبيين:يقول الباب: "إنني أفضل من محمد كما أن قرآني أفضل من قرآن محمد، وإذا قال محمد بعجز البشر عن الإتيان بسورة من سور القرآن، فأنا أقول بعجز البشر عن الإتيان بحرف مثل حروف قرآني. إن محمداً كان بمقام الألف، وأنا بمقام النقطة"[12].
الهوامش:
[1] مادة باب، دائرة المعارف الإسلامية، ص256 تاريخ البابية، ص242 العقيدة والشريعة.[2] تلقب الشيعة محمدًا بلقب (نبيل) فمعنى (علي قبل نبيل) - وهو مصطلح شيعي - (علي قبل محمد).[3] ص237 التراث اليوناني ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي.[4] جماعة عاشوا في أربعة القرون الأولى من ميلاد المسيح، منهم المسيحيون واليهود والوثنيون، ولهذا كان مذهبهم أمشاجاً من المسيحية المفلسفة، والأساطير الفارسية القديمة واللاهوت اليهودي، والفلسفة اليونانية، وبخاصة الأفلاطونية والفيثاغورية والرواقية.[5] ص411 الكواكب الدرية ج-1 ص28، بهاء الله والعصر الجديد ص251 تاريخ البابية.[6] ص412 الكواكب الدرية ج-1.[7] وصى الباب عند ظهور رجل مقتدر من أتباعه بهدم جميع الأماكن المقدسة عند جميع الطوائف، ومنها الكعبة. ص353 تاريخ البابية، ص158 العقائد لعمر عنايت.[8] مادة باب دائرة المعارف الإسلامية 57.[9] تاريخ البابية، ص165 ج-3 تاريخ الشعوب الإسلامية.[10] ص98 ج-3 رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر الحسين شيخ الأزهر الأسبق.[11] ص251 تاريخ البابية.[12] النقطة هي الحقيقة الإلهية في التعين الأول. أما الألف فالصورة الحاكية عنه، يريد من هذا أنه هو الأصل الذي تفرع عنه كل كائن، ومنهم محمد.المصدر: الألوكة
الباب:يعتقد فيه البابيون أنه أتم، وأكمل هيكل بشري ظهرت فيه الحقيقة الإلهية، وأنه هو الذي خلق كل شيء بكلمته، والمبدأ ...
فائدة وقوع المتشابه فى القرآن الكريم
تساءل المشككون:
ما فائدة المتشابه في القرآن؟!
واستشهدوا لذلك بقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} (آل عمران:7).
أولاً: نوضِّح لهم أن المتشابه لا يُقْصَد به أنه غيرُ مفهوم المعنى، وإنما للعلماء أقوال كثيرة فى المقصود بالمحكَم والمتشابه، ومن هذه الأقوال:
- المحكم: هو الناسخ، والمتشابه: هو المنسوخ.
- المحكَم: ما بَيّنَ الله حلالَه وحرامَه، والمُتشابه: ما اشتبهت معانيه.
- المحكم: ما لا يحتمل إلاَّ وجهًا واحدًا، والمتشابه: ما احتمل من التأويل أوجهًا.
- المحكم: الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه: القصص والأمثال.
- المحكم: ما تكرَّر من القصص بلفظ واحدٍ، والمتشابه ما تكرَّر منها مع اختلاف الألفاظ .
- المحكم: ما اتَّفق فيه العلماء، والمتشابه: ما اختلفوا فيه.
- المحكم: ما فهم العلماء تفسيره، والمتشابه: ما استاثر الله بعلمه: كقيام الساعة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج عيسى عليه السلام، وكيفية الاستواء على العرش، وأمر الروح، وما شابه ذلك .
والملاحظ مما سبق أنَّ كُلَّ التعريفات ما عدا الأخير تَدُلُّ على أن المتشابه ليس المقصود به أنه غير مفهوم المعنى، وإنَّما معناه: ما يحتاج إلى علم وإعمال ذهن للوصول إلى معناه، وحتى على القول الأخير فإننا نرى أن وقت الساعة، وأمر الروح، وغير ذلك من أمور لا يضرُّ الجهل بها ، ولا ينفع العلم بها، بل قد يكون فى الجهل بها فائدة، كعدم العلم بوقت الساعة؛ حتى يظَلَّ الناس فى استعداد دائم لها.
ثانيًا:اختلف العلماء فى إعراب "الراسخون"، فمنهم من ذهب إلى أنها معطوفة على لفظ الجلالة، وجملة "يقولون" مُستْأنَفة لبيان حالهم وأنهم يعلمون المتشابه كما يعلمه الله عز وجل؛ لأن الذي لا يعلم إلاَّ ما يعلمه الناس لا يكون راسخًا فى العلم؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قائلاً: "اللهم فقِّهه فى الدين وعلِّمه التأويل"، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا وقع مُشْكِلٌ فى كتاب الله يستدعيه ويقول له: "غُصْ غَوّاص"، ويَجْمَع أبناء المهاجرين والأنصار ويأمرهم بالنظر فى معانى الكتاب المجيد.
وذهب فريقٌ آخر إلى أن الكلام تَمَّ على قوله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ}. وقوله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا}جملة من مبتدأ وخبر؛ لأنه مدح الراسخين فى العلم بأنهم يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}، ولو كانوا يعلمونه لَمَا كان فى قولهم هذا مزيد فضل لهم؛ لأنَّ من عَلِمَ شيئًا لزمه الإيمان به، كما أنَّ قولهم هذا يقتضى أنهم آمنوا بما عرفوا وبما لم يعرفوا.
وعلى هذا القول يكون الراسخون فى العلم قد علموا بالدليل العقلى أن المراد غير الظاهر، ففوَّضوا تعيين المراد إلى علمه عز وجل، ولم يَحْمِلْهم عدم التعيين على ترك الإيمان.
ومنهم من وفَّق بين المذهبين، وذكر أن المتشابه نوعان:
-أحدهما: ما لا يعلمه إلاَّ الله عز وجل كأمر الروح ووقت قيام الساعة، وما شابَهَ ذلك.
-ثانيهما: يعلمه الله ويعلمه الراسخون فى العلم كالذى يَحْتَمِلُ وجوهًا من العربية فيُتَأَوَّل على الاستقامة، ولا يُسمَّى راسخًا إلاَّ من يعلم من هذا النوع كثيرًا، فقوله {إِلاَّ اللّهُ} يدل بداهة أن الله عز وجل يعلمه على استيفاء نوعيه كليهما، أما الراسخون فيعلمون النوع الثانى، ودخلوا بالعطف فى علم المتشابه.
والكلام بذلك مستقيم على لغة العرب كأن تقول: ما قام لنَصْرى إلاَّ فلان وفلان، وأحدهما نصرك بأن ضارب معك، والآخر أعانك بكلام فقط.
مما سبق يتَّضح أن أصحاب الزعم القائل بأنَّ المتشابه فى القرآن لا جدوى منه؛ لأنه لا يعلمه أحدٌ من الناس ـ غير مُسلَّم به، وعلى فرض التسليم به، فهو محصور فى أمور لا يضر الجهل بها ولا ينفع العلم بها كـأمر الروح، وموعد قيام الساعة، وكيفية الاستواء، وما شابه ذلك
تساءل المشككون:
ما فائدة المتشابه في القرآن؟!
واستشهدوا لذلك بقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ ...
هل الإنسان يولد مسلما ؟ وهل جميع الأنبياء مسلمون ؟
هل الإنسان يولد مسلما ؟
وهل جميع الأنبياء مسلمون ؟
وكيف يكون ذلك وهم كلهم سابقين على رسالة الإسلام ؟ كيف يتعتنق الإنسان دينا لم يظهر بعد ؟
لنجيب على مثل هذا التساؤل يجب أن نعلم أولا أن معنى الإسلام الكلي ليس اسما لدين خاص بل هو "الاستسلام لله وإفراده بالعبادة وتوحيده "
وأن الفطرة هي ما ركز في النفوس من الإيمان بالله والاعتراف بربوبيته
لذلك عندما نقول الإسلام دين الفطرة وأن الإنسان يولد مسلما فليس ذلك بمستغرب ، فالإنسان بفطرته منذ ولادته يتجه إلى التوحيد الخالص وإلى عبادة الله تعالى وحده والذي هو المعني الكلي للإسلام
ولنا المثل في إبراهيم عليه السلام في الاهتداء لعبادة الله وتوحيده بالفطرة النقية السليمة ، فقد وردت قصته في سورة الأنعام على هذا النحو
" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
هكذا اهتدى ابراهيم للتوحيد
وفي حديث الأعرابي عندما سئل عن الدليل على وجود الله كان رده " البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟
وأيضا ما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه والقصة مكررة في كتب الأدب عندما كان يعبد الأصنام ومر يوما فوجد كلبا يبول على رأس الصنم الذي هو معبوده ، فتحركت فطرته وأنشد قائلا :
رب يبول الثعلبان برأسه * * * لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان ربا كان يمنع نفسه * * * فلا خير في رب نأته المطالب برئت من الأصنام في الأرض كلها * * * وآمنت بالله الذي هوغالب
فالمقصود حال تخلص عقل الإنسان من أي معتقد ورجوعه لعقل الإنسان الأول سيهتدي للدين الحق وللمعبود الحق
أما أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء فهذا متعلق بالمعنى الكلي للإسلام الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادة والانقياد له ، ودعوة جميع الأنبياء لم تخرج عن هذا ،وقد ورد في القرآن العديد من النصوص الدالة على ذلك .فنوحا يقول لقومه: (وأمرت أن أكون من المسلمين).ويعقوب يوصى بنيه : (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون).وأبناء يعقوب يجيبون أباهم : (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون).وموسى يقول لقومه: (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين).والحواريون يقولون لعيسى : (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون).لذلك نحن نؤمن بجميع الرسل الذين أرسلهم الله عز وجل ، بل إن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان الستة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى.فهذا هو معنى أن الأنبياء دينهم واحد وهو الإسلام
محمد جعفر
هل الإنسان يولد مسلما ؟
وهل جميع الأنبياء مسلمون ؟
وكيف يكون ذلك وهم كلهم سابقين على رسالة الإسلام ؟ كيف ...
التوظيف السياسي لعقيدة (الانتظار) في العقلية (الصهيو مسيحية)
ما بين تديين السياسية وتسييس الدين دارت تحركات معظم الكيانات المجتمعية، جماعات كانت أم دولًا أم إمبراطوريات، حيث حلا للبعض إضفاء الصبغة الدينية على كل توجه يقوم به الحاكم وإن خالف معلومًا من دين المحكومين بالضرورة، في المقابل رأينا دولًا تسخِّر كافة طاقاتها لتأييد فكرة دينية تعتقدها، وهذا الأمر ليس مقصورًا على ملة معينة أو زمن محدد، فلقد وجد منه الكثير في القديم والحديث باختلاف الدول والديانات والثقافات. ولعل النظرة الإلحادية للنص "الديني" تعطينا تفسيرًا أوضح لهذه الرؤية، حيث ترى هذه النظرة أن: "الأديان والمعتقدات لم تأت ولم تتكون لبناتها إلا من أجل بناء مشروع قومي سياسي واجتماعي محدد الهوى والهوية يلح على الوجود والتواجد" (تديين السياسة أم تسييس الدين (2)- الناسخ والمنسوخ تردد إلهي أم مواقف سياسية- سامي لبيب- الحوار المتمدن)، ولهذا يرى هذا الزاعم أن النبي- أي نبي- "هو من صاغ وسطَّر النص ليخدم أهدافه ومشاريعه.. أي أن السياسي هو السابق على النص فكرًا وإرادة؛ لذا لم يتورع في أن يشكل النص ويصوغه كما يريد ليخدم أجندته السياسية" (تديين السياسة أم تسييس الدين (2)- الناسخ والمنسوخ تردد إلهى أم مواقف سياسية- سامي لبيب- الحوار المتمدن) والحاكم "الديني" عند أصحاب هذه النظرة المادية الإلحادية-امتداد طبيعي للنبي "المؤسس". وهذه النظرة قد تصدق على الملل الوضعية والديانات المحرفة، لا على الوحي السماوي، غير أن أنصار النظرة الإلحادية لا يفرقون بين وحي ووضع، فالكل عندهم سواء، والكل عندهم مكفور به غير منزه عن نقص أو عجز أو ضعف. في المقابل من النظرة السابقة يرى آخرون أن النص الديني سابق ومؤسس للوجهة السياسية، وأن الدين لم يكن في يوم من الأيام بمعزل عن سياسيات أتباعه، يقول القس أكرم لمعي في مقدمة كتابه (الاختراق الصهيوني للمسيحية): "على الرغم من الدور الهام الذي لعبه الدين في الحضارات القديمة وعبر تاريخ الإنسان، إلا أن الدين اليوم لا يلعب دورًا معينًا بقدر ما يدخل كشريك أساسي في كل الأدوار والنظريات" (الاختراق الصهيوني للمسيحية- للقس أكرم لمعي: (ص:10)- دار الشروق). وفي هذا المقال سيتركز حديثنا حول مسألة تذليل السياسة لخدمة الدين، وستكون عقيدة الانتظار هي مرتكز المقال ومحوره، والانتظار الذي نقصده هنا، هو انتظار المخلص أو المسيح عند كل من اليهود والنصارى، ولا يفوتنا في هذا المقام بيان أثر هذه العقيدة على السياسات المتبعة في كل من إسرائيل وأمريكا على وجه التحديد. فبادئ ذي بدء نشير إلى أن فكرة الانتظار لا تخص الديانتين اليهودية والنصرانية فقط، بل شاعت في غير هاتين الديانتين، حيث سيطرت هذه الفكرة على الكثير من الديانات والفلسفات، فادعت كل طائفة لأتباعها "منتظرًا" تترقب مجيئه، وتتهيأ لنصرته؛ للخلاص على يديه، ولولا هذه العقيدة لما سمعنا ببعض الديانات، ولما كان لأتباعها أي وجود. إضافة لما سبق يعتقد المسلمون -وهو الحق- أن الله سيرسل عيسى عليه السلام مرة أخرى إلى الأرض، وأن هذا الإرسال سيتزامن مع خروج المهدي في آخر الزمان، يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: "والأمم الثلاث تنتظر منتظرًا يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة، والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى بن مريم من السماء لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل أعدائه من اليهود وعباده من النصارى، وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا" (إغاثة اللهفان لابن القيم: (2/338)- دار المعرفة- بيروت- 1975م). المسيحية الصهيونية وأفكار مارتن لوثر: والناظر للسياسة الأمريكية/اليهودية، يجد سطوة عجيبة لهذا المفهوم- مفهوم الانتظار- على كثير من الساسة وأصحاب القرار الأمريكي فضلا عن الإسرائيلي، حكامًا ومحكومين، وهي سطوة لها من الواقع الديني (اليهومسيحي) ما يحفزها ويقويها. وهذا الأمر ثمرة للدور الذي قام به اليهود منذ مئات السنين، فبفضل جهودهم في تزييف الحقائق وتخريب المعتقد النصراني، تحول اليهود من كونهم شعب قاتل للمسيح، ورافض لقبول فكرته -من وجهة النظر المسيحية- إلى أمة مختارة، فصار النصارى يؤمنون بأنه لا عودة للمسيح ولا خلاص للنصارى بغير عودة اليهود إلى أرض صهيون، ودعمهم وبناء هيكلهم المقدس. حيث استطاع اليهود النفاذ إلى داخل المجال الديني للعقل النصراني والعبث بمنظومة الأفكار لديه، فكان من نتاج هذا الأمر خروج مارتن لوثر رائد حركة الإصلاح الديني بنظراته التجديدية التي دعا فيها إلى إجلال اليهود وتعظيمهم، ورفعهم إلى مقام السادة، يقول لوثر: "شاءت الروح القدس أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس للعالم عن طريق اليهود وحدهم، إنهم الأطفال ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات أسيادهم اليهود". يضيف "لوثر": "إن إعادة اليهود إلى أرض فلسطين هو تحقيق للنبوءات الواردة بالكتاب المقدس تمهيدًا لعودة المسيح إلى الأرض، وحكمه لها مدة ألف سنة من القدس أرض ميعاد اليهود" (ينظر: خدعة هرمجدون- د. محمد إسماعيل المقدم-دار بلنسيه- 2003م؛ وينظر أيضا: المسيح اليهودي ونهاية العالم- المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا- رضا هلال: (ص:30)- مكتبة الشروق- 2000م). فالكلام السابق لـ لوثر مثّل- في عصره- أحدث نتائج لعلاقة التزاوج بين اليهودية والمسيحية، وهي صورة تختلف شكلًا ومضمونًا عن الواقع العقدي لكلا الديانتين قبل مجيء لوثر، ورغم تغير وجهة نظر لوثر فيما بعد وانقلابه على آرائه السابقة، إلا أن آرائه الأولى ظلت حاضرة لتبشر بعهد جديد من التسامح المسيحي- اليهودي. ويقول سيليج أدلر: "إنه منذ فجر التاريخ الأمريكي كان هناك ميل قوى للاعتقاد لأن مجيء المسيح المنتظر لاحق لعودة الدولة اليهودية، ولم يكن ذلك الرأي مجمعًا عليه بين اللاهوتيين المسيحيين، ولكنه كان يشكل جزءًا من مصفوفة التاريخ الفكري الأمريكي، التي كانت تتضمن دائمًا خيطًا من العصر الألفي السعيد في الفكر المسيحي الأمريكي" (المسيح اليهودي ونهاية العالم- رضا هلال: (ص:53)). وقد تعمقت هذه العقيدة وانتشر فكرها أكثر، وزاد توغلها في المجتمع الغربي بعد صعود نجم حركة "المسيحية الصهيونية"، و المسيحية الصهيونية حركة "مسيحية يهودية" ترى أن الفرد الصهيومسيحي هو: "إنسان مهتم بمساعدة الله لتحقيق نبوءاته من خلال الوجود العضوي والسياسي لإسرائيل، بدلًا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح" (الدين في القرار الأمريكي- محمد السماك: (ص:11)- هدية مجلة الأزهر لشهر رجب 1433هـ). ويعتبر ويليام بلاكستون (1841-1935) الممول والرحالة والمبشر الإيفانجيلي واحد من أبرز المسيحيين الصهيونيين الأمريكيين الذين أطلقوا تلك الحركة، وبدأ بلاكستون حركته بكتابه (يسوع قادم) الذي نشر عام 1878، وكان له أثر كبير في البروتستانتية الأمريكية الإيفانجيلية (المسيح اليهودي ونهاية العالم- رضا هلال: (ص:66)). اليهودية والنصرانية وفاق أم عداء؟ الغريب في العلاقة بين اليهود والمسيحيين أنها في الأساس علاقة عداء، فكلاهما يرى في الآخر عدوًا له، وكلاهما يكفر الآخر ويكْفُر بما يعتقده، ويؤمن أن مصيره في النهاية القتل والإبادة، غير أن الحاصل الآن على أرض الواقع يختلف تمام الاختلاف عن واقع العلاقة بين المعتقدين في القديم. فقد جاء في تلمود اليهود ما نصه: "أن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والنار، وأن أمه أتت به من العسكري (باندارا) بمباشرة الزنى، وأن الكنائس النصرانية بمقام قاذورات، وأن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة، وأن قتل المسيحي من الأمور المأمور بها، وأن العهد مع مسيحي لا يكون عهداً صحيحاً يلتزم اليهودي القيام به، وأنه من الواجب ديناً أن يلعن ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة ضد بني إسرائيل" (الكنز المرصود في قواعد التلمود- ترجمة الدكتور يوسف نصر الله- تصحيح و تعليق: الشيخ مصطفى الزرقا: (ص:15)). ويفسر (ناتان بيرلمتر) وهو يهودي أمريكي، من حركة (بناي برث)، وهي إحدى المنظمات اليهودية في أمريكا، يفسر أسباب تحالف يهود الولايات المتحدة مع الأصوليين المسيحيين، رغم الخلاف الشديد بينهما، بقوله: "إن الأصوليين الإنجيليين يُفسّرون نصوص الكتاب المُقدّس بالقول: "أن على جميع اليهود، أن يؤمنوا بالمسيح أو أن يُقتلوا في معركة هَرْمَجَدُّون"، ولكنه يقول في الوقت نفسه: "نحن نحتاج إلى كل الأصدقاء لدعم إسرائيل… فإذا جاء المسيح فسوف نفكر بخياراتنا في ذلك اليوم، أما في الوقت الحاضر دعونا نُصلّي للرب ونرسل الذخيرة" (النبوءة والسياسة- جريس هالسيل- ترجمة محمد السماك: (ص:121)- دار الشروق- ط2- 2003م). فالنصارى يدركون جيدًا أن اليهود كافرون بربهم -الذي هو عيسى عليه السلام بحسب معتقدهم- لكنهم مع ذلك يرون أنهم مضطرون لمساعدة اليهود، ودعمهم في إقامة دولتهم حتى يتهيأ الزمن لعودة ربهم المخلص المزعوم، الذي سيطيح بكل من كفروا به وعلى رأسهم اليهود، ويخلص الأرض من كل شر فيها. المسيح والمسيح الدجال عند اليهود: يعتقد اليهود أن مسيحهم من نسل داود عليه السلام، وهو عندهم غير منتظر النصارى، ومن غريب اعتقاداتهم أن الناس عند مجيء ملكهم المنتظر سيدخلون كلهم في دين اليهود أفواجاً ويُقبلون كلهم ما عدا المسيحيين، فإنهم يهلكون لأنهم من نسل الشيطان (راجع: الكنز المرصود في قواعد التلمود: (ص:44)). فكلا العقيدتين اليهودية، والنصرانية، تحتقر الأخرى وتتربص بالأخرى، ورغم ذلك خرج علينا جيل من صناعة (المسيحية الصهيونية) عمل على التوفيق بين اليهود والنصارى والتلفيق بين دين كلا الطائفتين، وجمعهم على عدو واحد، وتمثل هذا العدو في الإسلام والمسلمين، لذلك فلا تستغرب من عظم الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل في حروبها ضد المسلمين، ولينزاح عنك عجبك أيضًا من إصرار الغرب المسيحي على زرع هذا الكيان الغاصب في قلب العالم الإسلامي، فبجانب الكره الفطري الذي يحمله اليهود والنصارى للإسلام، هناك منظومة عقدية تبشر بعودة مسيحهم عقب اندحار الإسلام، وعودة الشعب اللقيط إلى أرض صهيون. جدير بالذكر الإشارة إلى أنه لا ذكر للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في توراة اليهود، "وإذا تكلم اليهود عن عيسى وقتله، فليس لأنه مثبت في تواريخهم المأثورة عن آبائهم ومشايخهم، ولكن لأنهم يسمعون ما يقوله المسيحيون عن المسيح فيروون عنهم أحيانا، وإلا فكتبهم خالية من ذلك" (المسحية أحمد شلبي: (ص:87)- مكتبة النهضة المصرية- ط10- 1998م). فعيسى عليه السلام في المعتقد اليهودي ليس إلا رجل من دهماء الناس كفر بدين اليهود فقتلوه، ولأنه عليه السلام نكرة بحزب زعمهم، لا وجود لقصته في أي من كتبهم، كما كانوا حريصين كل الحرص على محو قصة مقتله من تلمودهم، حتى لا يدانوا، وإلى هذا الأمر أشار الدكتور إبراهيم ولفنسون (المسحية أحمد شلبي: (ص:87)- مكتبة النهضة المصرية- ط10- 1998م). أما أوصاف الدجال أو "ملك اليهود" أو "المسيا" المنتظر في كتب اليهود فيتمثل في كونه رجل من نسل داود عليه السلام، يعود في آخر الزمان ليخلص اليهود من ويلاتهم ويعيد إليهم ملكهم من جديد، مع إبادة كل من لا يؤمن بدين اليهود، وعليه فـ "المسيا" ليس هو المسيح كما يتوهم البعض، فـ "اليهود ينظرون إليه كرسول من الله، وليس أنه هو الله أو ابن الله.. وهم ينتظرون ملك أرضي يجعلهم فوق جميع الشعوب، لكونهم مازالوا شعب الله المُختار في نظرهم" (المسيح في رأي اليهود- موقع الأنبا تكلا). المسيح والمسيح الدجال عند النصارى: المسيح بن مريم عند النصارى هو ابن الله الأزلي، وهو كالأب أزلي أيضًا، فليس بينه وبين الله فرق في الزمن، ولأن الله غضب على الجنس البشري بسبب خطاياهم وبخاصة خطيئة أبيهم آدم التي أخرجته من الجنة، ولأن الله رحيم بالجنس البشري أرسل ابنه ووحيده إلى الأرض حيث دخل رحم مريم العذراء البتول، وولد كما يولد الطفل وتربى كالأطفال حتى بدا إنسانًا كالبشر، ثم صلب ظلمًا على الصليب، لا لأنه ارتكب خطأ في حق الرومان أو اليهود، وإنما ليكفر عن إثم آدم الذي أصبح المسيح كأنه أحد أبنائه (المسيحية لأحمد شلبي بتصرف: (ص:103)). وتعتقد النصرانية أن المسيح سيعود مرة أخرى، ولهذا فهم في حالة انتظار دائم وترقب لعودة المسيح المخلص، حيث جاء في سفر أعمال الرسل ما نصه: "إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ" (الإنجيل: أعمال الرسل، السفر الأول، الفقرة الحادية عشرة). وهذا المجيء الثاني يختلف تمام الاختلاف عن المجيء الأول، ففيه سيُنعم المسيح على كل من يؤمن بألوهيته، ويقتل كل من يكفر به، وعلى رأسهم اليهود والمسلمون، يقول دل ديورانت: "كان ثمة عقيدة مشتركة وحدت الجماعات المسيحية المنتشرة في أنحاء العالم؛ هي: أنَّ المسيح ابن الله، وأنه سيعود لإقامة مملكته على الأرض، وأنَّ كل من يؤمن به سينال النعيم المقيم في الدار الآخرة" (قصة الحضارة-ويل ديورانت: (3/290)). وكما أنه ليس للمسيح ابن مريم عليه السلام ذكر في توراة اليهود فليس لملك اليهود ومنتظرهم، أو المسيح الدجال ذكر في إنجيل النصارى، فلفظ "المسيح الدجال" لم يذكر في الكتاب المقدس كله على الإطلاق، فليس في معتقد غالب النصارى ما يعرف بالمسيح الدجال، لكن البعض ذهب إلى أن الدجال عند المسحيين هو كل معادٍ للمسيحية وللمسيح، فاليهود والمسلمون وغيرهم ممن كفر بإلهية المسيح دجاجلة، والبعض الآخر أثبت وجوده، وبين أنه ذكره قد جاء في الكتاب المقدس بمعاني عدة منها: الوحش الذي يضل الساكنين على الأرض ويجعلهم يعبدون الشيطان، ومنها لفظ: ضد المسيح، ويبين الدكتور المسيري أن لفظة المسيح الدجال هي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية (أنتي كرايست)، والتي تعني حرفيا (ضد المسيح) (موسوعة اليهود واليهودية للدكتور عبد الوهاب المسيري: (6/217)). وعن شخصية المسيح الدجال في المعتقد النصراني أشار الدكتور المسيري إلى أنه شخصية كافرة قاسية طاغية، وهو ابن الشيطان -بل لعله هو نفسه الشيطان المتجسد- ومن علاماته أنه توجد في أقدامه مخالب بدلاً من الأصابع. وسيقوم الدجال ببناء الهيكل وسيهدم روما (مقر البابا) وسيحيي الموتى وسيحكم الأرض مع الشيطان لمدة يقال إنها ستصل إلى خمسين عاماً، ثم ينزل المسيح لتدور في هذه الأثناء معركة (هرمجدون)، ثم سيخرج من فم المسيح سيف ذو حدين سيصرع به المسيح الدجال ويحكم العالم بالعدل لمدة ألف عام (أو إلى ما لا نهاية) حيث ينتشر السلام والإنجيل في العالم (موسوعة اليهود واليهودية للدكتور عبد الوهاب المسيري: (6/217) بتصرف). مما سبق نستطيع القول أن دجال النصارى هو مسيح اليهود، وأن مسيح النصارى هو دجال اليهود، وأن كلا الفريقين يدرك هذه الحقيقة، لكنها حقيقة مؤجلة، حيث أرجأ الفريقين هذا الخلاف، في سبيل التعاون على تهيئة الزمان والمكان لعودة هذا المنتظر، وحينها سوف يفكر كل فريق بخياراته على حد قول اليهودي ناتان بيرلمتر. الدين في المخيال الأمريكي/ الإسرائيلي: تبين من خلال العرض السابق أن كل من الديانتين (اليهودية والنصرانية) يدرك باطل الديانة الأخرى، وفساد معتقد أتباعها، ورغم هذا فقد سعى المتأخرون منهم إلى التوفيق بين الديانتين والتلفيق بين مواقفهما، اتباعًا للمنهج النفعي الباحث عن المصلحة والفائدة، فاليهود يدركون جيدًا وجوب عودتهم إلى أرض صهيون وإقامة دولتهم المزعومة ليتهيأ الأمر لعودة ملكهم الدجال، ويدركون كذلك أن هذا الأمر لن يتم في ظل حالة العداء اليهودي/ المسيحي، والنصارى من جانب آخر يرون أن عودة مسيحهم المنتظر لن تتم إلا بعودة اليهود إلى أرضهم، ومن ثم كان نتاج هذه الثنائية النفعية الاتفاق على موقف سياسي موحد صهيومسيحي يترجم هذه الثنائية، ويسعى إلى تنفيذها من خلال تهيئة الأجواء لها. و"الدين في الغرب بشكل عام وفي الولايات المتحدة بشكل خاص كان له تأثير كبير على السياسة كما إن الولايات المتحدة تعتبر نفسها (وطن الله)، وهذا وعي متزايد ومترسخ الجذور منذ هروب أتباع (المصلح كالفن) على الباخرة ماي فلاور عام ١٦٢٠م، والذين اعتبروا أنفسهم حجاجًا إلى وطن الخلاص أو إلى مملكة الرب، وهذا الوعي التاريخي هو الذي عمل على منع الفصل بين الدين والدولة في أمريكا، ورفض اعتبار الدين إيمانًا ذاتيًا وعلاقة شخصية بين العبد وربه ومنذ ذلك الحين تم تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنها دولة دينية وسيطر الدين على الدولة ولحد الآن" (عودة المسيح المنتظر- أحمد حجازي السقا: (ص:48)- دار الكتاب العربي- القاهرة- ٢٠٠٣م، نقلا عن مقال: (المحافظون الجدد) المجموعة الأمريكية المتصهينة- أ.م. فائز صالح محمود- أوراق سياسية- العدد الأول 2007م). أما الدولة اليهودية، فهي دولة دينية من الطراز الأول، بل هي الدولة الدينية الأشد تطرفًا في هذا العالم، ولولا هذا التوجه لما كان لها وجود، ولما كتب لها البقاء طيلة هذا الوقت، ولما وقف الغرب الصليبي معها بكل ما يملك من مكر وسياسية وقوة وسلاح، والناظر المدقق في كلا الدولتين (إسرائيل وأمريكا) يجد تشابهًا كبيراً في أمور عدة، منها أن إسرائيل دولة وليدة تم تأسيسها بناء على وعد غاشم ممن لا يملك إلى الجماعات اليهودية المتفرقة في كافة أنحاء العالم، وقد جاء ذلك بناء على رغبة دينية وعقيدة توراتية لدى اليهود، وهي العودة إلى أرض صهيون الموعودة لبناء هيكلهم المزعوم، وبالفعل تم لليهود ما أرادوا وأعملوا القتل في الفلسطينيين استنادًا إلى نصوص التوراة التي تحضهم على ذلك. على الجانب الآخر مثلت أمريكا نموذجًا إمبرياليًا من الطراز الأول، فأمريكا لم تكن في يوم من الأيام أرض أمريكية قبل أن يطأها الإنجليز ويستولوا على خيراتها، ويبيدوا سكانها الأصليين، فبنفس المنطق اليهودي في الهجرة إلى إسرائيل "انتحلت جماعات البيوريتانيين البروتستانت لهجرتها لأمريكا اسم (الحج) واعتبروا أنفسهم حجاجًا، ومن هنا جاء الربط بين غزو المهاجرين الأوروبيين للعالم الجديد برواية الأرض الموعودة، ومن الملاحظ أن البيوريتانيين اختاروا الإقامة في التلال تأكيدًا لعزلتهم الدينية والحضارية وحفاظًا علي طهوريتهم، إلا أنهم رغم هذا التدين والتطهر لم يروا مشكلة في قتل السكان الأصلانيين واغتصاب أراضيهم، بل استندوا في تبرير أفعالهم هذه إلى نصوص إنجيلية" (التوظيف السياسي للدين: الولايات المتحدة نموذجًا بقلم مسعد عربيد (الجزء الأول)- كنعان– النشرة الإلكترونية- 29حزيران (يونيو)- 2007م- السنة السابعة- العدد 1197). بل إن كريستوفر كولمبس على حد بيان أحد الباحثين قد اكتشف أمريكا "بدافع الاعتقاد بأن رحلاته هي جزء من سيناريو ألفي- مسيحاني سوف يقود في النهاية على تحرير القدس من المسلمين (الكفار)، وإعادة بناء المعبد، وذكر في مؤلفه (كتاب النبوءات) أنه قال للملكة إيزابيلا، إنه سوف يستخدم الذهب الذي يجده في العالم الجديد لإعادة بناء الهيكل لكي يكون مركز العالم.. ليس هذا فحسب بل إن دراسات تاريخية أوضحت أن يهود المارانو (اليهود المسيحيين في إسبانيا) هم الذين تبنوا مشروع كولمبس ودعموه بالتمويل والخرائط، وأنهم (يهود المارانوا) كانوا من أوائل المستوطنين في أمريكا" (المسيح اليهودي ونهاية العالم-رضا هلال: (ص:30)). أمريكا المسيحية في خدمة الصهيونية العالمية: وبالنظر إلى السياسة الأمريكية المتبعة حيال القضايا الخارجية التي ترتبط بإسرائيل والمسلمين بصفة خاصة نجد أن عنصر التوظيف للخلفيات التوراتية والإنجيلية واضح جدا، بل يصعب في أغلب الأحيان على المتابع الدارس لهذه الخلفيات الفصل بين أي قرار تتخذه الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية، وواقع النبوءات التوراتية/الإنجيلية، حيث تأتي هذه القرارات في غالب الأحوال كترجمة لهذه الخلفيات، بمعنى أن السياسة تذلل لخدمة الدين. فقد "استطاعت الصهيونية بمنظماتها العديدة أن توجه الكنائس الأمريكية بثقافتها التوراتية والتلمودية، واستطاعت هذه المنظمات أن تحوّل المسيحية بشكل جذري إلى اليهودية، وأن تتبنى كنائس الولايات المتحدة وجهات النظر الإسرائيلية، حتى أصبح العهد القديم هو المرجع الروحي للمسيحيين بشكل عام، لذلك نرى أن بعض المحافظين في الإدارة الأمريكية الحالية وغيرهم ممن سبقوهم، وقد غسلت أدمغتهم وتمسكوا بالتوراة ونبوءاتها، يحاولون جاهدين تحقيقها، وإكسابها صفة القدسية الروحانية" (الإدارة الأمريكية المحافظة وتسييس نبوءات التوراة لآخر الزمان-مروان الماضي: (ص:17)- دار النشر: دار الفكر – دمشق). وقد ظهر ذلك منذ اللحظات الأولى لتأسيس الدولة اليهودية، فدعم الأمريكان اليهود بالمال والسلاح، وساندوهم في كافة المحافل السياسية، حتى تحول الشتات اليهودي إلى دولة ذات مؤسسات، وتحول اليهود من كونهم عصابات تنتهج حروب عصابات الشوارع منهجًا لها، إلى دول صاحبة جيش قوي يمتلك أحدث وأقوى أنواع السلاح في المنطقة العربية والإسلامية، وما كان ليتم هذا لولا الدعم الغربي والأمريكي على وجه الخصوص للمواقف اليهودية، وما كان ليتم هذا الدعم لولا عقيدة الانتظار التي يؤمن بها أصحاب القرار الأمريكي ويشاركهم فيها الصهاينة. وعلاقة الحميمة بين اليهود والنصارى، أكدها أكثر من رئيس أمريكي صراحة، ومن هؤلاء الرئيس جيمي كارتر، "الذي أعلن صراحةً في خطاب له أمام الكنيست سنة 1979م أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة دينية في الأساس، وكان مما قاله: "إن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من علاقة خاصة، لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويضها؛ لأنها متأصَّلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي" (أثر الدين على رؤساء أمريكا - د. راغب السرجاني- قصة الإسلام). والأمر نفسه أكده كل من تلا كارتر من رؤساء، وأكثر من سبقه، حيث آمن الجميع بفكرة العودة الثانية، وكانوا مدركين لضريبة هذه العودة، المتمثلة في مساعدة اليهود، والملاحظ في رؤساء أمريكا أنه كلما حلّ على البيت الأبيض رئيس جديد كان أشد تطرفًا تجاه المسلمين وأشد قربًا من اليهود، ويبدو أن حب اليهود والتودد إليهم هو الطريق المثلى للاستحواذ على أصوات الناخب الأمريكي المؤدلج إعلاميًا. وقد ظهر ذلك بشكل جلي في علاقة أوباما وإدارته بإسرائيل، حتى ذهبت إحدى أشهر المجلات الأمريكية 2011م -وهي مجلة نيويورك- إلى نشر عنوانًا رئيسًا جريئًا جدًا على غلافها في ذروة الخلاف بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو، جاء في العنوان: (أوباما أول رئيس يهودي)، فأوباما وإن كان يعلن دائما أنه بروتستانتي المعتقد، إلا أن هذا لا ينفي عنه ميوله الحميمية تجاه اليهود، المبنية على المعتقد الألفي، القائم على عقيدة انتظار العودة الثانية للمسيح، وقد ظهر هذا في آخر خطاب له في القدس الشهر منصرم (3/2013م)، حيث خاطب اليهود قائلا: "أنتم لستم وحدكم، طالما هناك الولايات المتحدة". خاتمة: مما سبق يتبين لنا أن المسألة الدينية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مسألة محورية، من خلالها تتشكل غالب السياسات والرؤى لكلا الكيانين، كذلك ينبغي الإشارة إلى شيء قد يُشكل على قارئ هذا المقال، وهو أنه كيف لأمريكا راعية العلمانية أن تتمحور حول معتقد ديني أو نبوءة هنا وأسطورة هنا؟ وللإجابة على هذا الأمر نشير إلى أن العلمانية الأمريكية ليست علمانية ملحدة أو علمانية كافرة كما يعتقد البعض، بل يمكننا أن نسميها تجاوزًا بالعلمانية المؤمنة، أو العلمانية الجزئية، فهي علمانية لا ترى -في غالب أحوالها- ضيرًا في تمسك الأفراد والدولة بالمعتقد، شريطة ألا تتحول المؤسسة الدينية إلى حاكم متسلط على الدولة وأفرادها في كل صغيرة وكبيرة، وهو الأمر الذي نجحت فيه الولايات المتحدة، فإدارتها لم تنفصل يومًا من الأيام عن الدين، كما أن الدين لم يطغ ويتسلط على هذه الإدارة كما يبدو، وإنما سار الاثنان (الدولة والكنيسة) جنبًا إلى جنب، بشكل تصالحي، مع الاتفاق على الثوابت العامة، التي على رأسها مسألة العودة الثانية للمسيح المنتظر. كما أنه إلى جانب الإيمان الأمريكي بعقيدة الانتظار، والتي على أساسها يرعى الأمريكيون إسرائيل، هناك أطماع أمريكية توسعية، لا يمكننا إغفالها، فأمريكا دولة إمبريالية، يقوم اقتصادها على الحروب والسلب والنهب واستغلال ثروات الدول الفقيرة وطاقاتها، وهو هدف تتفق فيه أمريكا وغيرها من دول العالم الإمبريالية، غير أنه يبقى هدفًا ثانويًا وإن تعاظمت فائدته، مقارنة بفكرة الانتظار المسيطرة على الإدارة الأمريكية والعقل اليهودي العابث بها.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
ما بين تديين السياسية وتسييس الدين دارت تحركات معظم الكيانات المجتمعية، جماعات كانت أم دولًا أم إمبراطوريات، حيث حلا ...
إنتشار المسيحية بالإكراه وبحد السيف: دلائل وبراهين
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:الديانة التي يقول كتابها: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر أيضا.هي في الحقيقة لا تعرف شيئا عن هذا التسامح الخيالي الغير واقعي، والناظر في تاريخ النصرانية يدرك أنها لم تنتشر إلا بالسيف الذي سلطته على الشعوب المختلفة، وقد بدأ سيف القهر عندما تنصر قسطنطين الوثني في بدايات القرن الميلادي الرابع وقال له بطريرك القسطنطينية: أعطني الدنيا وقد تطهرت من الملحدين أمنحك نعيم الجنة المقيم.ويذكر القس مريك في كتابه (كشف الآثار): أن قسطنطين أمر بقطع آذان اليهود، وأمر بإجلائهم إلى أقاليم مختلفة، وفي نهاية القرن الرابع وضع الأمبراطور تيودسيوس ستاً وثلاثين مادة لمقاومة اليهودية والهرقطة، وحظر عبادات الوثنيين، وأمر بتحطيم صورهم ومعابدهم، وفي عام 379م أمر الامبراطور فالنتيان الثاني بتنصر كل رعايا الدولة الرومية، وقتل كل من لم يتنصر، واعترف طامس نيوتن بقتل أكثر من سبعين ألف.ويقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: "أكرهت مصر على انتحال النصرانية، ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي".وفي القرن الخامس كان القديس أوغسطين يقول بأن: "عقاب الملحدين من علامات الرفق بهم حتى يخلصوا". وبرر قسوته على الذين رفضوا النصرانية بما ذكرته التوراة عن فعل يشوع وحزقيال بأعداء بني إسرائيل الوثنيين، واستمر القتل والقهر لمن رفض النصرانية في ممالك أوربا المختلفة، ومنها مملكة أسبانيا حيث خيروا الناس بين النصر أو السجن أو الجلاء من أسبانيا، وذكر القس مرّيك أنه قد خرج من أسبانيا ما لا يقل عن مائة وسبعين ألفاً.وفي القرن الثامن اعتيد فرض المسيحية في شروط السلام والأمان التي تعطى للقبائل المهزومة.وقريباً من ذلك العنف كان في فرنسا، فقد فرض الملك شارلمان النصرانية بحد السيف على السكسون، وأباد الملك كنوت غير المسيحيين في الدانمارك، ومثله فعل الملك أولاف (995م) في النرويج وجماعة من إخوان السيف في بروسيا.ولم ينقطع هذا الحال فقد أمر ملك روسيا فلاديمير (988م) بفرض النصرانية على أتباع مملكته.يقول المؤرخ بريفولت: "إن عدد من قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوربا يتراوح بين 7-15 مليوناً".ويلفت شلبي النظر إلى أن العدد هائل بالنسبة لعدد سكان أوربا حينذاك.ولما تعددت الفرق النصرانية استباحت كل من هذه الفرق الأخرى وساموا أتباعها أشد العذاب، فعندما رفض أقباط مصر قرار مجمع (خليقدونية) عذبهم الرومان في الكنائس، واستمرت المعاناة سنين طويلة، وأحرق أخ الأسقف الأكبر بنيامين حياً ثم رموه في البحر، فيما بقي الأسقف متوارياً لمدة سبع سنين، ولم يظهر إلا بعد استيلاء المسلمين على مصر ورحيل الرومان عنها.وكتب ميخائيل بطريرك أنطاكية: "إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل، لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين، وإذ تكبدنا بعض الخسائر لأن الكنائس التي انتزعت منا وأعطيت لأنصار مجمع خليقدونية بقيت لهم، إلا أننا قد أصابنا القليل بتحررنا من قسوة الرومان وشرورهم، ومن غضبهم وحفيظتهم علينا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سادت الطمأنينة بيننا".وكان جستيان الأول (ت565) قد قتل من القبط في الإسكندرية وحدها مائتي ألف قبطي.كما تعرض الموحدون النصارى للنفي والقتل في العصور المختلفة من تاريخ النصرانية، فاضطهد آريوس وأتباعه وحرق سرفيتوس، واستمر القتل والتنكيل حتى كاد أن يندثر الموحدون من النصرانية، وكان للمسلمين نصيب كبير من الاضطهاد الديني، خاصة في الأندلس التي عانى مسلموها من محاكم التفتيش حتى فر من استطاع الفرار إلى المغرب.ويكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) حيث يقول عن محاكم التفتيش: "يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع، واقترح القس بليدا قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي، وكان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مائة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه، وكان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، وحجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين والكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم".وقد تعرض المسلمون -سوى مذابح الأندلس- إلى مذابح عدة ليس هذا مجال ذكرها، منها مذبحة معرة النعمان ثم مذبحة الأقصى وغير ذلك، ونكتفي هنا بنقل ما ذكره المؤرخ جيبون عن مذبحة القدس التي رافقت دخول الصليبيين: "إن الصليبيين خدام الرب يوم استولوا على بيت المقدس في (15/ 7/ 1099م) أرادوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء، حطموا رؤوس الصبيان على الجدران، وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل، وشووا الرجال والنساء بالنار".وقريباً من هذه المذابح جرى بين المذاهب النصرانية، فقد أقام الكاثوليك مذابح كبيرة للبروتستانت منها مذبحة باريس (1572م ) وقتل فيها وأثرها ألوف عدة وسط احتفاء البابا ومباركته، ومثله صنع البروتستانت بالكاثوليك في عهد المملكة أليصابات حيث أصدرت بحقهم قوانين جائرة، وأعدمت 104 من قسس الكاثوليك، ومات تسعون آخرون بالسجن، وهدمت كنائس الكاثوليك أخذت أموالهم.وكانت الملكة تقول: "بأن أرواح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبداً، فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض" (1).وعليه نستطيع القول بأن النصرانية يرتبط تاريخها بالسيف والقهر، الذي طال حتى أتباع النصرانية، غير أن الاضطهاد النصراني يتميز بقسوة ووحسية طالت النساء والأطفال ودور العبادة.وقد جرت هذه الفظائع على يد الأباطرة بمباركة الكنسية ورجالاتها، وكانت الكنيسة قد سنت القوانين التي تدفع لمثل هذه المظالم وتأمر بقتل المخالفين، ومن ذلك أن البابا اينوشنسيوس الثالث (ت1216م) يقول: "إن هذه القصاصات على الأراتقة -الهراقطة- نحن نأمر به كل الملوك والحكام، ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية". وفي مجمع توليدو في أسبانيا قرر أن لا يؤذن لأحد بتولي الملة إلا إذا حلف بأن: "لا يترك غير كاثوليكي بها، وإن خالف فليكن محروماً قدام الإله السرمدي، وليصر كالحطب للنار الأبدية".وقد أكد هذا قرار المجمع اللاتراني حيث طلب من جميع الملوك والولاة وأرباب السلطة فليحلفوا أنهم بكل جهدهم وقلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة، ولا يتركون أحداً منهم في نواحيهم، وإن كانوا لا يحفظون هذا اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم (2).وأخير يقول الناقد روم لاندو (3): "على نقيض الإمبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض المسيحية على جميع رعاياها فرضًا، اعترف العرب بالأقليات الدينية وقبلوا بوجودها، كان النصارى واليهود والزرادشتيون يعرفون عندهم بـ(أهل الذمة)، أو الشعوب المتمتعة بالحماية، لقد ضمنت حرية العبادة لهم من طريق الجزية، التي أمست تدفع بدلاً من الخدمة العسكرية، وكانت هذه الضريبة مضافًا إليها الخراج، أقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في ظل الحكم البيزنطي، كانت كل فرقة من الفرق التي تعامل كملّة، أي كطائفة نصف مستقلة استقلالاً ذاتيًا ضمن الدولة، وكانت كل ملّة تخضع لرئيسها الديني.." (4).——————————————————————————–(1) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي 4/1279-1296، الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، نعمان الألوسي 1/481-485، حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح، عبد الودود شلبي، ص 187-191، التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، ص: 39، 64-65، 79، 256-258، قراءات في الكتاب المقدس، عبد الرحيم محمد 2/219، المسيحية، أحمد شلبي، ص 72-75، الإسلام في قفص الاتهام، شوقي أبو خليل، ص 90-94، تلبيس مردود في قضايا حية، صالح بن حميد، ص 39-40، حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، أحمد عبد الوهاب، ص92-99، تعدد نساء الأنبياء، ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب، ص 370-371، 381، رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، محمد جمعة عبد الله، ص: 234-35.(2) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي 4/1281-1282.(3) روم لاندو R. Landau.نحّات وناقد فني إنكليزي، زار زعماء الدين في الشرق الأدنى (1937)، وحاضر في عدد من جامعات الولايات المتحدة (1952-1957)، أستاذ الدراسات الإسلامية وشمالي أفريقيا في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو (1953).من آثاره: (الله ومغامراتي) (1935)، (بحث عن الغد) (1938)، (سلم الرسل) (1939)، (دعوة إلى المغرب) (1950)، (سلطان المغرب) (1951)، (فرنسا والعرب) (19539، (الفن العربي) (1955).. وغيرها(4) الإسلام والعرب ص 119.
المصدر: موقع المسيح كلمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:الديانة التي يقول كتابها: ...
إدخال فقرة التثليث زورا في أسفار العهد الجديد
اللواء: أحمد عبد الوهاب
رأيناً سلفاً ما قرره علماء الكتاب المقدس من قيام كتبة الأسفار المسئولين عن نسخها وحفظها "بإدخال تصحيحات لاهوتية على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطر" فحرفوا نصوصها وفق أهوائهم ومعتقداتهم. ولعل أخطر تحريف تعرضت له أسفار العهد الجديد هو فقرة التثليث التي أدخلها كاتب مزور مجهول في رسالة يوحنا الأولى (الأصحاح رقم 5، الفقرة رقم 7)، والتي تقول - حسب ترجمة البروتستانت الشائعة- ما يلي:"فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد".كما تظهر هذه الفقرة في الكتاب المقدس للكاثوليك، طبعة 1985، والترجمة الإنجليزية الشهيرة المعروفة باسم: نسخة الملك جيمس.لكن هذه الفقرة المزورة بدأت إزاحتها من أغلب التراجم الحديثة.فقد أزيحت من ترجمة العهد الجديد للكاثوليك الصادرة عن منشورات دار المشرق ببيروت - الطبعة العاشرة - 1985، مع إشارة في الحاشية تقول: "في بعض الأصول: الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد: لم يرد ذلك في الأصول اليونانية المعول عليها، والأرجح أنه شرح أدخل إلى المتن في بعض النسخ".كما أزيحت فقرة التثليث من الكتاب المقدس - للبروتستانت- الذي صدر عن: دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط - طبعة العيد المئوي 1883-1993، ولكن بطريقة مخادعة. فقد صدرت هذه الطبعة وفي صفحاتها الأولى تنبيه خطير يقول: "الكلمات التي بين هلالين هكذا (...) يدلان على أنه ليس لهذه الكلمات وجود في أقدم النسخ وأصحها".إن هذا يعني بداهة أن تلك الكلمات التي بين قوسين يجب شطبها أو محوها باعتبارها تحريفاً دخيلاً على النص. وتقرأ فقرة التثليث في هذه الطبعة كالآتي:"فإن الذين يشهدون (في السماء) هم ثلاثة (الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد)".وبشطب الكلمات التي بين قوسين في هذه الفقرة، وفي الفقرة التالية لها التي تتكلم عن أن الإنسان يكون من: الروح والماء والدم، تصير الفقرتان بعد التصحيح كالآتي: "فإن الذين يشهدون هم ثلاثة: الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد". ولقد بينا ذلك في الملحق (ج).هذا، ولقد أزيحت فقرة التثليث هذه من الترجمة الإنجليزية الحديثة التي قام بها 32 عالماً وصدرت عاما 1952 والمعروفة باسم: Revised Standard version.كما أزيحت من أغلب التراجم الفرنسية الهامة التي صدرت في القرن العشرين مثل:الترجمة الفرنسية المسكونية، وترجمة أورشليم الفرنسية.بعد هذا هل يشك عاقل في أن الكتاب المقدس عامة ومكونية الرئيسيين خاصة وهما التوراة والإنجيل قد تعرضا لتحريفات خطيرة، يحاول علماؤه اليوم تصحيح ما يمكن تصحيحه. ولكن هيهات...
المصدر: شبكة الألوكة
اللواء: أحمد عبد الوهاب
رأيناً سلفاً ما قرره علماء الكتاب المقدس من قيام كتبة الأسفار المسئولين عن نسخها وحفظها ...
الرد العلمي على شبهة الإلحاد
تنكر طائفة من الملحدين [1] الماديين [2]وغيرهم أن يكون لهذا الكون إله خالق مدبر ميسر، بل يزعمون أنه وجد صدفة، وأن الطبيعة بقوانينها هي التي تسير في حركة ذاتية يحكمها قانون التطور والارتقاء؛ فالعناصر والكائنات تتطور وترتقي من حال إلى حال ومن كون إلى كون، فالقرد يتطور إنسانا، والإنسان ينتهي إلى تراب، ولا يوجد إله يخلقه، أو يحييه، أو يميته.
والجواب عن هذا في خلاصة مركزة كما يلي:
1. المظهر العقدي للإلحاد هو إنكار وجود الله - سبحانه وتعالى - والمظهر السلوكي له هو النظرة الإباحية إلى الحياة ومتاعها، وهو يروِّج لنفسه على المنهج العلمي ويُحث على إعماله.
2. الجهل بالحقائق الدينية الكبرى هو الذي هيَّأ للمدِّ الإلحادي المناخ الملائم للانتشار والرواج، ثم لحدوث نتائجه الطبيعية من الاضطراب النفسي والقلق والانتحار، فالإلحاد لا ينتشر إلا حيثما تغيب القيم الدينية عن الحياة، أو حيثما تكون هذه القيم في رتبة من الضعف والتهافت تجعلها قاصرة عن هداية الفرد أو توجيه المجتمع وجهة صالحة.
3. إذا لم يكن لهذا الكون إله، فكيف خُلق؟ ولماذا خلق وكيف يدبر أمره؟ وما مصيره؟ كل هذه أسئلة حارت فيها عقول المنكرين، ولم يجدوا لها جوابًا شافيًا، وكان الجواب في الدين.
4. إن إنكار وجود الله دعوى إلحادية لا دليل عليها، بل الأدلة العلمية والعقلية تناقضها، وتقضي بوجود الخالق سبحانه وتعالى.
5. دائما ما تتجه فطرة الإنسان إلى الخالق وتؤمن بوجوده؛ لأنها مفطورة على ذلك، ولكن الإنسان هو الذي طمس على هذه الفطرة بجحوده ونكرانه.
6. إن نشأة الإلحاد تُعدُّ انحرافًا طارئًا على الفطرة السليمة التي تُوقن بوجود الله؛ لذلك فهو انحراف عن المسار الصحيح للإنسان.
7. إن ما يؤكد زيغ الإلحاد عن صراط الله المستقيم، تلك الآثار المروعة الناتجة عن الثقافة الإلحادية، وما الأمراض النفسية والعقلية وذيوع الجرائم وتفشِّي الإدمان والشذوذ والانتحار إلا أمثلة لهذه الآثار المروعة.
8. إن رجوع كثير من الملحدين واعترافهم بوجود الله بعد طول تأمُّل و نظر ثاقب يُعدُّ دليلًا جليًّا يشهد بأن الفطرة السليمة تتجه إلى الله تعالى وتؤمن بوجوده.
9. ولا تنس أن علماء أوربا وفلاسفتها قد حذَّروا المجتمعات والحكومات من عواقب ما أنتجته الثقافة الإلحادية من ظواهر تحمل بين طيَّاتها عوامل انهيارها وسقوط حضارتها عاجلًا أو آجلًا؛ بسبب الفساد العقدي الذي تنطوي عليه.
وللمزيد انظر التفصيل الآتي:
أولا. معنى الإلحاد وأساسه النظرى وأسباب انتشاره ومساؤه:
أ. معناه وأساسه النظرى:
الإلحاد يعني الإنكار، والإلحاد من الناحية الفكرية هو إنكار وجود الله - سبحانه وتعالى - وعدم الإقرار به، والإلحاد في مستوى التصور هو حالة الحرية بلا حدود، أما في مستوى العمل والسلوك فيدافع عن الإباحية.
والخاصية الحسية المادية الإلحادية تتجسد في الفكر الفلسفي والأوربي منذ عصر النهضة إلى اليوم، فلقد نادى فلاسفة عصر النهضة بأن "كل العقائد المضادة للخبرة الإنسانية والملاحظة (التجريبية) يجب أن تستبعد، وسخروا من النبوات والمعجزات، والوحي، وكل الشعائر والطقوس الدينية بوصفها خرافة، وشبه "فولتير" (1694 - 1778م) خلق الله للكون بتجميع صانع الساعات للساعة، ثم انقطاع صلته بعد ذلك.
ويزداد إنكار الخالق - عز وجل - في هذه الفلسفة في رفض دافيد هيوم (1711 - 1776م) العقائد الدينية على أساس عدم إمكان البرهنة عليها، لا بالتجربة العلمية، ولا بالعقل الإنساني، وهاجم هيوم رب فولتر نفسه معلنا: "أننا رأينا الساعات تصنع، ولكننا لم نر العالم يخلق".
وزعم فرويد (1856 - 1939م) أن الدين مصدره اللاشعور، لا الوحي، وزعم استحالة البرهنة على صحة الإيمان الديني، ومن ثم أنكر وجود الله".
ولا تزال الثقافة الأوربية بعيدة عن الإيمان بالله، وكتبه ورسله، وعن الإقرار بأن الوحي مصدر من مصادر المعرفة، ونتيجة لإنكار كل وسيلة معرفية غير الحواس، كالحدس والوحي، أنكرت الفلسفات الأوربية المعاصرة كل وجود غير حسي كوجود الله، والملائكة والروح والشيطان، ووقع التصادم والتناقض التام بينها وبين العقائد الدينية الأساسية.
ب. أسباب انتشار الإلحاد:
1. الجهل: إن أول بيئة ينمو فيها الإلحاد هي البيئة التي يسود فيها الجهل بالدين، ويغيب عنها العلم والإيمان، فكتل الجماهير التي لا تتلقى تربية وتغذية روحية، وقلبية، ستقع - إن عاجلا أو آجلا - في براثن الإلحاد، وإذا لم تتدخل العناية الإلهية فإنها لن تستطيع إنقاذ نفسها، إذا لم تبذل الأمة عناية خاصة في تعليم ضرورات الإيمان لأفرادها.
2. اللامبالاة تجاه أسس الإيمان، وعدم الاهتمام بها: ومثل هذا السلوك الذي يتسم بحرية التفكير ما إن يجد أية أمارة صغيرة تعين على الإنكار وعلى الإلحاد، حتى ينمو هذا الإلحاد ويزداد، مع أنه لا يستند إلى أي سبب علمي، ولكن إهمالا معينا، أو غفلة معينة، أو تقييما خاطئا، كل ذلك قد يولد الإلحاد.
3. اعتمادهم الأول على قوانين الطبيعة التي هي أهم أداة في يد الإلحاد: لكن هل يمكن أن تكون هذه الطبيعة الجميلة التي تسحر النفوس والأرواح مثل شعر منظم نتيجة مصادفات عمياء؟
إن كانت الطبيعة تملك - كما يتوهم هؤلاء - قوة قادرة على الإنشاء والخلق فهل نستطيع أيضاح كيف استطاعت الطبيعة الحصول على مثل هذه القدرة؟ أنستطيع أن نقول إنها خلقت نفسها بنفسها؟ أيمكن تصديق مثل هذه المغالطة المرعبة؟
4. النظرة الإباحية: التي ترى الاستفادة من كل شىء موجود مهما كان ذلك الشيء، أي النظرة التي تستند إلى الفائدة والتلذذ من جميع النعم، وتبذل المحاولات اليوم لصب هذه النظرة في قالب فلسفي وفكري ومنهجي.
5. غياب النظرة التدبرية في الكون: وهي النظرة المجردة من الأهواء والميول الشهوانية، أو تغييبها، من قبل دعاة الإلحاد، والذين يريدون للعقل ألايتدبر إلا ما يكتبونه، ولا يأخذ إلا بنظرياتهم المادية.
ج. مساوئ الإلحاد:
إن مساوئ الإلحاد كثيرة ومتعددة، ومن أهمها الآتي:
1. الأمراض النفسية: يقول العالم النفسي الشهير يونج 1875 - 1961م: "طلب مني أناس كثيرون من جميع الدول المتحضرة مشورة لأمراضهم النفسية في السنوات الثلاثين الأخيرة، ولم تكن مشكلة أحد من هؤلاء إلا الحرمان من العقيدة الدينية".
ويمكن أن يقال: إن مرضهم لم يكن إلا أنهم فقدوا الشيء الذي تعطيه الأديان الحاضرة للمؤمنين بها في كل عصر، ولم يشف أحد من هؤلاء من المرض، إلا عندما استرجع فكرته الدينية". والشىء الذي فقدوه هو الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى.
2. يحرم الإنسان من كل النعم: ويدعه بلا أمل ولا أمن، ويقبل الإنسان على الدنيا فيصطدم بالآخرين، ويحتدم الصراع، ويتردد الإنسان بين الملل والألم - كما يقول "شو بنهود" - الملل إذا فاز في الصراع وأشبع بطنه وفرجه، والألم من الحرمان إذا انهزم ولم يشبع حاجاته؛ فالإلحاد يهدم الدين، ولا يعطي الناس شيئا بديلا.
3. انتشار الجريمة والإحساس بالتعاسة، وإدمان الخمر للهروب من الواقع، والانتحار للتخلص من الملل والقلق والغربة النفسية في المجتمعات الملحدة، حتى وصل الانتحار بين الإفريقيين في جنوب إفريقيا إلى (10 - 100.000)، وبين البريطانيين (1 - 100.000) وبين الأمريكيين إلى (11 - 100000).
ثانيًا. نظام الكون وتناسقه شاهد على ألوهية الله - عز وجل - ووحدانيته:
كل هذه أسئلة حارت فيها العقول، وعجزت عن إجابتها الأفهام؛ لأنها اعتمدت على أفكار إلحادية مسبقة تنكر وجود الخالق - سبحانه وتعالى - تلك القيود التي كبلت العقول عن أن تنطلق في رحاب الخلق لتستدل به على الخالق، وطمست على الأفهام، فلم تتفتح لتدرك مظاهرة القدرة ودلائل الإعجاز في بديع صنع الله في الآفاق وفي الأنفس، ولكن كما يخاطب القرآن الوجدان البشري ليوقظه إلى حقيقة الألوهية، فإنه كذلك يخاطب العقل البشري ليفكر ويتدبر، وينظر في آيات الله في الكون ليعرف دلالتها، وإليك نماذج من الأسئلة التي ترد على العقل ليتفكر ويتدبر.
· هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير خالق؟
· هل يمكن أن يدبر شئون هذا الكون الضخم إلا إله قادر عليم حكيم؟
· هل يمكن أن يكون لهذا الإله شريك في الملك، أو شريك في التدبير؟
· هل آيات القدرة المبثوثة[3] في تضاعيف الكون[4] تشير بأن هذا الإله يمكن أن يعجز عن أمر من أمور الخلق، أو التدبير أو الرزق، أو الإحياء أو الإماتة، أو البعث أو الجزاء؟
وتلك كلها أمور سبق للقرآن أن خاطب فيها وجدان الإنسان وعقله؛ فكما عرض هذه الأمور كلها على الوجدان عرضا مؤثرا ينتهي باقتناع الوجدان وإدراكه لحقيقة الألوهية، فكذلك يعرضها على العقل؛ يناقشه ويوقظه للتفكير المنطقي السليم، الذي يؤدى في النهاية إلي الغاية ذاتها، وهي إدراك حقيقة الألوهية، ومن ثم وجوب الإيمان بالله الواحد دون شريك.
والآيات التي تخاطب العقل وتدعو إلى التأمل والتدبر كثيرة في القرآن نجتزئ بذكر نماذج منها كقوله تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين (20) وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21)} [الذاريات].
ولو تأمل الإنسان بعقله الآيات المبثوثة في الأرض، والآيات المبثوثة في النفس لأصابه العجب والذهول لكل آية من هذه الآيات المعجزة، التي ينم كل منها على وجود الخالق سبحانه، وعلى قدرته المعجزة التي لا تقف عند حد.
فالأرض جرم صغير بالنسبة للأجرام السماوية الضخمة التي يزخر بها هذا الكون، لا تعدو أن تكون كحبة الرمل بالنسبة للصحراء الواسعة التي لا يأتي البصر على آخرها. ومع ذلك ففيها - على ضآلتها - من آيات الله المعجزة ما يعجز الخيال عن تتبعه فضلا عن إحصائه، وفيها من الخصائص التي أودعها الله بها ما يذهل العقول.
فقد هيأها الله - وحدها فيما نعلم حتى اليوم من الأجرام الأخرى - بخاصية الحياة، وجعل لها من الظروف ما يجعل الحياة عليها ممكنة الوجود والاستمرار، فكتلتها محسوبة بحساب رباني دقيق يجعل جاذبيتها تحتفظ حولها بغلاف جوي لا يتبدد، وفي هذا الغلاف يوجد الأكسجين المطلوب لتنفس الكائنات الحية [5]، وبالقدر المطلوب لتنفس هذه الكائنات بلا زيادة فيه ولا نقصان؛ لأن الزيادة والنقصان هما معا مما يضر هذه الأحياء! وحرارتها محسوبة بذلك الحساب الرباني الدقيق، بالصورة التي تحتملها الكائنات الحية فلا تموت من شدتها ولا من ضعفها!، والأقوات فيها محسوبة بحيث تفي بحاجة تلك الكائنات من الغذاء مع توازن دقيق بين هذه الكائنات وبين أقواتها: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} [الحجر/9]، {وقدر فيها أقواتها} [فصلت/10].
وعلى ذكر التوازن في الأرض بين الكائنات الحية والتوازن في الأقوات، فقد ذكرت الأنباء أن الشيوعيين في الصين سولت لهم أنفسهم الشريرة أن يقتلوا جميع العصافير الموجودة في الصين بحجة أنها تأكل عشرة في المائة من مجموع الغلال التي يزرعونها! فجندوا في كل القرى والمدن فرقا تتناوب الضرب على الدفوف وقطع الصفيح ليل نهار لمدة ثلاثة أيام، فكلما أرادت العصافير أن تأوى إلى عشوشها؛ لتنام أو تستريح أزعجها الصوت فعادت إلى الطيران، حتى هلكت جميع العصافير من الجوع والعطش، والتعب وعدم النوم، وفرح الشريرون بأنهم قضوا على تلك المخلوقات الصغيرة اللطيفة، واطمأنوا إلى أن المحصول سيصل إليهم كاملا غير منقوص! ولكن الله كان لهم بالمرصاد! فإن الحشرات الضارة التي كانت تلك العصافير تأكلها فتمنع أذاها عن الزرع بحكمة الله وتدبيره، انتشرت في الأرض بعد موت العصافير فأكلت خمسين في المائة من المحصول! وهكذا حين أراد هؤلاء أن يغيروا التوازن الذي أوجده الله في الأرض بحكمته أصابهم الجزاء الرادع من عند الله، وكانت هذه آية لهم لو كانوا يعتبرون!
وهكذا لو مضينا نتتبع آيات الله في الأرض لوجدنا عجائب لا تنتهى:{وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} [الرعد/4].
فالأرض فيها قطع متجاورات تختلف بنية كل منها عن الأخرى رغم تجاورها، بعضها ينبت الزرع وبعضها لا ينبته، وبعضها يصلح لأنواع معينة من الزرع دون غيرها، وتلك وحدها عجيبة.
ثم إن الأرض الواحدة تنبت أنواعا شتى من الزروع والنخيل والأعناب كلها يسقى بماء واحد، ولكن بعضها يختلف عن بعض، حتى النوع الواحد كالنخيل تخرج منه النخلة المفردة والنخلة المزدوجة، وتلك عجيبة أخرى.
ثم إن هذه الزروع مختلفة الطعوم والمذاقات، يفضل الناس في طعامهم بعضا منها على بعض، وتلك عجيبة ثالثة.
ثم إن الطعم الواحد قد يفضله إنسان ولا يفضله إنسان آخر حسب ذوقه الخاص المركب في طبعه، وتلك عجيبة رابعة.. وصدق الله العظيم: {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (4)} أما الآيات في الأنفس فإنها أعجب! فالخلية [6] الواحدة الملقحة التي يتكون منها الجنين تشتمل على كل خصائص الجنس البشري، وهي لا تكاد ترى! فينمو منها إنسان كامل فيه كل خصائص الإنسان!
ثم إنها تنقسم وتتخصص في أثناء نمو الجنين، فيصبح جزء منها رأسا، وجزء آخر يدا، وجزء ثالث قدما، وهكذا. ثم إنها تحتوي كذلك على جزئيات تحمل الخصائص الوراثية التي يرثها الجنين من الأب والأم أو الأجداد، فقد يحمل الجنين صفة من الأب كلون الشعر مثلا، وصفة من الأم كلون العينين وصفة من أحد الجدود، كالطول أو القصر، أو شكل الأنف، أو شكل الأذن. بل الأعجب من ذلك وراثة الصفات النفسية والعقلية كالكرم أو البخل، والشجاعة، أو الجبن، والذكاء أو الغباء، والميل إلى العلوم أوالميل إلى الآداب!
وهذه الصفات العقلية ذاتها: ما هي؟ كيف توجد؟ وأين توجد؟ كيف يفكر العقل؟ كيف يتذكر الإنسان ما يتذكر؟
إن كل أبحاث العلم حتى هذه اللحظة قد عجزت عن أن تقول لنا كيف يفكر العقل، وكيف يتذكر! وأين تكون الأفكار، وأين تختزن المعلومات، وكيف يستدعيها الإنسان حين يريد استدعاءها، وكيف تخطر على باله أحيانا بغير استدعاء!
والصفات النفسية كذلك، ما هي؟ كيف توجد وأين توجد؟ كيف تتكون في النفس صفة الكرم، أو البخل، أو الشجاعة، أو الجبن؟ وفي أي مكان تكمن هذه الصفة في الإنسان؟ في جسمه؟ أين؟ في مخه؟ أين؟ هل هي شىء معنوي أو مادى؟ وفي كلا الحالين كيف تؤثر في تصرفات الإنسان وسلوكه؟
وأعجب من ذلك: كيف تورث؟!
ولو مضينا نتتبع خصائص الإنسان، وآيات الله في الأنفس، لما انتهينا من العجب لكل خصيصة وكل آية، ولأدركنا أن هذا كله لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه بهذه الدقة المذهلة، لا بد له من موجد، ولا بد أن يكون هذا الموجد حكيما وقادرا إلى حد الإعجاز، وإلا ما استطاع أن ينشئ هذا الخلق الدقيق المعجز، الذي تحتوي كل جزئية منه على عجائب لا يحصرها العقل.
ومن أجل ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين (20) وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21)} [الذارايات]، {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون (21) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (22) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (23) أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون (24)} [الأنبياء].
في هذه الآيات يخاطب القرآن العقل لكي يتدبر الأمر ويستخلص نتيجة منطقية لما يرى حوله من الآيات، ويطالبه أن يأتي بالبرهان على ما يدعيه مخالفا للحق الظاهر.
فالحق الظاهر أن هذا الكون متناسق إلى أبعد ما يتصور العقل من التناسق: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير (4)} [الملك].
فدورة الفلك المضبوطة التي لا تختل قيد شعرة في هذا الكون العريض كله، ودورة الليل والنهار الناشئة من حركة الأفلاك، والتي تأتي في موعدها المضبوط بالدقيقة والثانية وأجزاء الثانية على مدار الفصول، وعلى مدار القرون والأجيال.
وخواص المادة التي أودعها الله فيها - لا تخطئ مرة واحدة على مر الزمن، ولا تختلف مرة عن مرة، فالحديد هو الحديد، والنحاس هو النحاس، والأكسجين هو الأكسجين، لا يتغير تركيبها ولا خواصها، ولا يتغير سلوكها إزاء الحرارة والبرودة، أو إزاء الضغط أو في تفاعلاتها الكيماوية مع غيرها من العناصر. لا يحدث مرة واحدة أن يتكون الماء إلا من ذرة الأكسجين وذرتين من الأيدروجين[7]، ولايحدث مرة أن يسخن الحديد فلا يتمدد، ولا يحدث مرة أن يطرق النحاس فلا ينطرق.
والذرة التي هي أبسط التكوينات التي أمكن للعلم حتى اليوم أن يكشف عنها في نظامها الدقيق العجيب المكون من نواة[8] - هي البروتون[9] - وأجسام صغيرة غاية في الدقة - هي الإلكترونات - تدور حولها في نظام دقيق، متجاذبة معها ومتعادلة في الشحنة الكهربائية في وضع يشبه الشمس ومن حولها الكواكب.
والخلية الحية وسلوكها العجيب في غذائها وإفرازها ونموها وتكاثرها، والكائنات الحية وخصائصها التي تميز كل جنس منها عن الآخر، وتميز كل نوع من أنواع الجنس عن الآخر، فللنبات عامة خصائصه، ولكل نوع من النبات خصائصه، وللحيوان خصائصه، ثم لكل نوع من أنواعه خصائصه.
ثم إن الإنسان أعقد الكائنات الحية وأرفعها، وكل جزء في تكوينه عجيبة في تناسقه وأداء وظيفته، هل يمكن مع ذلك كله إلا أن يكون في السماوات والأرض إله واحد مسيطر مدبر حكيم هو الله سبحانه وتعالى؟ {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء/22].
أليس كل إله يخلق بمفرده كيف يشاء؟ فكيف يتطابق الخلق الصادر عن واحد من الآلهة مع الخلق الصادر عن إله غيره؟ كيف تكون الشجرة التي يخلقها واحد من الآلهة متطابقة تماما في كل أحوالها مع الشجرة التي يخلقها إله آخر؟ كيف يكون الماء الذي يخلقه أحد الآلهة هو الماء نفسه الذي يخلقه الإله الآخر من ذرة من الأكسجين وذرتين من الأيدروجين؟
كيف تنتظم دورة الفلك التي ينشئها إلهان مختلفان، ويشرف على شئونها أكثر من إله؟ هل يمكن أن تنتظم إذا تعددت الإرادة التي تهيمن عليها والسلطان الذي يسيرها؟
ألا يحدث أن واحدا من الآلهة يريد الشمس أن تشرق من المشرق وآخر يريدها أن تشرق من المغرب! وكيف يصير الأمر؟
ألا يحدث أن واحدا من الآلهة يريد للإنسان أن يستوي على قدميه ويسعى في الأرض يبتغي الرزق ويعمر الأرض، وآخر يريد له أن يمشي على أربع كالحيوان، أو يبقى لاصقا بالطين على ساق واحدة كالنبات؟ فكيف يصير الأمر؟
ألا يحدث أن واحدا من الآلهة يريد للحديد أن يكون صلبا تصنع منه الأدوات الصلبة التي تعين الإنسان على عمارة الأرض وتعينه على صنع السلاح الذي يقاتل به لإعلاء كلمة الله، بينما إله أخر يريد أن يكون الحديد طريا لينا عديم الشكل؟ فكيف يصير الأمر؟
هل ينضبط شىء حينئذ في الكون كله؟ وهل يستقيم الأمر؟ أم يصبح الكون فوضى، تتصادم فيه الأفلاك وتتعارض، وتتصادم فيه الإرادات المشرفة عليه وتتعارض، ويصبح كالعقد المنفرط لا يجمعه نظام؟ من أجل ذلك يخاطب القرآن العقل فيقول له: {سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون} [الزخرف/82]، ثم يخاطبه مرة أخرى متحديا بعد هذا البيان:
{أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم} [الأنبياء/24].
نعم! فليبحث العقل عن برهان! إن الأمر ليس فوضى، يقول فيه القائل بهواه! بل لا بد لكل قول من برهان، فهاتوا برهانكم! هل تستطيعون أن تبرهنوا - والكون بهذا الاتساق المعجز - أن هناك إرادة أخرى تسيطر على الكون غير إرادة الله؟
فإن عجز العقل عن البرهان - وهو لا محالة عاجز - فليتدبر أمره، وليؤمن بالله الواحد الذي لا شريك له في الملك ولا في السلطان: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} [المؤمنون/91].
في مثل المناقشة العقلية التي ذكرناها في الفقرة السابقة، يجري السياق هنا مناقشة مع العقل البشري، يقدم لها بمجموعة من الآيات يلفت فيها العقل إلى بعض الحقائق المسلم بها التي لا يجادل فيها أحد ولا ينبغي أن يجادل فيها: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله قل أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون (89) بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون (90) ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)} [المؤمنون].
فإذا سلم الإنسان ابتداء بأن الأرض ومن فيها من صنع الله وإنشائه وهو مالكها، وإذا سلم بأن السماوات السبع هي لله، هو منشئها وهو ربها ورب العرش العظيم، وإذا سلم بأن ملكوت كل شىء لله، وهو المدبر فيه وحده، وهو الذي يجير بقوته ولا يجار عليه؛ لأنه صاحب العظمة والسلطان.. بدهيات لا يملك عقل أن ينكرها وإلا جابه هذا السؤال الوارد في سورة الطور: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور/35]، وهو سؤال مسكت ملجم يتحدى كل منكر.
إذا سلم الإنسان بكل هذا فقد لزمه - منطقيا - أن يسلم بالنتيجة التي تؤدي إليها هذه المقدمات، وهي أنه إله واحد لا شريك له، ولا يمكن أن يكون له شريك؛ لذلك يكرر السياق التذكير بعد كل مقدمة من المقدمات: {أفلا تذكرون}، {أفلا تتقون}،
{فأنى تسحرون}، ولكن السياق لا يكتفي بالتذكير المصحوب بالتقريع[10] ، بل يمضي مع العقل البشري خطوة أخرى في المناقشة فيعرض أمامه هذه الحقيقة ليتدبرها:
لنفرض جدلا أنه كان مع الله آلهة أخرى فكيف يكون الموقف؟ {إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [المؤمنون/91].
في الفقرة السابقة في آية سورة "الأنبياء" كان يعرض أمر الفساد الذي كان لا بد أن يحدث في السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء/22]. وما دام هذا الفساد غير حادث، والكون منضبط في حركته كما نرى، فقد انتفى - إذا - وجود آلهة غير الله.
وفي هذه الآية من سورة "المؤمنون" يعرض الأمر من الوجهة الأخرى، وجهة الآلهة ذاتهم - لو أنهم أكثر من إله واحد - وما كان لا بد أن يحدث بينهم من صراع ونزاع: {إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [المؤمنون/91].
فإذا كان كل إله خلق جزءا من الخلق فهل يعقل أن يتنازل عن خلقه لإله آخر؟ أم المعقول والبدهي أن يتشبث بخلقه ويستحوذ عليهم، ويحاول أن تكون له السيطرة عليهم وحده؟ وعندئذ ماذا يحدث؟! يحدث نزاع بين الآلهة المزعومة على السيطرة! هذا يريد أن يسيطر وهذا يريد أن يسيطر! كل منهم يريد أن تكون له وحده الكلمة النافذة في الكون، ويكون أمره هو المطاع! هذا يصدر أمرا ويطلب تنفيذه، وذاك يصدر أمرا مضادا ويطلب تنفيذه، وكل يتشبث بكلمته زاعما أنه هو الأعلى وهو الأحق بأن تسمع كلمته ويطاع!
فهل هذه الآلهة - المتوهمة - تستحق الاحترام وهي هكذا تتعامل مع بعضها البعض؟! وهل يستقر حال الكون وهي - في صراعها على السلطة - تصدر الأوامر المتباينة للكون، فيحار الكون لأي أمر يذعن وأي أمر يطيع؟! كلا! ما كان حال الكون ليستقر لو أنها آلهة متعددة تتصارع فيما بينها وتتنازع، وما كان الكون ليبدو متناسق الحركة متناسق الصنعة متناسق التدبير.
والعقل البشري مكلف أن يفكر ويتدبر.. فما دام الإنسان قد سلم - أو ينبغي أن يسلم - بأن الأرض لله، والسماوات السبع لله، والملكوت لله، والتدبير لله.. فماذا بقي - إذن - من عمل تقوم به تلك الآلهة الأخرى، المزعومة؟
وما دام الكون في سيره لا يبدو عليه الخلل والاضطراب، بل يظهر فيه الاتساق الكامل والانضباط، أفلا يدل ذلك على وحدة السيطرة التي تدبر شئونه وترعاه؟! قال تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون (59) أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون (60) أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64)}[النمل].
هنا في الحقيقة خطاب للوجدان والعقل في آن واحد، وقد أسلفنا القول بأن القرآن كثيرا ما يقرن خطاب الوجدان مع خطاب العقل في سياق واحد، ولكنا هنا سنركز تركيزا أكبر على أدلة العقل وبراهينه، وفيما مضى من الحديث عن الوجدان في الفصل السابق ما فيه الكفاية.
يبدأ السياق بسؤال في الآية الأولى بعد حمد الله والسلام على عباده الذين اصطفاهم بالنبوة والرسالة، وهذا السؤال يواجه الإنسان بعامة، وعقله بصفة خاصة: {آلله خير أما يشركون}.
والإجابة عن السؤال تقتضي الموازنة - إن كان هناك مجال للموازنة - بين الله سبحانه وتعالى، وبين الآلهة المزعومة التي يعبدها بعض الناس مع الله، أو من دون الله، ليتبين أيهما خير: آلله أم تلك الآلهة المدعاة؟
والسياق القرآني يبادر العقل بما يعينه على معرفة الإجابة الصحيحة، إن كان - لسبب من الأسباب - يجهلها فيقدم له أول المعينات في صورة سؤال آخر لو اهتدى لإجابته - وهي بدهية في الحقيقة - لاهتدى في الوقت ذاته لإجابة السؤال الأول الذي تصدر السياق، وهو قوله تعالى: {آلله خير أما يشركون}.
تسأل الآية الثانية في السياق: من الذي خلق السماوات والأرض؟ ومن الذي أنزل عليكم من السماء ماء فأنبت به حدائق بهيجة المنظر ما كان لكم أن تنبتوا شجرها لولا ما أنزل الله لكم من السماء من ماء، ولولا ما أودع فيها - هي ذاتها - من خاصية النمو حين ينزل عليها الماء؟
وقبل أن يجيب الإنسان الذي يوجه له ذلك السؤال، يبادره السياق بسؤال ثالث يحمل في طياته إجابة السؤال السابق: يقول: {أإله مع الله}.
وهكذا يحاصره السياق حصارا كاملا بحيث لا يجد مفرا من الإجابة الوحيدة التي يستقيم بها الأمر كله! {أإله مع الله}؟ كلا! وإذا فالسؤال السابق ليست له إلا إجابة واحدة كذلك: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} [النمل/60]؟ هو الله!
ولقد كان يكفي العقل والوجدان معا هذه الجولة لتقر النفس بألوهية الله الواحد بلا شريك، ولكن الله العليم الخبير يعلم من أحوال النفس البشرية أنها تحتاج إلى التذكرة مرات ومرات؛ ومن ثم يبدأ السياق على النسق ذاته جولة ثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة. {أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} [النمل/61].
فإذا كانت الجولة الأولى مع خلق السماوات والأرض، ومع الماء النازل من السماء إلى الأرض، ومع الحدائق النابتة من نزول الماء، فهذه الجولة كلها في الأرض، تذكر جعل الأرض مستقرا للإنسان يجد فيها رزقه ومعاشه ومتاعه المقدر له إلى حين، وتذكر جعل الأنهار خلال هذه الأرض، وجعل الرواسي لها لتكون سببا في استقرارها، وجعل الماء العذب الذي أعده الله لشرب الكائنات الحية محجوزا عن الماء المالح الذي تعج به البحار والمحيطات. وكلها من آيات رحمة الله بالإنسان كما أنها من آيات قدرته، فمن غير هذا الإله القادر يستطيع أن "يجعل" كل هذه الأشياء على صورتها التي هي عليها؟ وعندئذ يجىء التعقيب في مكانه: أإله مع الله؟ وإجابته قد تقررت منذ الجولة السابقة، ولكنه المزيد من التوكيد.
أما الجولة الثانية ففي محيط البشر، تذكرهم بما يقع لهم، ولكنهم ينسونه في غفلتهم: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف ما به من سوء؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض جيلا بعد جيل، ترثون الأرض بعد آبائكم وتتمكنون فيها وتسخرونها لمعايشكم؟ أيتم ذلك من تلقاء نفسه؟ وكيف يتم إذا لم يخلقكم الله أصلا من أصلاب آبائكم؟ وكيف يتم إذا لم يبق الله الأرض لترثوها منهم؟! ثم يجىء التعقيب المكرر، ليزيد الأمر توكيدا في النفس: أإله مع الله؟، والإجابة هي الإجابة بالنفي بكل تأكيد.
والجولة الثالثة مع البشر كذلك، ولكنها تذكر نعما أخرى من نعم الله على الإنسان، من يهديكم في ظلمات البر والبحر؟ فإذا كان ضوء الشمس يهديكم بالنهار ولكنكم تنسون النعمة وتغفلون عنها، فإنكم أولى أن تتذكروا الهداية في الليل والظلمة محيطة في البر وفي البحر، فهنا تتلمسون الهداية فلا تجدونها إلا بعون الله لكم سواء بالنجوم تحدد لكم اتجاهكم، أو بالقمر يرسل نوره فيكشف جانبا من الظلمة، أو فيما هداكم الله إلى عمله من المشاعل والمصابيح التي تنير الظلام. ثم نعمة أخرى يذكر الله بها الإنسان: ومن يرسل الرياح تبشر برحمة الله المتمثلة في السحاب والمطر! {أإله مع الله}؟ كلا! {تعالى الله عما يشركون} [النمل/63].
وتجىء الجولة الاخيرة كالأولى تشمل السماوات والأرض، وتربط ما بين السماوات والأرض، وتزيد عليها ذكر البعث: من الذي يبدأ الخلق ثم يعيده؟ أهناك غير الله من تبلغ قدرته أن يخلق من لا شىء؟ ومن يعيد الخلق حين يشاء؟ ومن يرسل لكم الرزق من السماء والأرض؟ {أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقي}!
وحين يصل السياق إلى غايته يكون الوجدان والعقل قد وصلا كذلك إلى غايتهما من التمثل لهذه الحقيقة الكبرى: حقيقة وحدانية الله بلا شريك. فإذا جاء التحدي الأخير: {هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، فليس له جواب إلا الاقتناع الكامل والتسليم: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون (31) فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون (32) كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون (33) قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون (34) قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (35) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون (36)} [يونس].
السياق هنا قريب من السياق السابق في آيات سورة "النمل" ولكنه يختلف عنه في أمرين:
الأول: أنه في السياق السابق كان يذكر آيات الله في السماوات والأرض والناس ثم يسألك أإله مع الله؟ وتكون الإجابة الضمنية الطبيعية هي: لا! ليس مع الله إله. ليس لله شريك في الخلق، ولا في الملك ولا في التدبير.
أما هنا فالسياق يشير إلى الشركاء بالذات، ويركز عليهم، يركز عليهم لينفي وجودهم، ولكنه لا ينفيه نفيا مباشرا، إنما من خلال سؤال مكرر: هل من شركائكم - المزعومين بطبيعة الحال - من يفعل كذا أو كذا مما يفعله الله؟ فإذا كان الجواب بالنفي - ولا بد أن يكون بداهة كذلك - فماذا يفعل الشركاء إذن؟ وإن لم يكن لهم عمل فما معنى وجودهم؟ إنهم إذن لا وجود لهم ما داموا لا يعملون شيئا على الإطلاق!
والثانى: أنه ينبه العقل الغافل إلى طريق التفكير الصحيح. إنه لا يجوز للعقل - الذي خلقه الله للتفكر والتدبر - أن يأخذ الأمور بالظن، دون تمحيص وبرهنة وإثبات، والظن لا يغني شيئا من الحق، فعلى الذين يأخذون القضية بالظن أن يتخلوا عن هذا الطريق الخاطئ ويتبعوا الطريق الصحيح، طريق الدليل الصحيح والبرهان.
تبدأ الآية الأولى بسؤال حاسم: من يرزقكم من السماء والأرض؟ من يملك السمع والأبصار؟ من يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحى؟ من يدبر الأمر؟ وهي لمحات سريعة في مجالات شتى في آن واحد، تحاصر العقل وتحصره في إجابة واحدة: {فسيقولون الله} [يونس/31] وإذا كان الأمر كذلك "أفلا تتقون" وقد عرفتم الإجابة الصحيحة على السؤال!
{فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} [يونس/32]؟ الله الذي عرفتموه، وعرفتم أنه هو الذي يرزقكم من السماء والأرض، ويملك سمعكم وأبصاركم ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويدبر الأمر.. هو ربكم الحق، لا ربوبية لغيره، فكيف تتجهون إلى غيره؟ كيف تحيدون عن الحق الواضح فتضلون؟ فإن من تجاوز الحق فليس أمامه سوى الضلال: {وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} [غافر/6]؛ لأنهم يصرون على مجاوزة الحق فيقعون في الضلال.
ثم تجىء المناقشة التي أشرنا إليها: {قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده} [يونس/٣٤]، فإذا كان الجواب بالنفي - كما لا بد أن يكون - {قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده}، فإذا اتضح هذا الأمر: أن الله يبدأ الخلق ثم يعيده، بينما الشركاء المزعومون لا يبدءون خلقا ولا يعيدون: {فأنى تؤفكون} أنى تصرفون عن الحق وتتبعون الزور والإفك؟
ثم مناقشة أخرى: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} [يونس/35]، والجواب - كالمرة السابقة - بالنفي. فلم يؤثر عن أحد من أولئك الشركاء المزعومين أنه أنزل لهداية البشر كتابا ولا أرسل رسولا! فإذا كان الأمر كذلك: {قل الله يهدي للحق}، فيرسل الرسل وينزل الكتب ويدعو الناس إلى ما فيه صلاح الدنيا وصلاح الآخرة، {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}[يونس/25].
ثم يمد السياق المناقشة خطوة أخرى: إذا كان الله يهدي للحق، والشركاء المزعومون لا يهدون إلى الحق، فمن أحق أن يتبع ويطاع: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي}، آلله أحق أن يتبع أم أولئك الذين لا يهتدون من ذات أنفسهم ويحتاجون هم أنفسهم إلى من يهديهم؟ والإشارة هنا إلى الأصنام التي كان العرب يعبدونها في الجاهلية، ولكنها في الحقيقة تنطبق على كل من يتوجه إليه الناس في كل عصر، ممن لا يملكون لأنفسهم الهدى، ويتصدون لهداية الناس! فإلى أي شىء يهدونهم إلا إلى الضلال؟ {فما لكم كيف تحكمون}؟
أين عقولكم التي تفكرون بها؟ وكيف أدت بكم هذه العقول إلى هذا الحكم الفاسد الذي تحكمون به في القضية، فتقولون - بألسنتكم أو بأفعالكم -: إن هؤلاء الشركاء أولى بالاتباع من الله، وهم لا يملكون الهدى لأنفسهم فضلا عن هداية الناس؟
السبب هو أنهم لا يحكمون عقولهم في الحقيقة، ولو حكموها لحكمت بالصواب، فالأدلة قائمة والبراهين موجودة، ولكنهم يتبعون الظن فيضلون عن الصواب: }وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا} [يونس/36]، والله أعلم بهم: {إن الله عليم بما يفعلون (36)}، {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور/35].
هذه الآية تحمل أكبر تحد للعقل البشري الضال خلال التاريخ.. وكأنها نزلت للضالين اليوم الذين ينكرون وجود الله ويلجون في الغي والإلحاد.
إن الذين يلجون في الغواية إلى هذا الحد لا ينكرون وجود الله في الحقيقة، فلا يمكن للفطرة - مهما ضلت - أن تنكر وجود الله الخلاق، ولكنهم - لسبب من الأسباب - يكابرون ويتظاهرون بالإنكار.
وحتى أولئك الذين يعيشون في ظل الإلحاد، في الدول الشيوعية، ويدرس لهم الإلحاد في المدارس، ويتربون عليه، ويتلقونه في كل حصة من حصص الدراسة - حتى هؤلاء لا تقر نفوسهم بإنكار وجود الله إلا مجاراة للأوضاع، وخوفا من سطوة الدولة هناك، وإليك مثالا يثبت لك هذه الحقيقة.
حين صعد جاجارين رائد الفضاء الروسي الأول إلى الجو، أخذته روعة الكون وذهل لما رآه، لقد رأى الكون على صورة أخرى غير التي نراها ونحن على سطح الأض مغلفين بالغلاف الجوى، لم ير السماء زرقاء كما نراها نحن، إنما رآها سوداء تماما، ورأى الكواكب والنجوم في داخلها لامعة شديدة اللمعان، لقد كان المنظر - كما يصفه رواد الفضاء - يشبه قطعة من المخمل[11] الأسود مرصعة بالجواهر اللامعة.
وفوجئ جاجارين بما رآه.. فوجئ بالتجربة الجديدة، والمشهد الجديد كما ذكرنا آنفا يوقظ الحس من غفلته، ويوقظ المشاعر من سباتها، ويجلي الكون جديدا كأنما يواجهه الإنسان لأول مرة، فيدرك من دلائل إعجازه ما كان غافلا عنه من قبل، ويحس بيد الله المبدعة وآثارها في تضاعيف هذا الكون.
وهذا هو الذي حدث لجاجارين، لقد نسى كل إلحاده الذي ربته المدرسة عليه.. نسى كل الدروس التي لقن فيها أنه لا وجود لله.. وأخذ يحملق في الكون مدهوشا من صنعة الله، مبهورا بما رآه من إعجاز.
وحين هبط إلى الأرض كان أول تصريح أدلى به للصحفيين الذين استقبلوه: "حين صعدت إلى الجو أخذتني روعة الكون فمضيت أبحث عن الله"! وهكذا تنطق الفطرة حين تواجه الحقيقة! وهذا على الرغم من كل الإلحاد الذي لقن لجاجارين"[12].
كلا! إن الفطرة لا يمكن أن تنكل أبدا عن الشهادة: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف/172]، إنما الذي يحدث أن الإنسان الضال يكابر في هذه الحقيقة؛ لأنه لا يريد أن يخضع لله، ولو أقر علانية بوجود الله للزمه أن يطيعه وأن يعبده، وهو - لأمر من الأمور - لا يريد، وبدلا من أن يبدو مقصرا وناكلا [13] - باعترافه - فإنه يتفلسف فيدعي أنه لا يؤمن بوجود الله.
كيف تم من العدم بغير خالق؟ ثم كيف انتظم بعد أن تم؟ ثم كيف حافظ على نظامه كل تلك الملايين من السنين التي لا يحصيها العقل البشري دون أن يحدث في نظامه خلل أو اضطراب؟!
هل يتم ذلك كله بغير خالق؟! هل يتقبل العقل هذا القول، حتى إن ضل هذا العقل وسار في الظلمات؟
يقولون: إن الطبيعة هي الخالق! كذبوا! وما الطبيعة؟! يقولون: إن الطبيعة تخلق كل شىء ولا حد لقدرتها[14]، سبحان الله! أليس هذا هو الله؟ هو الذي يخلق كل شىء ولا حد لقدرته؟! فلماذا نسمي الله بالطبيعة؟ أي منطق في هذه التسمية العجيبة؟ ألا إنه الهوى، وليس العقل، وليست "الفلسفة"!
الهوى الذي يمنع الإنسان من الاعتراف بالحق مع أنه - في داخله - يعلم أنه الحق! {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل/14].
ولكن القرآن يتحداهم، يتحداهم منذ أربعة عشر قرنا، وسيظل يتحداهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}، أما أنهم هم الخالقون فأمر لم يزعمه أحد من المضلين! بقي السؤال الأول بغير جواب: {أم خلقوا من غير شيء}، وهو السؤال الملجم المسكت، الذي لا يملك أحد من المكابرين أن يرد عليه بالإيجاب.
ولم يبق إلا أمر واحد، هو أن يكون هناك خالق، هو الذي خلق الخلق بقدرته، وهو الذي يدبر الأمر وحده بلا شريك... وذلك هو الأمر الذي لا تملك الفطرة أن تنكره وإن ضلت وإن أمعنت في الضلال. إنما ينكره المكابرون باللسان لكبر في نفوسهم عن عبادة الله: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير} [غافر/56].
ونستعيذ بالله كما أمرنا الله، ونؤمن في الوقت ذاته بأن أولئك الجاحدين لا يجحدون الله في الحقيقة إنما هم فقط يتظاهرون، وحتى إن وصلت الغاشية بهم إلى أن تغشى قلوبهم وأرواحهم، وسمعهم وأبصارهم، فهم عرضة لأن يتيقظوا لحقيقة الألوهية كما تيقظ لها جاجارين[15].
ثالثا. إنكار وجود الخالق دعوى إلحادية لا دليل عليها، بل الأدلة قائمة على وجود الله تعالى [16]:
سبق بيان الأدلة التي عرضها القرآن الكريم على وجود الله تعالى، وإذا كانت الأدلة على وجود الله واضحة في الكون والآفاق والأنفس، فإن علماء الكلام دافعوا قديما عن العقيدة الإسلامية، وصاغوا أدلة يدافعون بها عن وجود الله في وجه الملحدين.
يقول د. يحيى هاشم: "لقد أرغمت التحديات متكلمي الإسلام على توجيه أنظارهم إلى المباحث التي يدور فيها الاحتكاك بين الإسلام وتلك العقائد، لقد كان لهذا العلم في هذا المجال هدف جليل يتمثل في المحافظة على عقائد المسلمين وكان عليه أن يواجه أعتى أعداء الإسلام وأخطرهم وأقواهم سلاحا وأشدهم تمكنا، وأكثرهم تحالفا وأوسعهم تنوعا".
وقد صاغ المتكلمون أدلتهم على وجود الله وأشهر ما يستدلون به:
· دليل الحدوث: يقول الإمام الأشعري: من قصد إلى برية لم يجد فيها قصرا مبنيا فانتظر أن يتحول الطين من حالة الآجر وينتضد بعضه على بعض بغير صانع ولا بان كان جاهلا، وإذا كان تحول النطفة[17] علقة[18] ثم مضغة[19]، ثم لحما ودما وعظما أعظم في الأعجوبة كان أولى أن يدل على صانع النطفة ونقلها من حال إلى حال.
والإمام الباقلاني من المتكلمين يستدل بدليل الحدوث وتغير الموجودات من حال إلى حال، ويعزو هذا الاستدلال إلى الخليل إبراهيم - عليه السلام - في حجاجه مع قومه؛ ذلك بأنه لما رآها متغيرة من حال إلى حال علم أنها محدثة مفطورة مخلوقة لله سبحانه وتعالى، وأن الله هو الذي خلقها فقال عند ذلك: {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} [الأنعام/79].
ويعلق الباقلاني على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء عن عمران بن حصين، حيث قال: «بينما أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل ناس من أهل اليمن فقال: "اقبلوا البشري يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قبلنا جئنا لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان. قال: كان الله ولم يكن شىء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شىء»[20].
يعلق الباقلاني على هذا الحديث بقوله: "قد بين نبينا - صلى الله عليه وسلم - بأحسن بيان يتضمن أن جميع الموجودات سوى الله محدثة مخلوقة"[21]. ويلاحظ أن الباقلاني يرجع إلى نصوص الكتاب والسنة في الاعتماد على حدوث العالم وأن محدثه هو الله عز وجل.
يقول الشهرستانى: "وقد سلك المتكلمون طريقين في إثبات الصانع تعالى، وهو الاستدلال بالحوادث بإمكان الممكنات على مرجح لأحد طرفي الإمكان ويدعي كل واحد في جهة الاستدلال ضرورة وبديهة" [22].
ودليل الحدوث الذي يستدل به المتكلمون صياغته كالآتى:
· العالم ينقسم إلى جواهر وأعراض ولا يخرج عنهما.
· الأعراض حادثة، والدليل على حدوثها أننا نشاهدها موجودة بعد أن لم تكن، كحركة الجسم بعد سكونه فهذه الحركة ثابتة بالمشاهدة، وسكونه حادث؛ لأنه بمجىء الحركة قد انعدم ولو كان قديما لاستحال عليه العدم؛ لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه.
· الجواهر[23] كذلك حادثة؛ لأنها لا تخلو عن الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، أما أنها لا تخلو عن الحوادث فلأنها لا تخلو عن الحركة والسكون، وهما حادثان، فالجواهر لا تخلو عن الحوادث[24].
إذا ثبت هذا فكل حادث لا بد له من محدث، وهذا بالبداهة، ولا يصح أن يكون المحدث للعالم نفسه؛ إذ إنه يصبح - حينئذ - متقدما على نفسه ومتأخرا عنها وهذا باطل؛ لأن كون الشيء الواحد متقدما على نفسه ومتأخرا عنها في وقت واحد باطل بالبداهة.
هذا المحدث للعالم الموجد له لا بد أن يكون مغايرا له في صفاته؛ فلا يكون حادثا بل يجب أن يكون قديما، هذا المحدث للعالم هو الله تعالى.
والاستدلال بحدوث العالم على وجود الله تعالى، اتفق المتكلمون عليه من معتزلة[25] وأشاعرة[26]، وماتريدية[27] [28]، على خلافات يسيرة في صياغة هذا الدليل فيما بينهم.
استدلال الفلاسفة الإسلاميين، على وجود الله "دليل الإمكان":
أما الفلاسفة الإسلاميون فقد ابتدءوا استدلالهم على وجود الله - عز وجل - بأن نظروا في مطلق الوجود، فوجدوا أن منه ما لا يتصور في العقل عدمه، ومالا يتصور في العقل وجوده وهو المممتنع المستحيل، ومنه ما يتصور فيه الوجود والعدم، وهذا الصنف الثالث هو عامة الموجودات، وهو ما تعارفوا على نعته بالإمكان الذاتي، وهو معنى يحتاج إلى مخصص يرجح فيه جانب الوجود على جانب العدم، وهذا المخصص لا بد - وإن تسلسل - أن ينتهي إلى موجود واجب الوجود هو علة غيره، وليس هو علة لشىء غيره[29].
أقسام منكري الألوهية:
ويمكن تقسيم المنكرين للألوهية إلى ثلاثة أقسام:
1. الذين يدعون أزلية الكون وصدوره عن المادة بدون خالق.
2. الذين يقولون بالصدفة، أي أن الكون خلق بالصدفة.
3. القائلون بالتطور.
وهذه الأقسام الثلاثة تختلف في أشكالها وتتحد في مضمونها الذي ينتهي إلى إنكار وجود الخالق - سبحانه وتعالى - ونحن بهذا التقسيم نريد أن نحاصر الماديين في كل جزئية من الجزئيات التي زعموا أنها تؤيد إنكار وجود الله.
القسم الأول: أزلية الكون وقيامه بنفسه بدون خالق:
إن ادعاء قيام الكون بنفسه ووجوده منذ الأزل شبهة قال بها الماديون قديما وحديثا، فالقدامى زعموا أن العالم قديم، وأنه نشأ من عناصر مادية، على اختلاف فيما بينهم في تحديد هذه العناصر بين الماء والهواء والنار والتراب، أو هذه العناصر مجتمعة كما ذهب "أنبادوقليس" من فلاسفة اليونان، وانتقلت هذه الآراء إلى من عرفوا بالدهرية[30] في المجتمع الإسلامي، الذين ذهبوا إلى القول: "بقدم العالم وأزليته وأنكروا العلة الفاعلية، وكانوا لا يقرون إلا بما أوجده العيان أو ما يجري مجرى العيان".
واستمرت هذه النزعة المادية التي تقول بقدم العالم واكتفائه بنفسه على نحو آلي بدون حاجته إلى إله، استمرت إلى العصر الحديث الذي دعمت التجارب العلمية فيه النزعة إلى المادية، وتساءل الطبيعيون[31] لم لا نمد المادة نفسها إلى غير نهاية فنعتبرها الله؟ ولماذا نبحث للكون عن علة مفارقة له؟ وعبر أحد الماديين عن ذلك بقوله: "إن كل شىء يفسر بالمادة والحركة، وأنهما أزليتان أبديتان، والعالم مدبر بقوانينهما وأن الكون ليس مدبرا من إله".
وقامت فلسفات مادية، كالماركسية[32] التي تبنت قول الماديين الأوائل في نظرتهم إلى الكون، وظهر هذا في تعليق "لينين" على عبارة "هيراقليطس": هذا العالم الذي هو سواء بالنسبة للجميع لم يخلقه إله من الآلهة، ولا واحد من البشر، ولكنه كان دائما - كما هو اليوم، وسيستمر دائما - نارا بمعايير لاندلاعها، ومعايير لخمودها.
يقول "لينين" تعليقا على هذه العبارة "عرض ممتاز لمبادئ المادية الجدلية"، ووصل الأمر بالماديين إلى أن أنزلوا المادة مكان الله، وذهبوا إلى أن أهم الصفات التي يوصف بها الله وهي القدم والخلق وجدناها تضاف عادة للمادة، فالله أمره نافذ، وكذلك القوانين الآلية الميكانيكية.
ويمكن وضع تصور الماديين في نقاط محددة هي:
· العالم قديم أوجد نفسه بدون علة خارجية.
· لا وجود للإله.
· اعتبار أن المادة هي الله.
وهذه التصورات مفندة ومردود عليها بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وبما استنبطه علماء الإسلام من القرآن والسنة، وبما انتهى إليه العلم الحديث في شأن قدم المادة. لقد نزل القرآن بخطاب شامل للبشرية كلها، فكان يواجه المشرك كما كان يواجه المنكر للألوهية، وكان يواجه اليهود والنصارى.
وإذا كان وجود الله فطرة فطر الناس عليها، فإن هناك بعض التراكمات على تلك الفطرة تحجب الإنسان عن معرفة الله رب العالمين، وكذلك فإن الأدلة القرآنية راعت - في المقام الأول - أن تزيل هذه التراكمات واستثارت ملكات الإنسان ووجهته نحو ربه - عز وجل - ومع إثارة الفطرة اهتمت الأدلة القرآنية بلفت نظر الإنسان إلى الكون ونظامه ودقته وإبداعه، ومن هنا كانت أدلة القرآن الكريم هي جماع الأدلة وهي منبع الأدلة التي تمخضت عنها أقوال الحكماء في هذا الباب.
1. دلالة الاختراع:
وهذه الأدلة تعني إثبات أن الله - عز وجل - خلق الكون كله لا على مثال سابق، وتهدف هذه الأدلة إلى إثبات حدوث العالم والرد على القائلين بقدمه وأزليته، وهذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر هي قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة/21]. وقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} [البقرة/164]. وقوله تعالى: {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء/30]، وقوله تعالى: {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير (19) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير (20)} [العنكبوت]. وقوله تعالى:{الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} [السجدة/4]. وقوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11)} (فصلت). وقوله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون (36)} [الطور]. وقوله تعالى: {نحن خلقناكم فلولا تصدقون} [الواقعة/57].
إن هذه الآيات تقرر أن الكون لم يكن ثم كان بإرادة الله - عز وجل - وهذا الخلق تم بإرادته ومشيئته في الوقت الذي حدده، يقول تعالى:{وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} [القصص/68].
وذلك لأن الله - عز وجل - فعال لما يريد، وهذا الخلق والاختراع تم بالأمر "كن" يقول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل/40].
هذه الآيات مجتمعة تقرر أن الحياة لم تكن، ثم كانت بأمر الله في الوقت الذي أراده، ولفظ خلق إشارة إلى التكوين. ويقرر المفسرون في هذه الآيات أن السموات والأرض كانتا معدومتين فأوجدهما الله، والممكنات باعتبار ذاتها وحدها تكون معدومة، واتصافها بالوجود لا يكون إلا من واجب الوجود وهو الله تعالى.
والقرآن الكريم يؤكد الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق؛ لأن الشيء لا يمكن أن يوجد بدون علة، ولا يمكن أيضا أن يكون هو علة صياغة نفسه، ولذلك لفت الله رب العالمين إلى خلقه للأشياء وإيجادها من العدم، ولم يثبت أن أحدا ادعى أنه أوجدها، وهذه الآيات التي تحدثت عن خلق السماوات والأرض من لا شىء كانت هي الملهمة لما صاغه علماء الإسلام من الأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى.
يقول الأشعري: "إن سأل سائل فقال: ما الدليل على أن للخلق صانعا صنعه ومدبرا دبره؟ قيل له: الدليل على ذلك أن الإنسان الذي هو في غاية الكمال والتمام، كان نطفة ثم علقة، ثم لحما ودما وعظما، وعلمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال، وإذا كان تحول النطفة علقة ثم مضغة، ثم لحما، ثم دما وعظما، أعظم في الأعجوبة، كان أولى أن يدل على صانع صنع النطفة ونقلها من حال إلى حال، وقد قال الله تعالى: {أفرأيتم ما تمنون (58) أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (59)} [الواقعة]، فما استطاعوا أن يقولوا بحجة أنهم يخلقون ما يمنون".
ويرد على القائلين بقدم النطفة بناء على افتراض سؤالهم "فإن قالوا فما يؤمنكم أن تكون النطفة لم تزل قديمة؟ قيل لهم: لو كان ذلك على ما ادعيتم لم يجز أن يلحقها الاعتمال والتأثير، ولا الانقلاب والتغيير؛ لأن القديم لا يجوز انتقاله وتغيره".
فالأشعري قد استخدم دليل الحدوث والعناية للدلالة على أن كل ما سوى الله حادث، وليس بقديم.
وابن رشد في كتابه "مناهج الأدلة" يبين أن الأدلة على وجود الله تعالى التي دعا إليها الشرع واعتمدها صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنحصر في جنسين:
· دليل العناية: أي عناية الله بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجله.
· دليل الاختراع: أي اختراع الحياة في الجماد، نجده في الأجنة وفي مثل فلق الحب، ومن الآيات التي تتحدث عن الاختراع خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من دابة.
والآيات التي أوردناها من هذا النوع، تقرر أن الكون مخلوق، وله بداية ونهاية وأن مادته ليست أزلية، والله بدأه من لا شىء، وفي هذه الآيات من الأسرار ما لا يحصى؛ لأن العقول لا تستطيع أن تدركها، إذ إن كيفية الخلق والإعادة من الأمور التي اختص بها الحق سبحانه، وقد أفرد لهذه الطريقة ابن تيمية - رحمه الله - صفحات كثيرة من مؤلفاته، يذكر أن الدلالة بالخلق على وجود الله وتوحيده طريقة الأنبياء - عليهم السلام - وقد استدل بهذه الدلائل الخليل وموسى - عليهما السلام -، إذ إن العلم بافتقار المحدث أبين في العقل وأبده له.
ولهذا قال الله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور/35]، يقول جبير بن مطعم: لما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها أحسست بفؤادي قد انصدع، إذ كان كل من القسمين: وهوكونهم خلقوا من غير خالق، وكونهم خلقوا أنفسهم معلوم الانتفاء بالضرورة، فإن الإنسان يعلم بالضرورة أنه لم يحدث من غير محدث، وأنه لم يحدث نفسه، فلما كان العلم بأنه لا بد له من محدث، وأن محدثه ليس إياه علما ضروريا، علم بالضرورة أن له محدثا غيره، وكل ما يقدر فيه أنه مخلوق فهو كذلك، كالسماوات والأرض وغيرهما؛ لأن الخلق يتضمن الحدوث والتقدير ففيه معنى الإبداع والتقدير.
وقد استدل العلماء بهذه الآيات في مناقشتهم للقائلين بقدم العالم من الدهريين ببطلان الترجيح بلا مرجح، والدور[33]، والتسلسل. وإذا ثبت بالقرآن الكريم والسنة أن العالم حادث، وأن الذي خلقه هو الله، فإن العلم الحديث يثبت هو الآخر أن الكون له بداية وله نهاية، وذلك عن طريق علم الفلك وعلم الفيزياء.
يقول أحد العلماء: "إن أهم اكتشاف علمي في القرن العشرين أن الكون أصبح قابلا للبحث باستخدام علمي الفيزياء والفلك".
دلالة علماء الفيزياء على حدوث العالم:
إن النظرة التي استند إليها الماديون في القول بأزلية المادة، وأن الكون قائم بنفسه بدون خالق له أصبحت بعد الاكتشافات العلمية المثيرة تسمى بالنظرة القديمة.
أما النظرة الجديدة فإنها تثبت أن المادة ليست أزلية وأن الكون له بداية وعلة أولى نشأ عنها، يقول الفيزيائي أدموند ويتكر Edmund whittaker: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم، وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي، فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية[34]؟ والأبسط أن نفترض خلقا من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم".
هذا هو العلم الذي يقرر أن الكون حادث ووراءه إرادة أخرجته من العدم، وإن اكتشاف بعض القوانين العلمية الحديثة لينسف القول بأزلية المادة نسفا، لإثبات حدوثها وصدورها عن إله حكيم.
من هذه القوانين ما يعرف بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، ومفاد هذا القانون أن المادة إذا ضغطت وسخنت ارتفعت درجة تعادلها الحراري، وكلما ازداد عدد الانكماشات العظيمة للكون ازدادت حرارته ودرجة تعادله الحراري، وبما أن درجة حرارة الكون ودرجة تعادله الحراري محدودتان في الوقت الراهن فلا بد من أنه كانت له بداية، وإن مظاهر الكون المتمثلة في الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة كلها دليل واضح على أن أصل الكون وأساسه يرتبطان بزمان بدأ من لحظة معينة، فهو إذا حدث من الأحداث، ومعنى ذلك أنه لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية، فالقانون يثبت أن الكون ما دام فيه حرارة فلا يمكن أن يكون أزليا؛ لأن الحرارة لا توجد بنفسها، ولو كان أزليا لكان باردا وكان قد استهلك طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط فيه.
ثم إن هناك مواد مشعة في الكون، وهي تفقد أجزاء منها في كل فترة زمنية بانتظام وتتحول إلى مواد أخرى غير مشعة، ولو أن الكون أزلي لكانت هذه المواد المشعة قد تحولت بكاملها.
ويؤكد هذا د. بول كلارنس أيرسولد أستاذ الطبيعة الحيوية ومدير قسم النظائر والطاقة الذرية، يقول: "إن الأمر الذي نستطيع أن نثق به كل الثقة هو أن الإنسان وهذا الوجود من حوله لم ينشأ نشأة ذاتية من العدم المطلق بل إن لهما بداية، ولا بد لكل بداية من مبتدئ كما أننا نعرف أن هذا النظام الرائع المعقد الذي يسود هذا الكون يخضع لقوانين لم يخلقها الإنسان، وأن معجزة الحياة في حد ذاتها لها بداية كما أن وراءها توجيها وتدبيرا خارج دائرة الإنسان، إنها بداية مقدسة وتوجيه مقدس وتدبير إلهي محكم". كل هذه الاكتشافات تثبت أن الكون ليس أزليا وأنه لم يخلق نفسه بنفسه.
دلالة علم الفلك على حدوث الكون:
إذا كان علم الفيزياء الحديثة قد أثبت عن طريق القوانين العلمية أن الكون له بداية، فإن علم الفلك يؤكد ذلك أيضا.
يقرر الفلكي جاسترو Robert Jasterow "أن سلسلة الحوادث التي أدت إلى ظهور الإنسان بدأت فجأة وبعنف في لحظة معينة من الزمن، وفي ومضة ضوء وطاقة". ويقرر علم الفلك - أيضا - أن الكون يتسع بالتسلسل الدائم، وأن كل مجاميع النجوم والأجرام السماوية تتباعد بسرعة مدهشة بعضها عن بعض، ولا يمكن تفسير هذه الحالة إلا بالتسليم بأن الكون له بداية، وكانت الأجزاء التركيبية مركزة ومجتمعة بعضها مع بعض، ثم بدأت الحركة والحرارة، والتسليم بهذه القوانين العلمية، ثم إنكار أن يكون لهذا الكون إله كمن يدعي أن الأهرامات قامت بنفسها، مع تسليمه بأن الأهرامات بناها المصريون منذ أربعة آلاف سنة.
إن كل هذه الدلائل تثبت حدوث العالم وأن الكون نشا من عدم.
كيف تنشأ الحياة من المادة التي لا حياة فيها؟
إن الله - عز وجل - يقول: {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون}[الأنعام/95]. هذا إعلان من الله أنه أخرج الحي من الميت، يجب التسليم به؛ لأنه لم يدع أحد إلى الآن ذلك، وإن ادعاء خروج الحياة من اللاحياة بفعل الطبيعة أو بالتولد الذاتي قول يتناقض مع العقل ومع العلم في آن واحد، أما تناقضه مع العلم فلاستحالة كون المادة مصدر الحياة؛ لخلوها من الحياة، وما كان خاليا من شىء قوة وفعلا لا يمكنه مطلقا أن يكون مصدرا له، والمادة خالية من الحياة بالقوة؛ لأنها لو قدرت أن تبرز الحياة ذات يوم لقدرت أن تبرزها قبل ذلك؛ لأن طبائع الأشياء لا تتغير، وإذا قدرت أن تبرزها قبل ذلك اليوم، فإنها قادرة أن تبرزها الآن، ولا يمكن أن توجد في وقت آخر، وذلك مقرر في مبادئ علوم الطبيعة[35]، أما خلو المادة من الحياة بالفعل فشىء ثابت وظاهر؛ لأننا لم نر مادة جامدة أنبتت حياة.
أما تناقض القول بأن الحياة تخرج من اللاحياة مع العلم فيرجع إلى أن "جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بخذلان وفشل ذريعين، ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر على أن مجرد تجمع بعض الذرات والجزيئات[36] يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة الموجودة في الخلايا الحية؛ لأن كل خلية من هذه الخلايا قد بلغت درجة من التعقيد يصعب على العلماء فهمها، وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية على سطح الأرض تشهد بقدرة الله شهادة تقوم على الفكر والمنطق، وللشخص أن يقبل أن الحياة نشأت بدون إله، ولكنه حين يفعل ذلك فإنما يسلم بأمر أشد إعجازا وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله الذي خلق الأشياء ودبرها".
ونحن قطعا نسلم بداية بأن الكون مخلوق لله، وأن الحياة تخرج من اللاحياة بإرادة الله، ولكن إذا كان الذين يدينون بالعلم وقوانينه هم الذين يردون على الملحدين بنفس منهجهم وطريقتهم، فإن المسلم عليه أن يستثمر تلك النقطة وأن يستأنس بردود هؤلاء العلماء بعد أن بنى يقينه على العلم الصادر عن الله عز وجل.
2. ادعاء عدم وجود الله:
فإن الله - عز وجل - يكذب الذين يزعمون ذلك؛ لأنه قد فطرهم على معرفته ووجوده ووحدانيته، يقول الله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون (174)} [الأعراف]، وهذه الآيات تبين أن الله قد فطر الخلق على معرفته وتوحيده، ولذلك يقول: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم/30]، والمفسرون أكدوا أن هذه الآيات تبين أن الله فطر الناس على الإقرار بوجوده ووحدانيته، ولهذا كان أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري فطرى؛ لأن اضطرار النفوس إلى الله أعظم من اضطرارهم إلى ما لا تتعلق به حاجتهم، ألا ترى أن الناس يعرفون من أحوال من تتعلق بهم منافعهم ومضارهم كولاة أمورهم وأصدقائهم وأعدائهم، ما لا يعلمونه من أحوال من لا يرجونهم ولا يخافونهم، ولذلك فإن احتياج المخلوق للخالق أبين وأوضح؛ لأنه هو الذي يأتيهم بالمنافع ويدفع عنهم المضار.
أما إنكار وجود الله فإنه لا يكون إلا بعد أن تغيرت الفطرة بفعل وساوس الإنس والجن، وفسدت مدارك السمع والبصر والعقل، وهناك آيات كثيرة تثبت عدم الانتفاع بنعم الله من الناحية الإيمانية كما في قوله تعالى: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون (109) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)} [الأنعام]، وهناك الكثير من الآيات التي تبين ذلك.
ولكن هذا الفساد يزول عن الإنسان ويرجع إلى ربه حين تصيبه البأساء والضراء، ففي ذلك الوقت تنقشع الغشاوة عن الفطرة، ويعود الإنسان إلى ربه، وقد صرح القرآن الكريم بذلك، يقول تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس/22].
ويقول تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} [الإسراء/67]. ويقول سبحانه وتعالى: {وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون (52) وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون (53)} [النحل].
وهذه الآيات تبين أن الإنسان ساعة الضر وساعة الشدة لا يجد ملجا ولا مفرا إلا إلى الله، وللإنسان أن يتأمل التعبير القرآني في اللجوء إلى الله، والاستعانة به والاستغاثة بقوته ورحمته، هذا التعبير: {فإليه تجأرون} [النحل/53]، فإن الآية تظهر أن الإنسان يجأر؛ أي: يرفع صوته بالدعاء والتضرع والاستغاثة، وهذا يعني أن الدافع الفطري - والإحساس بأن الله هو المنقذ - عميق وقوي ومسيطر على النفس البشرية، ويظهر هذا الشعور حين يمس الإنسان أدنى بلاء.
ولذلك فإن الشهرستاني يعتبر أن أوضح الأدلة على وجود الله هو دليل الفطرة السليمة التي شهدت بضرورة فطرتها وبديهية فكرتها على صانع حكيم عالم قدير، والناس إن غفلوا عن الفطرة في حال السراء، فلا شك أنهم يلوذون به في حالة الضراء ويستشهد بالآيات السابق ذكرها.
والرسل إنما هم مبعوثون لتزكية الفطرة وتطهيرها عن تسويل الشيطان، فإنهم الباقون على أصل الفطرة، وما كان له عليهم من سلطان، ولذلك قال: {فذكر إن نفعت الذكرى (9) سيذكر من يخشى (10)} [الأعلى]، ومن رحل إلى الله قربت مسافته حيث رجع إلى نفسه، فعرف احتياجه إليه في تكوينه وبقائه وتقلبه، وابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" يولي كلام الشهرستاني اهتماما كبيرا في الاستدلال على وجود الله.
ولا يقولن قائل: إننا نناقش قوما كفروا بالله ورسله وكتبه، فكيف نستدل لهم بآيات من القرآن الكريم؟
والحق أن القرآن حين نبه على الدلائل التي توصل إلى معرفته وخاصة دليل الفطرة لم يختص قوما دون قوم ولم يخاطب نفسا دون نفس، وإنما خاطب الناس كلهم؛ لأنه عالم بنفوسهم وتفكيرهم، يقول تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك/14]، وإذا لم يقتنع الإنسان - أيا كان زمانه، ومكانه، وتفكيره - بكلام الله فهل يتصور أن يقتنع بغير كلام الله؟ الحق أن الله - عز وجل - بعد أن أودع القرآن الكريم الدلائل على وجوده ووحدانيته قال: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} [الجاثية/6]، أي: إذا لم يقتنع الملحد والكافر بآيات الله ودلائله فلن يؤمن بشىء آخر، ثم إن القرآن كان يخاطب أهل مكة، وهو يعلم أنهم على الكفر[37].
ولكن لأن أدلة القرآن الكريم تنفذ إلى النفس البشرية وتغيرها كان خطاب الله لهؤلاء، وما على الذي يعرض كتاب الله إلا أن يتحلى باللغة المناسبة والفطرة التي نأخذ منها دليلا على وجود الله من هذه الأدلة التي يتساوى جميع الناس فيها على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وتفكيرهم وفقرهم وغناهم، يشير لهذا د. فاروق الدسوقي في كتابه "القضاء والقدر" فيذكر أن ملحدي العصر يعمدون إلى إنكار الغيبيات لفقدهم الدليل المادي على وجودها فهم لا يؤمنون إلا بالمادة المحسوسة والمناهج التجريبية كوسائل للبحث، والقرآن الكريم يقدم لهؤلاء وسيلة تناسب ما يؤمنون به من الناحية الحسية، لا ليثبت لهم وجود الله، ولكن ليأخذ منهم اعترافا صريحا أن الله موجود في أعماق نفوسهم، فإذا أثبت أن الإيمان موجود في أعماقهم، فقد أثبت ما ينتهي إليه هذا الإيمان.
والمنهج الذي يقدمه القرآن لكشف حقيقة المنكرين له هو "المنهج النفسي التجريبي حيث يجري عليهم تجربة نفسية تتلخص في أن نأخذ بعض الملاحدة في قارب صغير في بحر لجي حيث يوشك القارب أن يغرق بهم بشرط أن تكون التجربة دون علم هؤلاء الملاحدة، ثم علينا بعد ذلك أن نسجل مشاهداتنا وملاحظاتنا عن سلوكهم حيال هذا الخطر على حياتهم، وسنرى هل سيتوجهون إلى الأرض أم السماء؟ وهل سيدعون البحر أم رب البحر وخالقه؟ وعلينا أن نسألهم بعد ذلك: من أين لهم هذا الإيمان دون مناظرة أو مجادلة؟ إن القرآن الكريم يخبرنا أنهم في تلك اللحظة لا يؤمنون فقط بوجود الله، ولكن بأنه الواحد الأحد القادر، ونحن نتحدى ملاحدة هذا العصر أن يقيموا هذه التجربة بشرط أن يتحلوا بالأمانة والحياد، والرغبة في الوصول إلى الحق والحقيقة"، وصدق الله العظيم حين قال: {ضل من تدعون إلا إياه}[الإسراء/67].
3. خلع صفات الله على المادة[38]:
الحق أن الماديين حين كفروا بالله آمنوا بالمادة وفعلوا مع المادة مثلما يفعل المؤمنون مع الله، فإذا كان المؤمن يؤمن بقوة غيبية لا ترى، هذه القوة هي قوة الله، فإن الماديين يؤمنون - أيضا - بقوة غيبية لا ترى وهم مضطرون إلى ذلك فما القانون العلمي والقوة والحركة والزمن والأزلي والأبدي إلامفاهيم لا تخضع للحس والمشاهدة، ومع ذلك لا يجرؤ أحد من الماديين أن ينكرها وإلا كان علمه ساذجا واتهمه زملاؤه بالسطحية.
يقول وحيد الدين خان: "إن أي عالم من علماء عصرنا لا يستطيع أن يخطو دون الاعتماد على ألفاظ مثل القوة: Froce، الطاقة: Energy، الطبيعة: Nature، وقانون الطبيعة: low of nature، وما إلى ذلك، ولكن هذا العالم لا يدري ما القوة والطاقة، والطبيعة وقانونها، فهو قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة لكي يبين عللا غير معلومة، وهذا العالم لا يقدر على تفسير هذه الألفاظ تماما كرجل الدين لا يستطيع تفسير صفات الإله، وكلاهما يؤمن بدوره بعلل غير معلومة".
وإذا تتبعنا الماديين في كثير جدا من المواقف نجد أنهم لا يختلفون عن المؤمنين في مواقفهم، فإن عندهم إيمانا بل، وعندهم إلهام داخلي.
يقول د. كونانت: "أعظم الفروض التمهيدية الكبرى التي جاء بها تاريخ العلم نشأت نتيجة لعملية ذهنية يعبر عنها أحيانا بأنها "مسة من عبقرية" أو خاطرة ملهمة" أو "ومضة من خيال باهر"، وقلما يتبين فيها الناظر أنها كانت نتيجة لتمحيص النتائج كلها أو تحليل منطقي لها، أو محاولة منظمة لصياغتها أدت إلى ما انتهى إليه صاحبها".
ونستطيع أن نقول بدون تجاوز للحقيقة: إن المؤمن كما يعبد الله، ويتوجه إليه، فإن المادي يعبد المادة ويتوجه إليها؛ لا فرق بين القدامى والمحدثين، فإن الشهرستاني وصف المادة بأنها معبود الدهريين. وكما يعتقد المؤمن في الرسل فإن المادي يعتقد في الفلاسفة الماديين الذين صاغوا مذهبه، وكما أن المؤمن له كتاب مقدس فإن المادي له - أيضا - كتب مقدسة تتمثل في المؤلفات المادية، وكما أن المسلم يصلي ويعبد الله، فإن الماديين يفعلون ذلك كما في معابدهم البشرية، وكما أن المسلم يذهب إلى بيت الله الحرام، فإن الماديين يطوفون حول قبور زعمائهم كما يحدث في الاتحاد السوفيتي.
العبادة لله لا للمادة[39]:
يتفق المؤمنون والماديون، كل فيما يعتقد: أن ظواهر العالم متغيرة وأن كل متغير له أصل صدر عنه، وظواهر العالم لها أصل تتغير عنه وهذا متفق عليه، ولكن الكلام في هذا الأصل، هل وجوده لذاته أو لغيره؟ المؤمنون يقولون: إن أصل الكون وهو الله وجوده لذاته، والماديون يقولون: المادة التي صدر عنها الكون وجودها لذاتها، والمؤمنون يجمعون على أن الله ذو سلطان لا راد لأمره، تخضع له حركة الأشياء، والماديون يقولون ذلك - أيضا - بالنسبة للمادة.
والسؤال الذي يطرح للمؤمن والمادي هو:
هل هذا الأصل من جنس العالم الذي نعرفه أم ليس من جنسه؟
الماديون يقولون: إنه من جنس هذا العالم؛ لأنهم لا يعترفون بغير المادة، والمؤمنون يقولون: إنه ليس من جنس هذا العالم: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى/11].
والماديون يقعون في التناقض حين يقولون: إن أصل العالم من جنس العالم؛ لما يأتى:
· لأن القول بأنه من جنس هذا العالم المادي يقتضي كونه جزءا منه، والقول بأنه أصل العالم يقتضي كونه غيره، وهذا تناقض.
· ولأن القول بأنه من جنس هذا العالم يقتضي كونه ذا بداية؛ لأن ما هو من جنس العالم له بداية كما أثبتت النظريات العلمية، وهم يقولون بأزليته.
· ولأن القول بأنه من جنس هذا العالم المادي يقتضي كونه فانيا؛ لأن ما هو من هذا العالم يفنى، وهم قد قالوا بخلوده.
ولا يقال إننا نريد بالأصل المادة من حيث هي مادة، وهي عندنا "أي الماديين" واجبة لا نهائية أبدية أزلية فلم نقع في التناقض.
ونحن نقول للماديين: إن ما تقولونه عن المادة المتصفة بما تقدم يخرجها عن كونها من جنس هذا العالم المادي الذي نعرفه؛ لأن ما نعرفه من هذا العالم المادي إنما هو أفراد؛ فنعرفه ممكن الوجود منتهيا له بداية وله نهاية، فما السبيل إلى معرفتكم المادة المطلقة التي وصفتموها بالأزلية والأبدية، وهي من جنس العالم المادي الذي نعرفه.
ولذلك فأنتم تقولون بشىء ليس من جنس العالم، وإن سميتموه مادة فهو خارج عنها غير متصف بصفاتها.
وبعد تلك المقارنة نخلص إلى أن المؤمنين يعبدون إلها حقا متصفا بصفات الجلال والكمال. أما الماديون فيشركون مع الله غيره حين يتخذون المادة إلها، وهم في ذلك إنما يعبدون هواهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون (23) وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون (24)} [الجاثية].
إن القرآن الكريم يرسم صورة للنفس البشرية حين تترك الأصل الثابت الذي يحركها وتشعر به وهو الله، ثم تتعبد للهوى وتخضع له وتقيمه إلها قاهرا لها مستوليا عليها.
إن القرآن الكريم يعجب من هذا الذي اتخذ إلهه هواه بعد معرفته للحق الذي كان ينبغي أن يصده عما اتخذه من دون الله؛ ولكن لأنه لم يستجب لهدى الله فإنه استحق الإضلال من الله، وتركه في عمايته، ولذلك ختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة.
فمهما قدمت له الأدلة والبراهين فلن يهتدى؛ لأنه رفض هداية الله بداية فاستحق الجزاء على ذلك الرفض، وكأن تلك الآية يقرؤها الإنسان للمرة الأولى وهو يرى التطابق بين الفكر المادي وأصحابه والتوصيف الدقيق لهم من الله في هذه الآية الفذة الفريدة، ولا يملك الإنسان إلا أن يقول سبحان من أنزل القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، وخسارا وبعدا للظالمين الذين حجبوا أنفسهم عن التعرض لهداية الله وتوفيقه.
القسم الثانى: القائلون بالصدفة في خلق العالم[40]:
لقد وجد قديما في فلاسفة اليونان من ذهب إلى أن الحياة نشأت اتفاقا[41] دون أي علة غائية أو علة خارجية، وبنى العالم على الاتفاق والمصادفة.
وهذا بعينه ما وجد عند الدهريين الذين ذهبوا إلى أن العالم كان في الأزل أجزاء مبثوثة تتحرك على استقامة، فاصطكت اتفاقا؛ فحصل عنها العالم الذي نراه!
وإذا كان القدامى من الماديين والدهريين قد ذهبوا إلى هذا القول فإن كثيرا من الماديين المحدثين ذهبوا إلى القول بالصدفة لئلا يقروا بوجود خالق، من هؤلاء إرنست هيكل الذي ذهب إلى أن المادة هي الموجد الضروري للحياة، وأن الحياة ترجع إلى أصل واحد هو "المونيرا" التي تركبت اتفاقا من "الأزوت[42] والهيدروجين والأكسجين" ومنها تكونت الحياة.
ووصل الثقة بالصدفة وما ينتج عنها إلى زعم هكسلي بأنه لو جلست ستة من القرود على آلات كاتبة وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك كل الكون الآن نتيجة لعمليات عمياء تدور في المادة لبلايين السنين.
بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك حين زعم هيكل عالم البيولوجيا[43] أنه قادر على خلق الإنسان يقول: "ائتوني بالهواء وبالماء وبالأجزاء الكيماوية وبالوقت وسأخلق الإنسان".
ويلخص الفيلسوف برتراند رسل تاريخ البشرية كلها في القول بالصدفة فيقول: "ليس وراء نشأة الإنسان غاية أو تدبير، إن نشأته وحياته، وآماله ومخاوفه وعواطفه، وعقائده - ليست إلا نتيجة اجتماع ذرات جسمه عن طريق المصادفة".
كانت هذه هي شبه القائلين بالصدفة، وهذه الشبهة لا تخرج في مضمونها عن الشبه الأولى اللهم إلا في الشكل فقط، ولكن المضمون واحد.
وسنحاول أن نفند تلك الشبهات مرتكزين على القرآن الكريم مستخرجين منه الأدلة الباهرة التي تبطل القول بالصدفة؛ عن طريق ما أودعه الله في الكون والإنسان والحيوان والنبات من قصد وتدبير، مستأنسين بمفهوم العلماء حول إبداع الله في هذه الأشياء، مستعينين في الوقت نفسه بما قرره العلماء المحدثين من نتائج العلم الحديث حول ما نستشهد به من نماذج.
إن القرآن الكريم فيه من الدلائل التي تضيف إلى الخلق والإبداع العناية والقصد في الكون بأسره من شمس وقمر وجبال وأنهار، وإنسان وحيوان ونبات؛ لأن كل مخلوق خلقه الله إنما خلقه لغاية وخلقه بقدر، وإن غاب عن المخلوقين فلا يغيب عن الخالق جل في علاه مصداقا لقوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر/49].
وسنحاول عرض نماذج من الآيات التي تتحدث عن الكون، وما فيه من ليل، ونهار، وشمس، وقمر، وكذلك للآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان والعناية به، ثم خلق الحيوان، ثم خلق النبات.
1. الآيات الكونية:
ويعرف هذا الاستدلال بـ: دليل الآفاق:
· يقول الله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [آل عمران/190].
· ويقول سبحانه وتعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم} [الأنعام/96].
· ويقول سبحانه وتعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون} [يونس/5].
· ويقول: {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} [الرعد].
· ويقول سبحانه وتعالى: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار} [إبراهيم/33].
· ويقول تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون (37) والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (38) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم (39) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)} [يس].
هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر هي التي يستدل بها العلماء فيما يسمى بـ: الدليل الغائى:
وقد قال بهذا علماء الإسلام وعلى رأسهم "ابن رشد"، وقال به الغربيون واعتبره "كانط" أوضح الأدلة كلها على وجود الله، ولكن مع كل ما قاله العلماء تبقى آيات القرآن الكريم شاهدة على أن هذا الكون خلقه الله وأبدعه وسخره، وأي انحراف وخروج عن المسار الذي رسمه الله لمخلوقاته سيحيل العالم إلى فوضى واضطراب، ولن تعمر الأرض بل لن تبقى.
والآيات التي عرضناها خير دليل على ذلك، فإن في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار لدلائل عظيمة شاهدة على الإبداع والعناية، ولذلك كانت من المعجزات التي أيد الله رسوله بها.
فعن ابن عباس قال: «أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا: كان يبرئ الأكمه، والأبرص، ويحيي الموتى، وأتوا النبي فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، فدعا ربه فنزلت هذه الآية: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}
[آل عمران/190]، فليتفكروا فيها»[44].
إن الشمس والقمر وسيرهما الدقيق لمن الدلائل على وجود الصانع وعلمه وقدرته، وحكمته، ففلق ظلمة الليل بنور الصبح من أعظم النعم؛ لأن الأحوال الفلكية أعظم في القلوب وأكثر وقعا في النفوس من الأحوال الأرضية، وإن الناظر إلى السماء وما فيها من كواكب تزينها ويهتدى بها في ظلمات الليل، ليمكن أن يتدبر بهذه النجوم والأفلاك، ويستدل بها على اللطيف الخبير.
إلا أن الشيء الذي يلفت النظر ويثير الانتباه هو حركة الشمس والقمر، وسير كل منهما في فلك يسبحون، فهذا من أعظم الدلائل وأبينها على القصد والغاية، فضلا عن أن العلماء المحدثين قد اكتشفوا أن أفضل تعبير عن حركة الشمس والقمر هو لفظ "السباحة".
يقول وحيد الدين خان: "كان الإنسان في العصر الغابر يشاهد النجوم تتحرك وتبتعد عن أماكنها بعد وقت معين، ولذلك لم يكن هذا التعبير القرآني موضع دهشتهم واستغرابهم، ولكن البحوث الحديثة قد خلعت على هذه التعبيرات ثوبا جديدا فليس هناك تعبير أروع ولا أدق من "السباحة" لدوران الأجرام السماوية في الفضاء البسيط اللطيف.
فالشمس والقمر لا ينبغي لأحدهما أن يترك فلكه الذي حدد له لجريانه ودورانه، والمسافات التي جعلها الله بين مدارات الكواكب بعيدة شاسعة حتى لا تصطدم، وكل مقدر له أن يسير في فلكه سبحا فيه كما عبر القرآن الكريم.
ويأتي الإعجاز في وضع الشمس والقمر بالنسبة للأرض.
إن الله - عز وجل - أتقن حركة الشمس والقمر، وقدر بعدهما عن الأرض، فالشمس التي نعدها اليوم وسيلة حياتنا تبلغ درجة حرارة سطحها اثنى عشر ألف درجة فهرنهيت[45] والمسافة بينها وبين الأرض تبلغ ما يقرب من 93 مليون ميل، وهذا البعد الهائل لا يتغير أبدا بالزيادة أو النقصان، وفي ذلك عبرة وتقدير من العزيز العليم؛ لأن هذه المسافة لو نقصت واقتربت الشمس من الأرض فإن الحياة تصبح مستحيلة على الأرض، ولو أن هذه المسافة بعدت - أيضا - فإن البرودة الشديدة التي تنجم عن هذا البعد سوف تقضي على الحياة على وجه الأرض، ولو حل محل الشمس نجم آخر، فإن الأرض ستصبح تنورا[46] رهيبا لا حياة فيه لإنسان أو حيوان، أو نبات أو جماد.
هذا عن الشمس.. فماذا عن القمر؟
إن القمر قد جعل الله له مسافة معينة يبعد بها عن الأرض، ومن هذه المسافة ينتفع بالقمر، ويسير الناس في ضوئه ويتغنى الشعراء بطيفه، فماذا لو اختلف بعد هذه المسافة التي عليها الآن؟ إن المد[47] في المحيطات والبحار الذي يرتبط بالقمر كان سيبلغ من القوة بحيث إن جميع الأراضي التي تحت منسوب الماء كانت ستغمر مرتين في اليوم بماء متدفق يزيح بقوته الجبال نفسها وفي هذه الحالة ربما لم تكن لتوجد الآن القارات، ولكانت الكرة الأرضية من الممكن أن تتحطم من جراء هذه الاضطرابات وكان المد الذي في الهواء سيحدث أعاصير كل يوم.
من الذي قدر هذه الأمور كلها؟ الصدفة العمياء أم قدرة الله الواحد القهار؟
سنضرب مثالا بسيطا من الواقع العالمى:
إن الدول الكبرى الآن تتبارى[48] وتتباهى في إطلاق الأقمار الصناعية فهل إذا زعم أحد أن ألف قمر صناعي، أو مائة أو عشرة أو قمرا واحدا، خرج من الأرض، وأخذ يسير في مدار مرسوم متزن حول أرضنا نتيجة لتفاعلات كيميائية بين الأسلاك والحديد وبقية المواد المختلفة هل سيجد هذا الإنسان من يصدقه؟ إن الدنيا بأسرها ستسخر من هذا الإنسان؛ لأنه قد أنكر علم العلماء وتقنيات محطات الفضاء، ومهارة الفنيين والمدربين، قمر صغير لا يصدق أحد بأنه نشأ من تلقاء نفسه ويأتي من يزعم من الماديين أن هذا العالم وجد بالصدفة بما يحويه من ملايين من الأفلاك والنجوم والمجرات[49] السابحة في مداراتها المنتظمة، التي يذهب علماء الفلك إلى أن مصادفة مرور نجمين متقاربين لدرجة تكفي لإحداث مد خفاق هدام هي في نطاق الملايين، وأن مصادفة التصادم نادرة لدرجة وراء الحسبان.
إن هذا النظام العجيب والمحكوم القائم على التدبير والتنظيم هو الذي جعل أحد كبار الملحدين وهو "براتراند رسل" يقول: "إننا نجد حتى في مملكة الكواكب عمليات تنطوي على خصائص غائية لا تختلف اختلافا جوهريا عن ملامح السلوك الغرضي في الحيوانات العليا".
أين ذهبت المصادفة التي زعمها رسل وادعى أن تاريخ البشرية كلها قائم عليها؟ إن الإبداع والنظام والتقدير في الكون يجعل كبار الملحدين يعترفون بالقوة العليا المهيمنة والمدبرة والمسيطرة، ولكن يمنعهم من الإيمان بها والدعوة إليها الاستكبار والهوى.
2. الإنسان:
إن الله - عز وجل - خلق الإنسان في أحسن تقويم، وسخر له الكائنات كلها، ولفت نظر الإنسان إلى نفسه، وطلب منه أن يتأملها ويتدبر ما فيها من لطيف الصنع وعظيم الغاية، وجاء ذلك في قول الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} [فصلت/53]، وفي قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات/21]، ويمتن الله تعالى على الإنسان فيقول: {أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا} [مريم/67].
ويذكر الإنسان بالنعم الظاهرة فيقول: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (23)} [الملك]. ويقول عز وجل: {ألم نجعل له عينين (8) ولسانا وشفتين (9) وهديناه النجدين (10)} [البلد].
وهذه الآيات في مجموعها تتحدث عن الإنسان وما أودع الله فيه من ملكات، وأعضاء، ويسمى العلماء هذا الدليل الدليل النفسي:
والحق أن الذي يقرأ ما كتبه المفسرون، وعلماء الإسلام حول ذلك الدليل النفسي يرى أن العلماء لم يهتموا بالجانب الظاهري فقط من هذه النعم، وإنما التفتوا إلى الجانب الباطني في الإنسان، من إلهام وإدراك وشعور وفرح وحزن، وغير ذلك من المدارك والمشاعر التي لا ترى ولا تشاهد، وإن الآيات لتشير إلى ذلك في وضوح وجلاء.
ومن العلماء الذين اهتموا بالجانب النفسي في الإنسان من هداية ومعرفة بالله ورجوع إليه الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين"، وهو يذكر أن من أهم نعم الله على الإنسان الأشياء الحاصلة للنفس، وهي من أخص النعم كالفضائل النفسية التي يرجع حاصلها - مع تشعب أطرافها - إلى الإيمان وحسن الخلق، والإيمان يشمل علم المكاشفة وهو العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته ورسله، ويشمل - أيضا - علم المعاملة مع الخلق، وحسن الخلق الذي يشمل: ترك مقتضى الشهوات والغضب، ويسمى هذا النوع بالعفة ويشمل مراعاة العدل في الكف عن مقتضى الشهوات.
ويخلص إلى أن "الفضائل الخاصة بالنفس المقربة إلى الله تعالى أربعة: علم مكاشفة، وعلم معاملة، وعفة وعدالة".
ولم يكتف الغزالي بلفت النظر إلى النعم النفسية التي في داخل الإنسان، ولكنه أوضح النعم الظاهرة التي أنعم الله بها على الإنسان، وأعظم تلك النعم نشأته التي يقف الخلق عاجزين أمام صنع الله فيها، وتكوينه من نطفة ثم علقة ثم مضغة، والإنسان إذا فكر في عملية تكوينه في بطن أمه وجد آيات وآيات، ذلك الجزء الذي يصنع العين لماذا يصنع العين؟ والجنين لا حاجة له بالعين، وهو في بطن أمه من الذي نظم للإنسان هذا الجهاز البصري ليرى به ما حوله بعد خروجه إلى الحياة؟ من الذي كون للعين أغشية بصرية رقيقة، وعدسة محكمة، وماء زجاجيا مقدرا، وشبكية[50] تتكون إحدى طبقاتها من ثلاثين مليون عود بصري، وثلاثة ملايين مخروط بصرى[51]؟ ومن الذي أخبر ذلك الجزء من النطفة أن ينشئ العصب البصرى[52]، ويشق له فتحة بقدر محدد في الجمجمة، ويصنع مركزا بصريا في المخ، ويربط به ذلك العصب البصري.
وما يقال في العين يقال في الرئتين، إن الجنين لا حاجة له إلى الرئتين بل لو دخل قليل من الهواء إلى القرار المكين[53] لأحدث فيه أضرارا بالغة، فلماذا يصنع إذن هذا الجهاز التنفسي لاستقبال الهواء؟ إن الذي صنع وإن الذي قدر هو العالم بما يحتاج إليه الجنين بعد خروجه إلى الحياة، ولا نملك إلا أن نقرأ قوله تعالى: {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم/32].
وما يذكر عن الجنين في بطن أمه يذكر عن الإنسان بعد أن يخرج إلى الحياة، وما فيه من نعم ظاهرة من يدين ورجلين، وسمع وبصر، وإدراك وإحساس، ولقد عرض "الإمام الغزالى" هذه النعم الظاهرة في بيان رائع وأسلوب بديع مبينا الترابط الذي يأخذ بالألباب بين بعض أعضاء الإنسان وبعضها الآخر.
الإنسان وأعضاؤه في العلم التجريبى:
إذا كان المفسرون وعلماء الإسلام كالغزالي وابن الوزير وغيرهم قد لفتوا الأنظار إلى النعم الداخلية والخارجية للإنسان، وبينوا بديع صنع الله فيه، فإن العلماء التجريبيين قد انكبوا على دراسة الإنسان من الناحية العضوية وخرجوا بنتائج لا يملك الإنسان إلا أن يقول: سبحان الله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، وفي الوقت ذاته لا يملك إلا أن يسخر من الماديين الذين يقولون بالصدفة، فماذا قال التجريبيون[54]؟
· مخ الإنسان:
إن ملايين الأخبار تجري ليل نهار على جهازنا العصبي، وهذه الأخبار هي التي توجه القلب في تدفقه وفي حركاته، وتتحكم في حركات الأعضاء المختلفة، وتتحكم في الحركات الرئوية، ولو لم يكن هذا النظام موجودا في أجسامنا لصارت الأجسام تلفيقا مبعثرا يسلك كل منها مسلكا خاصا. ومركز هذا النظام مخ الإنسان وفيه يوجد ألف مليون خلية عصبية، ومن هذه الخلايا تخرج الأنسجة العصبية، ويجري في هذه الأنسجة نظام إرسال واستقبال للأخبار بسرعة سبعين ميلا في الساعة، ومن خلال هذه الأنسجة نتذوق ونسمع ونرى ونباشر سائر أعمالنا.
· حاسة الذوق:
توجد ثلاثة آلاف من الشعيرات[55]المتذوقة، ولكل منها مسلك عصبي متصل بالمخ، وبواسطة هذه الشعيرات يحس الإنسان بالمذاقات المختلفة، ولولا هذه الشعيرات ما شعر الإنسان بطعم حلاوة أو مرارة.
· حاسة الإبصار:
يوجد في كل عين مائة وثلاثون مليونا من الخلايا الملتقطة للضوء تقوم بمهمة إرسال المجموعة التصويرية إلى المخ.
· حاسة السمع:
يوجد في الأذن عشرة آلاف خلية سمعية، ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا يسمع مخنا.
· حاسة الإدراك والإحساس:
توجد أنسجة حسية على امتداد جلد الإنسان فإذا قربنا شيئا حارا فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية وترسلها إلى المخ، وإذا قربنا شيئا باردا إلى الجلد فإن ربع مليون من الخلايا ترسل هذا الإحساس إلى المخ فيرتعد الجسم، ثم تتسع الشرايين الجلدية فيسرع مزيد من الدم إليها وتزودها بالحرارة.
· النظام العصبي:
وهو في الإنسان يشتمل على عدة فروع منها الفرع المتحرك ذاتيا، ويقوم بأعمال الهضم والتنفس، وحركات القلب، وتحت هذا الفرع يوجد نظامان:
أحدهما: النظام الخالق للحركة. Sympathetic system.
الثانى: المانع للحركة. Payasy Sympathetic.
والنظام الثاني يقوم بعملية المقاومة والدفاع. والنظام الأول لو ترك الأمر له لزادت حركات القلب زيادة يترتب عليها موت صاحبها، ولو ترك الأمر للنظام الثاني لتوقفت حركة القلب توقفا تاما، ولكن توزعت أعمال النظامين بدقة وعناية، فالنظام الثاني يسود عند النوم، فيسود السكون جميع الحركات الجسمية.
وبعد هذه الدلائل الكبرى التي أودعها الله في الإنسان يأتي هيكل ويقول: ائتوني بالماء والهواء وسأخلق الإنسان.. هنا يقول: إني سأخلق فكأن الصنعة لا بد لها من صانع.
يقول كريس مويس: "إن هيكل يتجاهل في دعواه الجينات الوراثية[56] فإن أول شىء سيحتاج إليه عند خلق الإنسان هو الذرات التي لا سبيل إلى مشاهدتها، ثم يخلق الجينات أو حملة الاستعدادات الوراثية بعد ترتيب هذه الذرات حتى يعطيها ثوب الحياة، وإن إمكان الخلق بعد هذه المحاولة لا تعدو أن تكون واحدة على عدة بلايين، ولو افترضنا أن هيكل نجح في محاولته فإنه لن يسميها "صدفة" بل سوف يقررها ويعدها نتيجة لعبقريته".
ومع هذا الادعاء فلم ينجح أحد إلى الآن في خلق نطفة أو خلية حية فضلا عن الإنسان، وما زال التحدي قائما: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين} [لقمان/11].
3. في الدواب:
إن نعم الله لا تحصى على الإنسان في الأنعام؛ فقد سخرها الله له، تحمله من بلد إلى بلد، ويلبس من أصوافها وأوبارها، ثم يأكل منها لحما ويشرب منها لبنا، ولقد وردت آيات في القرآن الكريم تتحدث عن القصد والعناية والغاية من خلق الدواب والأنعام، لا يمكن أن تكون إلا من فعل قادر حكيم عليم.
يقول تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}[الأنعام/38]. ويقول تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين} [النحل/66]. ويقول سبحانه عن النحل: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)} [النحل].
هذه الآيات يبين الله فيها أنه ما من دابة ولا طائر إلا عالم مثل عالم الإنسان في كونها جماعات، وفي كونها مخلوقات يشبه بعضها بعضا، ويأنس بعضها ببعض ويتزوج كل جنس مع جنسه، وأن الله دبر أمرها وخلقها، وهداها، وتكفل برزقها.
ولقد قام العلماء المحدثون بدراسة سلوك الحيوانات في العقود الأخيرة، وانتهوا إلى وجود جماعات حيوانية حقيقية، ولم يتم اكتشاف تفاصيل هذه التنظيمات إلا منذ عهد قريب، وسوف ندرس بعض الإشارات التي وردت في القرآن الكريم عن الحيوانات والطيور، ومنافعها، وما ألهمه الله هذه الحيوانات والطيور، من إبداع ودقة ونظام.
· الأنعام:
إن العبرة التي يلفت الله تعالى نظر الإنسان إليها هي خروج اللبن ذي القيمة الغذائية العالية من بين فرث[57] ودم، وإذا كان القدامى من العلماء قد نظروا إلى الآية على أنها من الناحية الظاهرية معجزة من أكبر النعم على الإنسان، فإن العلم الحديث كشف دلالات ما كانت لتخطر على بال أحد أودعها الله في تلك الآية.
ولقد لفت النظر إلى هذه الدلائل اللجنة التي وضعت تفسير المنتخب الصادر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وأبرز هذه الدلائل ما أورده موريس بوكاي في كتابه "الأسفار المقدسة في ضوء المعارف الحديثة" يقول في تعليقه على هذه الآية: "تأتي المواد الأساسية التي تتكفل بتغذية الجسم عامة من تفاعلات كيميائية تحدث في القناة الهضمية[58]، وتأتي هذه المواد من عناصر موجودة في محتوى الأمعاء، وعندما تصل هذه المواد الموجودة بالأمعاء إلى المرحلة المطلوبة في التفاعل الكيميائي فإنها تمر عبر جدار الأمعاء نحو الدورة العامة، ويتم هذا الانتقال بطريقتين: إما مباشرة بواسطة ما يسمى بالأوعية الليمفاوية، وإما بشكل غير مباشر بواسطة الدودة البابية التي تقود هذه المواد إلى الكبد حيث تقع عليها بعض التعديلات، ثم تخرج من الكبد لتذهب أخيرا إلى الدورة الدموية[59] بهذا الشكل، إذ يمر كل شىء بالدورة الدموية، والغدد الثديية[60] هي التي تفرز مكونات اللبن وتتغذى هذه الغدد، إذا جاز القول، بمنتجات هضم الأغذية التي تأتي بواسطة الدم الدائر.
الدم إذن يلعب دور المحصل والناقل للمواد المستخرجة من الأغذية، ويغذي الغدد الثديية منتجة اللبن مثلما يغذي أي عضو آخر، كل شىء يحدث هنا ابتداء من مواجهة محتوى الأمعاء مع الدم في الجدار الأمعائي نفسه، هذه المعلومة المحددة التي تعد اليوم من مكتسبات الكيمياء وفسيولوجيا الهضم، كانت غير معروفة مطلقا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن معرفتها لترجع إلى العصر الحديث، وإن تحدي الله للبشر ليظهر في هذه الآية فإن البشرية في أوج تقدمها لا تستطيع أن تخرج لبنا من بين فرث ودم كما بينت الآية، بهذا الترتيب الدقيق المعجز.
· النحل والنمل:
إن النحل والنمل من عجائب المخلوقات، ولقد هداها الله - عز وجل - إلى أمور يعجز علماء العصر عن أن يرتبوها أو يخططوا لها على هذا النحو.
فالنحل لها مملكة خاصة بها، ولها ملكة تقوم على رعاية شئون المملكة وتدافع عنها، وإن البيت الذي تبنيه النحلة لهو من أعجب العجب في شكله السداسي بالذات دون سائر الأشكال؛ لأن الشكل السداسي إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلا مستديرا كاستدارة الرحى، ولا يبقى فيه فروج ولا خلل، ويشد بعضه بعضا حتى يصير طبقا واحدا لا يدخل من بيوته رؤوس الإبر مما يعجز عن صنعه البشر فمن الذي ألهمها ذلك وهداها، هل هي الصدفة العمياء أو العزيز العليم؟
ثم الإلهام لها من قبل الله أن تتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، وهو الترتيب الذي يتناسب مع حياة الإنسان فقد ألهمها الله - عز وجل - أن تكون مستعدة لأن تحيا في الكهوف والجبال مع الإنسان في طوره الحجري يوم كان الإنسان يسكن الكهوف والمغارات، كما ألهمها أن تسكن الأشجار عندما انتقل الإنسان من حياة الرعي والتنقل إلى حياة الزراعة والاستقرار، ثم ألهمها في النهاية أن ترحل إلى الخلية عندما يتعلم الإنسان الصناعة ويتحضر على فنونها.
فالمراحل الثلاث التي ذكرت في سياق الوحي للنحل هي أوامر إلهية لطبيعة النحل أن تستجيب لحاجات الإنسان كلما طور الإنسان حياته، ثم هناك الإلهام الذي يتخاطب النحل عن طريقه، وهو الرقص الذي تعرف بواسطته الاتجاه الذي يجب أن تتخذه، والمسافة التي توجد عليها الزهور التي سيمتص رحيقها، وأخيرا العسل الذي يخرج من بطونها بما يحويه من شفاء للناس، وهذا ما قرره علماء العلم الحديث أخيرا، وصدق الله العظيم الذي قدر فهدى.
· النمل:
فله شأن آخر في التنظيم والترتيب والهداية، من أول خروج النملة من بيتها للبحث عن الطعام إلى الحصول عليه والرجوع به إلى بيتها، ذلك بأنها تخرج للبحث عن رزقها، فإذا وجدته حملته، فإذا لم تستطع حمله استدعت زميلاتها فيتعاون جميعا في حمله، وحين تخزينه تنظر إليه فإذا كان مما ينبت فلقته فلقتين، فإذا كان في فلقها إنباتان اثنان عمدت إلى كل فلقة ففلقتها اثنتين، فمن الذي أخبرها أن هذا النبات ينبت في فلقتين وهذا لا ينبت؟ إنه الله تعالى الذي رزقها حاسة شم قوية تدرك بها ما يدركه غيرها بالبصر أو السمع.
والأمثلة لا تحصى على هداية الله للكائنات التي خلقها، والمتأمل في سلوكها وما تقوم به من أفعال لا يمكن أن يقول إنها صادرة عن الصدفة العمياء، وما تفعله ثعابين البحر من هجرات طويلة وعودة صغارها إلى مواطن آبائها الأصلية إلا نموذج لتلك الهداية، والأمثلة كثيرة في عالم الطيور والزواحف، والحيوانات، وجميعها أدلة تشهد بخالق بارئ مصور خلق كل شىء فقدره تقديرا.
4. النبات:
من الأدلة البليغة التي تثبت العناية، والقصد في النبات ما ذكره الله تعالى في الآيات التي تتحدث عن النبات وعجائب صنع الله فيه وتزاوجه نذكر من هذه الآيات:
· قول الله تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} [الرعد/4].
· وقوله سبحانه وتعالى: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} [النحل/13].
· وقوله عز وجل: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} [الحج/5].
· وقوله تعالى: {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} [لقمان/10].
· وقوله سبحانه: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} [يس/36].
هذه الآيات في مجموعها تقرر أمرين:
الأول: إعطاء كل نبات خاصية معينة في الطعم والشكل بالرغم من كون النباتات متجاورة متلاصقة، ومع ذلك ترى وهي تسقى بماء واحد ومتعرضة لحرارة واحدة، بالرغم من ذلك كله يراها الإنسان متغايرة الثمر في الأشكال، والألوان، والطعوم والروائح، ومتفاضلة في الأكل منها الحلو ومنها المر، فلو كانت الصدفة هي التي أنتجت هذه الأشياء هل كانت ستراعى هذا التفاضل؟ نقول: كلا وألف كلا، إن الذي خلقها "قادر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه".
الثانى: التناسل في النبات: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذارايات/49]، وإن من عجائب صنع الله في النبات عملية التلقيح، والتناسل بين النباتات بعضها بعضا، لقد كشف العلم الحديث عن أن التناسل في النبات يتم بطريقتين:
1. جنسية: وهذه الطريقة هي التي تحدد العملية البيولوجية التي تهدف إلى إظهار فرد جديد مطابق لذلك الذي أولده، ويتم هذا التناسل الجنسي بواسطة تزاوج عناصر ذكرية بعناصر أنثوية تنتهي إلى مكونات التجديد المجتمعة على نفس النبات أو المنفصلة عنه.
2. اللاجنسية: وهذه الطريقة يتم التكاثر فيها عن انقسام عضو يكتسب بانفصاله عن النبات الأصلي نموا يجعله شبيها بذلك الذي خرج عنه.
ولكن كيف، ومتى بدأت هذه العمليات؟ لا يكفي أن يكون هنالك ضوء ومواد كيميائية وهواء لكي ينمو النبات، إن هنالك قوة داخل البذرة تنبثق في الظروف المناسبة تؤدي إلى قيام كثير من التفاعلات المتشابكة، إن تلك البذرة تتكون من أعداد لا حصر لها من العناصر والعمليات، وتكون نباتا جديدا يكون له مثل صفات النبات الذي يخرج عنه بحيث لا تنتج حبة القمح إلا قمحا، ولا بذرة البرتقال إلا برتقالا، وعلى الرغم من التشابه القريب جدا بين أنواع النباتات إلا أن لكل نبات صفاته ومميزاته وخواصه، إن كل هذه الترتيبات تدل على نظام رائع، وجمال لا مثيل له ولا حدود له، كل هذه العجائب يراها الإنسان أينما اتجه في عالم النبات العجيب.
ونحن لا نملك إلا أن نردد قول الله تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [النمل/88]، وقوله سبحانه: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين} [لقمان/11].
استحالة المصادفة من الناحية العملية:
يعد هذا التنويع من الدلائل التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن القول بالصدفة خرافة الماديين، فإننا نعمد في هذه السطور لنأخذ من علم الحساب والإحصاء خطأ القول بالمصادفة من الناحية الرياضية، ولقد أورد كريسي موريسون رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك مثالا يوضح ذلك، يقول: "لنفترض أن معك كيسا يحوي مائة قطعة من الرخام، تسع وتسعون منها سوداء، وواحدة بيضاء، والآن هز الكيس، وخذ منه واحدة: إن فرصة سحب القطعة البيضاء لا تزال بنسبة واحد إلى مائة غير أن فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين هي بنسبة واحد إلى عشرة آلاف، والآن جرب مرة ثالثة: إن فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرات متوالية هي بنسبة مائة إلى عشرة آلاف مرة بنسبة واحدة من المليون ثم جرب مرة أخرى أو مرتين تصبح الأرقام فلكية".
هذا مثال واقعي من الممكن أن يقوم به أي إنسان في بيته، فلننقل هذا المثال إلى خلق الكون بالمصادفة، ولنجرب عليه ما حدث في قطع الرخام، فسوف ينتج لنا ما لا يتصور بأي مقياس من المقاييس.
إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية تتكون من خمسة عناصر هي: الكربون[61] والأيدروجين، والنيتروجين[62]، والأوكسجين، والكبريت[63]، وعدد الذرات في الجزىء البروتيني الواحد 40000 ذرة، وعدد العناصر الكيميائية في الطبيعة 92 عنصرا موزعة توزيعا عشوائيا، واحتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكون جزيئا من جزيئات البروتين يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطا مستمرا لكي تؤلف هذا الجزىء، ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث الاجتماع بين ذرات الجزىء الواحد.
ولم تقف محاولة العلماء عند حد، فقد قام العالم الرياضي السويسري "تشارلز يوجيه جاى" بحساب هذه العوامل جميعها، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزىء بروتيني واحد إلا بنسبة واحد إلى رقم عشرة مضروبا في نفسه 160 مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات، وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة لإنتاج تكوين هذا الجزئ على سطح الأرض وحدها بطريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات قدرها العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في نفسها 243 مرة من السنين.
كم يحتاج خلق الإنسان؟ كم يحتاج خلق الحيوان؟ إذا كانت هذه الأرقام من أجل إنتاج خلية حية واحدة، ومن العجيب أن ينسب المادي الكون إلى المصادفة ولا ينسبه إلى الله، بالرغم من أن الإمكان الرياضي في توفر العلل اللازمة للخلق عن طريق الصدفة في نسبتها الصحيحة هو ما يقرب من لا شىء.
القسم الثالث: القائلون بالتطور [64]:
وهذه الشبهة نتائجها متضمنة في الشبهتين السابقتين؛ إذ إنها في التحليل النهائي تهدف إلى أن الكون أزلي أبدي، وأنه وجد بنفسه بدون خالق، وأن الأحياء تتطور من جماد إلى حيوان، ومن حيوان إلى إنسان.
والقول بالتطور ليس من مبتدعات الماديين المحدثين، ولكن يعود القول بالتطور إلى الطبيعيين الأوائل في اليونان، فقد أشاروا عرضا إلى التطور، وصرح به أنكسمندر في تفسيره لنشأة الكون، حيث زعم أن الأحياء تطورت بعد أن تولدت من التراب، والماء والهواء، فالكائنات كانت في الأصل سمكا، ثم تطورت إلى الأنواع المختلفة التي نراها، والإنسان منحدر من حيوانات مائية مختلفة عنه بالنوع حملته في بطنها زمنا طويلا.
وفي الفلسفة الحديثة عرف القول بالتطور عند لامارك الفيلسوف الفرنسي 1748 - 1829 م، وعرف كذلك عند ديدور 1713ـ 1784م، ولكنه اشتهر وارتبط باسم الفيلسوف الإنجليزي تشارلز داروين 1809 - 1882م، الذي ذهب إلى أن الباحث الطبيعي إذا تدبر أصل الأنواع وأنعم النظر فيما يقع بين الكائنات العضوية انتهى به البحث إلى أن الأنواع لم تخلق مستقلة منذ البدء، بل نشأت من أنواع أخرى، وقد اعتمدت نظرية"داروين" في المقام الأول على مجموعة من الحفريات، ومجموعة من الأحياء البحرية، ومن هذه وتلك وجد هناك تشابها عميقا بين الأحياء بعضها وبعض، فخطر له فرض مؤقت هو تطور هذه الأنواع على الرغم من أن لها أصلا واحدا أو بضعة أصول نمت وتكاثرت وتنوعت في زمن مديد بمقتضى قانون الانتخاب الطبيعي، هذا عن الكائنات الحية.
أما عن الإنسان فقد ترك داروين مسألة الإنسان معلقة، ولكنه عاد فرأى أن ليس هناك من موجب لاستثنائه من قانون التطور، وقد تبعه في هذه النظرية كثير من الفلاسفة الماديين منهم توماس هكسلي وأرنست هكل وذاعت هذه النظرية ذيوعا كبيرا في الأوساط العلمية بالرغم من عدم علميتها.
الرد على التطوريين:
1. من القرآن:
لقد عرضنا نماذج من الآيات القرآنية التي أوضحت أن الكون لم يكن شيئا ثم كان بأمر الله، وأردفنا ذلك بمقررات العلم الحديث التي أثبتت عدم أزلية الكون واستحالة صدور الكون عن مادة لا حياة فيها، وهنا نؤكد أمرين:
الأول: أن الله - سبحانه وتعالى - أعلن الإبداع في خلق الأشياء كلها في قوله تعالى: )ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون([الذاريات/49]، وهذه الآية وغيرها كثير من الآيات في القرآن ترد على الذين يقولون بالتطور من النبات إلى الحيوان، ومن الحيوان إلى الإنسان.
الثاني: أن الله - عز وجل - قد سخر من الذين يقولون ذلك ونفى عنهم العلم، يقول تعالى: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} [الكهف/51]، فالذين يتحدثون عن تطور الكائنات بعضها من بعض لم يشاهدوا هذه الكائنات، ولو سألنا واحدا منهم هل شاهدت نباتا تحول إلى حيوان؟ سيجيب بالنفي، ولو سألنا آخر هل شاهدت قردا تحول إلى إنسان؟ سيجيب بالنفي.
وحينئذ يقعون في التناقض؛ لأن العلم الذي يبنون عليه إلحادهم ويتبجحون بنتائجه ويقوم على التجربة والحس والمشاهدة يتناقض مع ما يدعونه؛ لأنه يتنافى مع أبسط قواعد البحث العلمي وهو التحقق من صحة الفروض، وهم لم يتحققوا بعد من فروضهم حول التطور، فكيف ينادون بنظرية التطور على أنها حقيقة؟
حقائق القرآن اليقينية عن خلق الإنسان:
إن أول ما نبدأ به حديثنا عن خلق الإنسان هو آدم عليه السلام.
الله - عز وجل - يقرر أنه خلق آدم من تراب وقبل ذلك لم يك شيئا، يقول تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (28) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29)} [الحجر]، وهذه الآية تبين أن آدم مخلوق بإرادة الله، ولم يتطور عن نبات أو حيوان، وبعد أن خلقه خلق زوجه حواء، على اختلاف بين المفسرين هل خلقت من ضلعه أو خلقت من جنسه، ومعرض اختلافهم حول تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1].
فهل النفس هنا يقصد بها آدم أم أن النفس هنا بمعنى الجنس أي من جنس واحد؟ ولن نعرض لاختلافهم، فالذي يهمنا هو أن آدم وحواء هبطا من الجنة أسوياء مخلوقين لا متطورين عن شىء آخر، وهذا إن دل فإنما يدل على أن آدم - عليه السلام - ظهر في أعلى مراحل النضج البشري، يدل على ذلك قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33)} [البقرة].
وشىء آخر نضيفه قبل أن نترك آدم - عليه السلام - وهو أن إرادة الله لا تخضع لنواميس البشر ومقاييسهم، وإلا فماذا يقول التطوريون في خلق عيسى - عليه السلام - الذي شبهه الله بخلق آدم عليه السلام.
هذا ما يتعلق بخلق آدم وأنه مخلوق بداية ولم يتطور عن شىء. أما سائر البشر، فإن الله قد أشار إلى خلقهم منذ أن كانوا نطفة إلى أن اكتملت صورتهم وحسن خلقهم، يقول الله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)} [المؤمنون].
هذه الآية وغيرها كثير من الآيات التي تتحدث عن الإنسان ومراحل خلقه المختلفة منذ أن كان سائلا منويا إلى كمال تكوينه، توضح أن الإنسان مزود من قبل الله تعالى بخصائص معينة تظهره في أحسن صورة، ولا مجال للتداخل على الإطلاق بين الحيوان والإنسان؛ لأن كلا منهما خلق مستقل عن الآخر فلا يمكن للحيوان أن يتجاوز نوعه، ولا يمكن للإنسان أن يتجاوز نفسه، فهما خلقان، والإنسان مميز بالنفخة الإلهية التي صار بها إنسانا مسخرا له ما في الأرض جميعا، مجهزا لحمل الأمانة التي كلفه الله بها، فالأطوار التي يمر بها الإنسان سواء وهو في بطن أمه أو بعد خروجه للحياة لا تمت للتطور الذي يتكلم عنه الماديون بصلة، فهذه المراحل والأطوار لا تعدو أن تكون نموا للإنسان من النطفة إلى العلقة إلى المضغة، وكذلك من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب إلى الكهولة إلى الشيوخة، وهذه الأطوار لم تخرجه عن كونه إنسانا فيه كل مقومات الإنسان، يشير إلى هذا موريس بوكاي في قوله: "إن مقولات القرآن عن التناسل البشري تعبر في ألفاظ بسيطة عن حقائق أولية أنفقت البشرية مئات السنين لمعرفتها".
أما ما يستند عليه التطوريون في دعواهم من وجود تشابه بين الإنسان والإنسان، وبينه وبين الحيوان، فلا ينهض دليلا على التطور وإنما يستخدم شاهدا على قدرة الله - عز وجل - فإنه على الرغم من هذا التشابه؛ فإن لكل إنسان صورة تختلف عن صورة الآخر، هذا فضلا عن أن البشرية كلها منذ خلقت إلى أن يفنى العالم لن يجد فيها العلماء بصمات إنسان مشابهة لبصمات إنسان آخر على امتداد تاريخ البشرية كلها، فمن الذي أوجد هذا الاختلاف؟ العناصر المتطورة التي لا تحس ولا تشعر أم الله الخالق البارئ المصور؟ إنه الله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.
إن دعاة التطور لا دليل لهم من عقل أو حس، يقول الأفغانى: "من واهياته ما كان يرويه دارون عن جماعة كانوا يقطعون أذناب كلابهم، فلما واظبوا على عملهم هذا قرونا صارت الكلاب تولد بلا أذناب، كأنه يقول حيث لم تعد للذنب حاجة كفت الطبيعة عن هبته، وهل يصمت إذن هذا المسكين خبر العبرانيين والعرب، وما يقومون به من الختان لآلاف السنين وإلى الآن لم يولد واحد منهم مختونا إلا لإعجاز".
وسوف يتضح لنا تهافت نظرية التطور من خلال العلم الحديث عند عرضنا لنقد نظرية التطور.
2. العلم الحديث ونقده لنظرية التطور:
بعد أن قدمنا وجهة النظر الإسلامية وهي من وجهة نظرنا كافية لإبطال نظرية التطور، إلا أننا نريد أن نتبع وجهة النظر القرآنية بما انتهى إليه العلم من نتائج حول التطور.
ونحن حين نعرض وجهة النظر الحديثة فإنما نعرضها لأمرين:
الأول: أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.
الثانى: هو كما يقول أستاذنا د. عبد الله الشاذلى: إن إبطال بعض الآراء العلمية بما يناقضها في نفس المجال وبنفس المنهج العلمي ذاته يجعلها تتناقض، ويترتب على ذلك أن تتأرجح وتسقط؛ ولأن بعض البشر يميلون إلى سماع آراء المعارضين، ومن ثم فإن سماع وجهة النظر الغربية في بطلان القول بالتطور لا يعد تدعيما لوجهة نظر القرآن، وإنما هو اعتراف بالحقيقة التي أقرها القرآن الكريم.
وتتلخص وجهة النظر الغربية في نقد التطور في الآتى:
1. إن هذه النظرية ظنية وليست قائمة على التجربة أو المشاهدة، ونظرية التطور لم يلاحظها أحد أو جربها في معمله؛ لأن ذلك ضرب من المستحيل، فهي نظرية معقدة فضلا عن أنها تتعلق بماض سحيق جدا موغل في القدم؛ ولذلك فإن أصحابها يتعاملون معها لا على أنها فرض علمي، أو تجربة علمية، ولكن على أنها عقيدة، يقول السير آرثر كيث: "إن نظرية الارتقاء عقيدة أساسية في المذهب العقلى". وتعرف - أيضا - في أحد المعاجم العلمية بأنها "نظرية قائمة على تفسير بلا برهان".
2. لقد ألف مجموعة من العلماء كتابا تحت عنوان "خلق لا تطور" وانتهوا فيه إلى ما يأتى:
· الجماد غير قادر على تحسين نفسه، بل هو على الضد يميل إلى التجرد أو الاستقرار، ولا فائدة من الاعتماد على طول الزمن؛ لأن طول الزمن يؤدي إلى الانحلال والتفكك، وبسبب انقراض المعادن وتفتت الصخور، وعلى هذا فالزمن عامل رئيسي للهدم وليس للبناء، ومن ثم فالزمن هو العدو الأول للتطور، وليس سلاحا يتسلح به التطور، وعلى عكس ما يزعم دعاة التطور.
· هناك إجماع من العلماء المشتغلين بالأحياء على أن الحياة لا بد أن تأتي من الحياة، وليس هذا فحسب، وإنما الإجماع منعقد على أن كل كائن حي يأتي بمثله، ولذلك فإن الاستدلال بقانون الانتخاب الطبيعى[65] يفسر عملية بقاء الأصلح، ولا يمكن - أبدا - أن يفسر حدوث هذا الأصلح، وهذا ما جعل العلماء يذهبون إلى أن التطور هو أحد السنن الكونية والذي يحتاج إلى من يبدعه، فهو - إذن - من خلق الله وصنعه.
إن كل ما يفعله الانتخاب الطبيعي هو أنه إحدى الطرق التي تسلكها بعض الكائنات في سبيل البقاء، أو الزوال عن طريق الحياة، والتكاثر بين الأنواع المختلفة أما الأنواع ذاتها التي يتم فيها الانتقاء فإنها تنشأ عن خطوات تخضع لقوانين تسير بعناية وتدبير، ولا تخضع للصدفة العمياء.
الإصرار على الكفر هو سبب تمسك الماديين بنظرية التطور:
والسؤال الذي يطرح هنا إذا كانت نظرية التطور غير ثابتة علميا فلماذا التمسك بها والإصرار عليها من جانب الماديين؟
وإن تعجب فعجب قولهم: إن العلماء الماديين يعترفون بأن النظرية ما هي إلا فروض لم تتحقق، ولكن التخلي عن نظرية التطور سيجعلهم يؤمنون بخالق للكون، وهم لا يريدون ذلك، ومن ثم فهم يفضلون اتباع الظن على اتباع الحق، هكذا يقولون.
يقول آرثر كيث: "إن نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميا ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا لأن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخالق الخاص المباشر، وهذا ما لا يمكن حتى التفكير فيه".
وهذه هي إرادة الإلحاد، وهذا هو الكبر والتعصب للباطل، فماذا يقال لهؤلاء من برهان وإقناع؟ ثم ماذا يناقشون وقد عرفوا الحق وأعرضوا عنه؟
رابعا. الفطرة تتجه إلى الخالق وتؤمن بوجود الله:
كل مولود يولد على الفطرة، والفطرة بذاتها تتجه إلى الله عالمة بوجوده - عز وجل - ومؤمنة بأنه إله واحد لا يوجد في الكون كله سواه.
كيف تهتدي الفطرة إلى خالقها؟
إن الله - سبحانه وتعالى - يخبرنا في كتابه الكريم أنه حين خلق الخلق عرفهم بنفسه، وبأنه - جلت قدرته - هو ربهم الذي خلقهم، والذي ينبغي أن يدينوا له بالعبودية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} [الأعراف/172].
والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا كذلك: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم تلا قوله عز وجل: {فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} [الروم/30]» [66].
والحقيقة أن الفطرة البشرية تتيقظ لوجود الخالق في سن مبكرة جدا، أصغر بكثير مما نظن!
فنحن نظن عادة أن الشخص الكبير وحده هو الذي يتفكر في وجود الله - سبحانه وتعالى - وفي وحدانيته، ولكنا إذا لاحظنا حياة الطفل الصغير نجد أنه في مرحلة معينة من عمره يبدأ يسأل والديه أسئلة لا تنتهى:
من الذي عمل السماء؟ لماذا كانت السماء زرقاء؟ أين تذهب الشمس في الليل؟ لماذا لا تظهر الشمس لنا في الليل؟ أين يذهب النور حين يأتي الظلام؟ لماذا تلمع النجوم؟ أين تنتهي الأرض؟ لماذا كانت هذه الزهرة ذات رائحة والزهرة الأخرى ليس لها رائحة؟ من أين جئت؟ أين كنت قبل أن أجىء؟... إلخ.
فما معنى هذه الأسئلة في الحقيقة وما دلالتها؟
إن دلالتها الحقيقية أن فطرة هذا الطفل قد بدأت تستيقظ، بدأت تتعرف على خالق السماوات والأرض من خلال مخلوقاته المشهودة المحسوسة، بدأت رويدا رويدا تتعرف على حقيقة الألوهية التي أشهدها الله عليها منذ خلقها، وبدأ إدراكها لها ينمو كما تنمو البذرة الكامنة في باطن الأرض، حتى تترعرع وتخضر[67].
أصل قضية الإلحاد وكيف نشأت:
وفي كتابه "الإسلام والعقل" يعرض لنا د. عبد الحليم محمود مسألة الإيمان والإلحاد عرضا رائعا في الفصل السادس تحت عنوان "تأملات في الإيمان والإلحاد" [68].
يقول: يخلط كثير من الناس بين التوحيد وإثبات وجود الله، وهما أمران بان - في وضوح - اختلافهما واختلاف موقف الإسلام منهما، إذ إن الإسلام استفاض استفاضة كثيرة في إثبات التوحيد؛ وذلك لأنه حق لا مرية فيه، ويقين لا شك فيه، وقد عمي عنه الوسط الذي كان بجزيرة العرب فأشركوا بالله.
أما موقف الإسلام بالنسبة لإثبات وجود الله؛ فإنه مختلف اختلافا كبيرا عن موقفه بالنسبة لإثبات التوحيد.
إن القرآن لم يتحدث عن إثبات وجود الله: إن الله في العرف الإسلامي وفي أعراف أصحاب الفطر السليمة موجود، ووجوده لا يتمارى فيه اثنان، ومع ذلك فإن الوضع الحالي في جميع الأجواء الشرقية والغربية، قد ألف نزعة ترى أن إثبات وجود الله مسألة تحتاج إلى برهان، وهذه النزعة الناشئة عن التعود في حاجة ماسة إلى بيان الوضع الصحيح في هذا الموضوع الخطير، ومن أجل ذلك نرى من الواجب علينا معالجة هذا الموضع في شىء من الاستفاضة.
يقول الله - سبحانه وتعالى - عن جوهر رسالة نوح - عليه السلام - في العقيدة: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين (25) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ((26} [هود]. ويقول - سبحانه وتعالى - عن جوهر رسالة صالح في العقيدة: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود/61]. وعن جوهر رسالة شعيب في العقيدة: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود/84].
وهكذا في رسالة جميع الأنبياء إذ يقول الله تعالى في تعميم مطلق: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء/25].
إلام تشير هذه الآيات؟ إنها لا تتحدث عن إثبات وجود الله، وإنما تتحدث عن الشرك، أي الاعتقاد في آلهة كثيرة.
ولقد كانت الثورة ضد الشرك وتحطيم الأصنام من المهام الكبرى في الرسالة الإسلامية، حتى إن العالم الكبير أبا الريحان البيروني حينما أخذ يبين الطابع الأصيل لكل دين قال عن الإسلام: "إن الطابع الأصيل للإسلام إنما هو التوحيد".
وإذا كان البيروني حينما تحدث عن طابع كل دين، إنما يتحدث عن طابع الأديان في وضعها الراهن، فإنه مما لا شك فيه أن الشرائع - على الرغم مما ذكره البيروني عن سماتها المختلفة - تشترك جميعها في مبدأ التوحيد.
وكل نبي بشر بالتوحيد، ولكن الإنسانية كانت تنحرف بالعقيدة بعد موت الرسول من التوحيد إلى الشرك، والشرك إسراف خاطئ في الإيمان، وما كانت الإنسانية تنحرف قط من التوحيد إلى الإلحاد، وما كان للإلحاد وجود قط فيما قبل الحضارة اليونانية القديمة.
ونشأ الإلحاد - انحرافا فطريا ودينيا - مع الحضارة اليونانية القديمة، نشأ يجاور الشرك ويجاور التوحيد، لقد كانت هذه الحضارة تشتمل - في العقيدة - على ثلاثة تيارات:
1. الشرك: وهو دين الدولة الشائع، وتقاليدها الراسخة، يتمثل في فنها الذي يمثل الشرك في قوة، والذي أثار الإعجاب للإتقان الذي كان يتمثل فيه، والذي ما زال يثير الإعجاب للآن، ويتمثل في أدبها الذي يعكس صورة لعقيدتها، وتاريخ اليونان الفكري والأدبي ملىء بصور الشرك، مفعم بالوثنية، ولكن الشرك في اليونان - كغيره من ألوان الشرك - أعطى للآلهة صورة غير كريمة، بل لقد وصل بها - أحيانا - إلى صورة تنحط عن صورة البشرية الآثمة.
أرأيت الآلهة ترتشى وتظلم وتزنى؟
لقد كانت هذه بعض صور الآلهة في اليونان القديمة، وهي صور أساغها الإلف والتكرار والعادة، وشب عليها الأطفال والشبان فلم تثر انتباههم أو توقظهم، وفي فترة من فترات هذه الحضارة - فترة القرن الخامس، والرابع، والثالث قبل الميلاد على الخصوص - نشأت مجموعة من العباقرة لا تكاد تحصى، وكأن السماء في هذه الفترة تمطر عباقرة على تفاوت فيما بينهم في الاتجاه وفي المكانة.
هؤلاء العباقرة أكثرهم استقر على رفض الشرك، أي رفض الدين الرسمي الشائع للدولة، ولو قدر الله لليونان إذ ذاك دينا صادقا لاستمسكوا به، وما تردت الإنسانية في الأخطاء الكثيرة التي نشأت عن الحضارة اليونانية في عالمها الفكري الذي انفصل عن الوحي لا من اختيار ورغبة، وإنما على أسف شديد لفقدان الوحي والرسالة الصادقة.
يدلنا على هذا الأسف، وعلى تقديرهم للوحي، قصة يرويها التاريخ حدثت في عهد سقراط، وهي قصة عميقة في مغزاها كل العمق: جلس سقراط - أبو الفلسفة وأبو الفلاسفة - ومعه اثنان من كبار فلاسفة المدرسة الفيثاغورية المشهورة التي أسسها فيثاغورس الفيلسوف الصوفي الكبير، جلس ثلاثتهم يبحثون في جد واهتمام موضوع مصير الروح بعد الموت: هل الموت هو الخطوة الأخيرة للإنسان ينتهي بعده روحا وجسدا، أو إنه انتقال من حال إلى حال والروح باقية؟ هل الإنسان خالد بجوهره وهو الروح، أو إنه فان جسما وروحا؟ وأجهدهم البحث، وانتهى بهم إلى عدة براهين تثبت خلود الروح، وأنها لا تفنى بفناء الجسم، وسكنوا يستريحون قليلا، ولكنهم في فترة راحتهم أخذوا يتدبرون ما انتهوا إليه، ثم قال أحدهم - نتيجة لتأمله - ولكن المسألة ما زالت في حاجة إلى مزيد من اليقين.
ولقد كان ذلك هو ما انتهى إليه الآخرون في تأملهم، وقال أحدهم معقبا على ذلك: "ولكن هذا نهاية شوط العقل". وأسفوا جميعا على أنه لم ينزل وحي، يفصل في هذا الموضوع.
ثم أخذ أحدهم يتحدث عن تشبيه دقيق يتعلق بوسيلة العبور في محيط ما وراء الطبيعة، والمحيط المادي إنما يتأتى في أعراف الناس عن طريقين:
أحدهما: السفينة يعبر بها الإنسان المحيط آمنا مطمئنا من شاطئ إلى شاطئ.
أما الثانية: فإنها لوح من خشب، مصير راكبه الغرق في أغلب الظن.
ووسيلة عبور محيط ما وراء الطبيعة هي الوحي، وهو السفينة الآمنة المتينة، والعقل وهو لوح الخشب الذي لا يصل في أغلب الظن إلا إلى غرق راكبه.
ولقد كان فلاسفة اليونان في لهفة على أن ينزل عليهم الوحي في جدته ونضرته وصدقه، ولم يقدر لهم ذلك، ورفضوا الشرك، دينهم الرسمي، فما هو البديل؟ إنه لوح الخشب. وركبوه: ركبه سقراط، وركبه أفلاطون، وركبه أرسطو، وركبه من قبل السوفسطائيون[69]، وركبه من بعد أبيقور، وركبه الرواقيون[70]، إلام وصل بهم؟ لقد وصل بهم إلى:
2. التوحيد: فيما رأى سقراط وأفلاطون وأرسطو وكثير غيرهم.. وهذا هو التيار الثاني الذي كان في اليونان في عصرها القديم، بيد أن توحيد هؤلاء ليس هو التوحيد كما نزل على لسان الصادقين المعصومين صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يمثل توحيد المدرسة السقراطية في جزئياته وفي تفاصيله التوحيد الصادق.
3. وأدى بهم في فريق آخر إلى الإلحاد، الإلحاد المطلق، الإنكار لما بعد الطبيعة وللبعث والرسالة، وكان ذلك على لسان "أبيقور" ومن لف لفه في اليونان، ومن قبله أو في زمنه، أو من بعده.
لقد فقدوا في منطقهم الميتافيزيقى[71] الاعتماد على الوحي فقادهم ذلك إلى مسالك شتى، ولو كان هناك وحي لقادهم وقاد عقولهم إلى الشاطئ في أمن وسلام.
ومنذ هذه اللحظة دخل الإلحاد في العالم مبتدئا من اليونان، وأصبحت مسألة التدين في الجو الفكري المتابع لهذا التيار اليوناني مسألة عقلية لا شأن لها بالوحي، وأخذت تسير في مجراها العقلي العادي.
المؤمنون يبرهنون عقليا على إيمانهم، والملحدون يزيفون المنطق برهنة على إلحادهم، لقد أخذت المسألة في هذا الطريق مع أنها شعور وفطرة وبداهة، وما من شك في أنه كان للمؤلفين منطق جميل في الإثبات، نذكر منه شيئا من إثبات سقراط.
قال سقراط لصاحبه الذي ينكر وجود الله: أفي الناس من يعجبك براعته في الصنائع؟
فقال: نعم، وسمى من الشعراء والمصورين ممن كان يعده أبرع من غيره.
فقال سقراط: أيهما عندك أرفع شأنا؟ أمن يصنع التماثيل العارية عن الحركة والعقل، أو من يصور الأشباح الحية المتحركة؟
فقال: من يصنع الصور الحية، اللهم إلا إذا كانت تلك الصور من عمل المصادفة والإتقان، لا من عمل العقل.
قال سقراط: إذا فرضنا أشياء لا يظهر المقصود منها، وأشياء أخرى بينة القصد والمنفعة، فما قولك في تلك الأشياء؟ وما هي التي عندك من فعل العقل؟ وما هي التي عندك من فعل الإتقان؟
قال: لا شك أن ما ظهر قصده ومنفعته من فعل العقل.
قال سقراط: أولست ترى أن صانع الإنسان في أول نشأته جعل له آلات الحس لما في تلك الآلات من المنفعة الظاهرة؟ فأعطاه البصر والأذنين ليبصر ويسمع ما يكون لعيشه صادقا، وما فائدة الروائح لو لم تكن لنا الخياشيم؟ وكيف ندرك المطاعم ونفرق بين الحلو والمر، لو لم يكن لنا لسان نذوق به؟ إن بصرنا معرض للآفات.
أولست ترى كيف اعتنت القدرة الإلهية بذلك، فجعلت الأجفان كالأبواب لتمنع ما يصيب البصر، وجعلت الأهداب كالمناخل لتقيها من أضرار الرياح؟ وما قولك في آلة السمع، وهي تقبل جميع الأصوات ولا تمتلئ أبدا.
أما رأيت الحيوانات، كيف رتبت أسنانها الأمامية، وأعدت لقطع الأشياء فتلقيها إلى الأضراس فتدقها دقا؟ فإذا تأملت في ترتيب ذلك، أيمكنك أن تشك: هل هي من فعل الإتقان أم من فعل العقل؟
قال أرسطو ديموس: نعم إذا تفكرنا في ذلك لا نشك في أنها من فعل صانع حكيم كثير العناية بمصنوعاته.
ومهما يكن في هذا الاستدلال من جمال، ومهما يكن في استدلال المؤلهين العقليين[72] أمثال أفلاطون وأرسطو وديكارت من قوة، فإنفي المسألة مع ذلك انحرافا مهدت له ظروف اليونان التي فقد فيها الوحي، وهذا الانحراف لم يجد من يصححه.
ما الوضع الطبيعي للمسألة؟
قص علي صاحب لي قصة هزت شعوري هزا قويا، وأخذت أفكر فيها عدة أيام، وما كنت أتخيل أن يصل صدق الإيمان إلى هذه الدرجة.
قال صديقي - وهو سوداني - يحتل مكانة مرموقة في العلم والإيمان: إن في أطراف السودان (قرية صغيرة) تكاد تكون منعزلة لا يكاد يطرق أبوابها غريب، ويسكن (بهذه القرية) رجل صالح يسير في حياته على تقوى من الله، وعلى بصيرة من دينه، عاش هذا الرجل وعالمه - كل عالمه - هو (هذه القرية) التي لم يفارقها قط.
لقد تعود فيها على (أناس معينين) وعلى (ألوان محددة)، و(ملابس) لا تكاد تختلف من فرد لآخر، إنه في تصوره الحسي محدود بهذه القرية.
وفي يوم من الأيام اقتضت الظروف - في صورة من الحتمية - أن يذهب إلى مدينة بعيدة.
وكان هذا في حياته حدثا هائلا، فإنه لا يعرف الطرق، ولا المسالك، ولا كيف يسير، ولا بد من السفر.. فاصطحب معه أحد أبناء القرية ممن لهم دراية بالأمور وسافرا، وعلى مشارف المدينة رأى الرجل الصالح منظرا تعجب له، رأى (ضابطا إنجليزيا)!!
ورؤية ضابط إنجليزي في السودان - إذ ذاك - كانت أمرا عاديا، ولكن صاحبنا لم ير هذه الصورة من قبل، وسار تفكيره على النسق التالى: ما لهذا (الكائن) قد (حلق لحيته) على هذه الصورة حتى لكأنه قد "سنفرها" إلى أن أصبحت وكأنها لم تكن.
وما له قد كتف نفسه في ملابسه على هذه الصورة، ثم ربط نفسه - أيضا - بحزام في الوسط.
وما له.. وما له.. ثم سأل مرافقه: ما هذا؟ فقال مرافقه: هذا (خواجة). ولم تكن هذه الكلمة قد دخلت قاموسه اللغوي، فعاد يسأل: وما خواجة؟
فقال صاحبه: (يعني كافر)، وكان هذا مبلغ علم مرافقه، فإذا بالرجل يرتجف قليلا ويضطرب، ويسأل في اهتمام وقلق: (أهو كافر بالله؟). فقال رفيقه: "نعم كافر بالله" فإذا بالرجل الصالح يمتلئ جسمه وشعوره (بالاشمئزاز) من هذا الكافر، فإذا بهذا (الاشمئزاز) يزاد شيئا فشيئا.
وفي سرعة سريعة، وصل الاشمئزاز إلى غايته (فتقايأ).
وكما يحدث الاشمئزاز من (القاذورات المادية) فإنه يحدث من (القاذورات المعنوية مثل الكفر بالله). والكافر بالله - فيما رأى صاحبنا - إنما هو مجموعة من (القاذورات المعنوية). لا تستحق إلا الاشمئزاز إلى درجة التقايؤ.
أما منطقه في هذا الاشمئزاز فهو أن المنكر للجميل تشمئز منه النفس، ويزداد هذا الاشمئزاز ويعظم كلما كان الجميل كبيرا وكان المنكر متبجحا، وإننا إذا نظرنا إلى ما بنا من نعمة فإننا نجدها من الله: {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل/53]، وإذا نظرنا إلى كمية هذه النعم نجد أنها لا تحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل/18]، فمن أنكر هذه النعم وهي محيطة به، ووصل به إنكاره للجميل إلى درجة الكفر، فإنه يكون قد بلغ في إنكار الجميل منتهاه، فيبلغ الاشمئزاز منه منتهاه.
وما كان صاحبنا يفكر في منطق لشعوره، وإذا كنا نحن نلتمس المنطق لهذا الشعور، فإن هذه الظاهرة إنما تعبر أبلغ تعبير عن (صدق الإيمان)، و (صفاء الفطرة).
لقد فوجئت حقا بهذه الدرجة من صدق الإيمان، وأخذت أربطها بما سبق أن قرأت من أفكار تتناسق معها، أفكار أثرت في نفسي كثيرا حينما قرأتها.
إنها أفكار طائفة من (أعلام الفكر) لم يستعبدها (الإلف الذهنى)، ولا (العادات الفكرية) فيما يتعلق بمسألة الإلحاد والكفر.
إن خط (الإلف والعادة) في هذا الموضوع هو أن يذكر المؤمنون الأدلة على وجود الله التي ترجع إلى دلالة الأثر على المؤثر، وهي دلالة قوية، فيحاول (الملحدون) متعسفين الرد عليها.
كلا أيها المؤمنون: إن المسألة (أقدس) من أن توضع هذا الوضع، (وأوضح) من أن تحتاج إلى (برهان).
يقول الإمام العالم الحجة ابن عطاء الله - رحمه الله -: "وإذا كان (الكائن) من الكائنات من هو غني بوضوحه عن إقامة دليل، (فالمكون) أولى بغناه عن الدليل منها".
ويقول:
· كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟
· أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟
· متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟
· ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟
· كيف يتصور أن يحجبه شىء، وهو الذي أظهر كل شىء؟
· كيف يتصور أن يحجبه شىء، وهو الظاهر قبل وجود كل شىء؟
· كيف يتصور أن يحجبه شىء، وهو أظهر من كل شىء؟
· كيف يتصور أن يحجبه شىء، وهو أقرب إليك من كل شىء؟
· كيف يتصور أن يحجبه شىء، ولولاه ما كان وجود شىء؟
شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه.
والمستدل به عرف الحق (لأصله)؛ فأثبت الأمر من (وجود أصله)، و (الاستدلال عليه) من (عدم الوصول إليه). وإلا (فمتى غاب) حتى يستدل عليه؟ (ومتى بعد) حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه؟
ويقول الإمام أبو الحسن الشاذلي - رحمه الله -: "ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه، فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه، أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هي المظهرة له؟"
ويقول: "كيف يعرف (بالمعارف) من به (عرفت المعارف)؟ أم كيف يعرف بشىء من سبق وجوده وجود كل شىء؟
ويقول أيضا: "إنا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان، فأغناها ذلك عن الدليل والبرهان".
ويقول - رحمه الله -: "وأرباب الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان؛ لأن أهل الشهود والعيان قدسوا الحق في ظهوره عن أن يحتاج إلى دليل يدل عليه. وكيف يحتاج إلى الدليل من نصب الدليل. وكيف يكون معروفا به وهو المعروف عنه؟"
إن محاولة الاستدلال على وجود الله محاولة خاطئة، والسير على النحو الموجود الآن من الجدل في هذا الموضوع "سير منحرف عن الطريق الصواب".
خامسا. الآثار المروعة للثقافة الإلحادية تؤكد انحرافها عن صراط الله المستقيم:
إننا حين نشرع في عملية المسح لمظاهر الإخفاق الاجتماعي والفردي للثقافة الأوربية، نريد أن نتأكد من الرابطة السببية بين هذه المظاهر - كنتيجة - والثقافة كسبب.
هل للثقافة صلة بظواهر مثل: إدمان الخمر، والجذام الجنسي، والأمراض العقلية، والجريمة، والقلق، والملل، وبالاغتراب[73] أو الغربة التي تعاني منها المجتمعات الأوربية والأمريكية؟
ماذا يقول فلاسفة أوربا ومفكروها في هذه المسألة(مسألة الإلحاد)؟
يقول يونج c. g. Jung العالم النفسي الشهير (1875 - 1961م): "طلب مني أناس كثيرون، من جميع الدول المتحضرة، مشورة لأمراضهم النفسية، في السنوات الثلاثين الأخيرة، ولم تكن مشكلة أحد من هؤلاء المرضى - الذين جاوزوا النصف الأول من حياتهم، وهو ما بعد 35 سنة - إلا الحرمان من العقيدة الدينية. ويمكن أن يقال: إن مرضهم لم يكن إلا أنهم فقدوا الشيء الذي تعطيه الأديان الحاضرة للمؤمنين بها في كل عصر، ولم يشف أحد من هؤلاء المرضى إلا عندما استرجع فكرته الدينية".
فما هذا الشيء الذي فقدوه ولم يشرحه يونج؟ الشيء الذي فقدوه، ولم يبينه "يونج" هو الإيمان بوجود الله القوى القادر الذي يتضرع إليه الإنسان في السراء والضراء، ويستصرخه ساعة المحنة، وهو الإيمان بحياة أخرى باقية، يلقى الإنسان فيها الجزاء العادل، ويفوز بالنعيم جزاء عمله، وإن لم يعترف له الناس في هذه الحياة بإحسانه له، أو إتقانه إياه، أو إخلاصه فيه، وهو الأمل في سيادة العدالة الإلهية التي لا يفلت منها طاغية، أو ظالم، أو مخاتل، وهو الإيمان بأن العبد ليس وحيدا في هذه الحياة، وإنما معه ربه الرحمن الرحيم.
والإلحاد الذي أنتجته الفلسفة الحسية المادية النفعية يحرم الإنسان من كل هذه النعم، ويدعه بلا أمل ولا أمن، ويقبل الإنسان على الدنيا فيصطدم بالآخرين ويحتدم الصراع، ويتردد الإنسان بين الملل والألم كما يقول شوبنهور - الملل إذا فاز في الصراع وأشبع بطنه وفرجه، والألم من الحرمان إذا انهزم ولم يشبع حاجاته، فالإلحاد يهدم الدين، ولا يعطي الناس شيئا بديلا.
ولعل هذا هو ما يفسر لنا مظاهر التعاسة والجريمة، وإدمان الخمر، والانتحار، وطغيان الشعور بالملل والقلق، والغربة النفسية في المجتمعات الملحدة. يقول سبيرو Spiro: "في ظني أن كل حضارة تخلق ضغوطا وأزمات، بعضها عام وبعضها فريد، لا بد للشخصية أن تواجهها، وأن التراث الاجتماعي يزود الإنسان إلى حد كبير أو صغير بأساليب منظمة اجتماعيا للتخفيف من حدتها إن لم يكن لحلها أو التخلص منها، وأن معدل انتشار الباثولوجيا السيكولوجية (أي الأمراض النفسية) في أي مجتمع هو محصلة لا للضغوط التي يخلقها المجتمع فحسب، وإنما للوسائل المنظمة اجتماعيا التي يقدمها التراث الاجتماعي لحل هذه الضغوط والتخلص منها، وأن أولئك الأفراد الذين يعجزون - لسبب من الأسباب - عن حل الضغوط (التي تخلقها الحضارة) بالوسائل (التي تقدمها هذه الحضارة لحلها) يقومون بحلها بأساليب غريبة من العصاب[74] أو الذهان[75]، وأنه بقدر ما تخلق الحضارات المختلفة من أنماط مختلفة من الضغوط نجد أن الأساليب الغريبة لحل هذه الضغوط (من العصاب أو الذهان) تعكس اختلالات حضارية".
فكل الحضارات تفرز ضغوطا على الأفراد، وبعض هذه الضغوط مشترك أو متشابه في كل الحضارات، وبعضها نوعي يخص حضارة بعينها أو ثقافة بعينها، والثقافة السائدة في أي مجتمع تقدم للفرد وسائل مشروعة، كالقيم الخلقية والنظم التشريعية، لكي يواجه بها هذه الضغوط، وبقدر نجاح هذه الوسائل وفعاليتها يكون انحسار المرض النفسي والمرض العقلي، والعكس صحيح أيضا؛ وعلى هذا يصح المبدأ القائل بأن تفشي هذه الأمراض دليل على الإخفاق الثقافي.
ومعنى هذا أن العلاقة السببية بين الثقافة والأمراض العقلية إنما هي حقيقة علمية.
ويؤكد لوبشر Laubscher صحة الرابطة السببية بين الثقافة وظاهرة الانتحار، إذ وجد أن:
· نسبة الانتحار بين الإفريقيين في جنوب إفريقيا 1 - 100.000.
· وبين البريطانيين 10 - 100.000.
· وبين الأمريكيين 11 - 100.000.
(سبب تباين النسبة هو تباين الثقافة).
ولكي نزيد هذه الحقيقة وضوحا نأخذ مثالا من الحياة الإسلامية، إن الإسلام يحتم على المسلمين العفة وتجنب الفحشاء، وكل ما من شأنه أن يؤدي إليها؛ وهذا المطلب الخلقي يمثل ضغطا على الأفراد، لكن الإسلام يقدم للمسلم الوسائل الخلقية المشروعة لتمكينه من النهوض بواجبات العفة، فهو يبني مجتمعا خاليا من المثيرات الجنسية كالتبرج، كما أنه يحث على الزواج ويسمح بتعدد الزوجات، ويبيح الطلاق؛ وهكذا ييسر للمرء المسلم التزام العفة، دون أن يدفع ثمن ذلك أمراضا نفسية وعقلية.
ونأخذ مثالا آخر من الثقافة الأوربية، وهو النزعة "الليبرالية"[76] المتطرفة. لقد أدت فكرة الحرية الفردية، دون ضوابط أخلاقية أو دينية، إلى ذيوع الإباحية والزنا، وتفكك الأسر، وكثرة الأطفال اللقطاء بكل ما تعنيه هذه الظواهر من ضغوط، دون أن تقدم الثقافة الأوربية الوسائل التي تمكن الفرد من مواجهة هذه الضغوط؛ ولهذا انتشرت الوسائل المرضية الشاذة في مواجهتها - أعني بذلك العصاب والذهان.
ويؤكد علماء الإيكولوجيا[77] - أو علم البيئة - على وجود هذه العلاقة السببية بين "الثقافة" ومظاهر النجاح أو الإخفاق الفردي والجماعي "فإن الثقافة جزء من عموم البيئة كأشعة الشمس، والحرارة، والمطر، والتضاريس.
إن المعتقدات الدينية والفلسفية، والتقاليد الاجتماعية، والمؤسسات السياسية، هي بعض العوامل الكثيرة - غير البيئة المادية والاقتصادية - التي تحدد مصير بني الإنسان؛ فهي تؤثر بطريقة غير مباشرة، ولكنها فعالة وقوية، إنها تسيطر على أسلوب الحياة، وعلى المظهر المادي فيها، وتنعكس على أنماط السلوك، وعبر هذه التأثيرات، وكثير غيرها، يفرض الطابع الخاص لكل ثقافة معينة".
وهناك أبحاث ودراسات تخصصية تؤكد العلاقة السببية بين الثقافة وإدمان الخمر مثلا، ففي مؤتمر جامعة "باث" - في إنجلترا عام 1980م أشار أحد البحوث إلى أن المذاهب الاعتقادية Belief system هي أول أسباب الإدمان.
وربط مارسيليو ديديه في بحث آخر قدم للمؤتمر نفسه بين الإدمان والثقافة تحت عنوان "وصفة ثقافية للإدمان" وصرح بيتر شيلر بأن الإدمان يمكن أن يعالج بمنهج ثقافي، وقال: ريتشارد سوين: "الظاهر أن العامل الهام هو مبلغ اندماج تناول الخمر - بصورة رسمية - في الحضارة".
والدليل على ذلك انحسار تعاطي الخمر لدى اليهود، لمعاداة القيم اليهودية للإدمان، ونظافة المجتمعات الإسلامية منه بسبب تحريم الإسلام له.
وقد أدرك الإسلاميون هذه العلاقة السببية بين الثقافة من جهة، وبين صحة الفرد والمجتمع وسلامته نفسيا وروحيا - من جهة أخرى.
يقول الشيخ محمد عبده في معرض حديثه عن الأنبياء ورسالاتهم: "والدليل على سلامة شهودهم، وصحة ما يحدثون عنه، أن أمراض القلوب تشفى بدوائهم وأن ضعف العزائم والعقول يتبدل قوة في أممهم التي تأخذ بمقالهم، ومن المنكر في البديهة أن يصدر الصحيح عن معتل، ويستقيم النظام بمختل".
فصحة الفرد والجماعة، وسعادتهما، وقوتهما، دليل صدق الرسالات التي جاء الرسل بها، كما أن اختلال الفرد والجماعة وتعاستهما - كما هو الحال في أوربا اليوم - دليل على عطب[78] المبادئ الإلحادية التي تمثل جوهر الثقافة الحسية المادية السائدة فيها.
ويكشف المودودي عن الخدعة التي تحجب العلاقة السببية بين الثقافة والإخفاق الفردي والاجتماعي، فيقول: إن العالم المعاصر يشبه الطفل الذي يثق بالمشاهدة الحسية، فيحسب النار لعبة جميلة، وجل ما بينهما من الفرق أن خطأ هذه المشاهدة لا يلبث أن يظهر جليا بالتجربة؛ لأن النار التي يحسبها لعبة ويشرع في اللعب بها تكون ذات لهب، ولا تلبث أن تدل الذي يتناولها بيده أنها ليست بلعبة.
وبالعكس من ذلك، فإن خطأ المشاهدة في هذا الطريق - أي المنهج المادي الأوربي - لا يبدو في عشية أو ضحاها، وربما لا يظهر لكثير من الناس طوال حياتهم؛ لأن النار التي يلعبون بها في هذه الحياة الدنيا ليست بحامية، ولا تصيب الذي يلمسها بيده بضرر عاجل، بل يصطلى بها البشر آمادا بعيدة وأحقابا طويلة، وهم لا يحسون بلظاها.
إن النتائج السلبية الضارة للإلحاد لا بد أن تحيق[79] بالمجتمعات الملحدة مثلما أن الحرق لا بد أن ينتج عن ملامسة النار، والفارق الوحيد هو تأخر النتائج في الظهور في حالة الإلحاد، وحدوثها الآني في حالة النار. ولربما أضفنا إلى ذلك فارقا آخر هو أن رفع اليد عن النار يوقف الحرق في الحال، وإن استمر الألم بضعة أيام، أما في حالة الإلحاد أو الاختلالات الثقافية بصفة عامة، فمن المستحيل القضاء على السبب بالسرعة نفسها، كما أن من المستحيل تجنب الأضرار والنتائج السلبية لعشرات السنين.
فالأخطاء الاعتقادية، مثل الأخطاء العلمية والرياضية، لا بد أن تفضي بالحياة المبنية عليها إلى البوار والإخفاق، ولا بد أن تنتقم الحقيقة لنفسها من كل من يغفلها أو يستهين بها ويسلك في هذه الحياة طريقا مناقضا لمقتضياتها، وإن تأخر الانتقام في حالات وعاجل الناس في حالات أخرى.
وهذه أوربا يشهد فلاسفتها ومفكروها بأن السعادة قد ضاعت منها. يقول برتراند راسل: "إن حيوانات عالمنا يغمرها السرور والفرح، على حين كان الناس أجدر من الحيوان بهذه السعادة، ولكنهم محرومون من نعمتها في عالمنا الحديث" ولقد: "أصبح من المستحيل الحصول على هذه النعمة: أي السعادة".
لقد ضاعت السعادة، وهي الهدف الأقصى للحياة الأوربية وللأخلاق الأوربية، وذلك على الرغم من كل مظاهر التقدم المادي، لقد ضاع - إذن - كل شىء!
فهل بعد هذا إخفاق؟ وهل بعد هذا قنوط؟ وهل فوق هذا انتقام؟ لا أظن.
ومن العجيب حقا أن محاولات الإصلاح في الغرب لم تتجه إلى إجراءات ثانوية لا تمس المصدر الثقافي لهذه الاختلالات أو الإخفاقات وذلك على الرغم من كشف عدد من العلماء والفلاسفة للاتجاه الصحيح[80].
سادسا. رجوع كثير من الملحدين واعترافهم بوجود الله بعد طول تأمل وثاقب نظر:
نتيجة للآثار السلبية المدمرة للكفر والإلحاد، وبعد التفكير العميق والتأمل الطويل، رجع كثير من الماديين إلى فطرته الأصلية واعترف بوجود الله، وأدركوا أن الوجود لا يمكن أن يقتصر على المادة، وأن المعرفة لها مصادر وموضوعات غير حسية وغير مادية، وأن الأخلاق لا يمكن أن تخضع لمعايير المنفعة المادية وحدها، ففي عصرنا هذا حاول إدموند هسرل (1859 - 1938م) إثبات ضرب آخر من الوجود غير الوجود الحسي وغير الوجود الذهني أسماه "الوجود الماهوي"، وتابع نيكولاي مارتن (1882م - 1950م) فلسفة "هسرل" مؤكدا استقلال "الوجود الماهوي" عن الوجود المادي وعن الوجود الذاتي، مع إنكار لوجود الله!! وقوام "الوجود الماهوي" أو "الوجود المثالي" عند هسرل وهارتمن، الحقائق المنطقية والرياضية والقيم الخلقية، فهذه الحقائق والقيم "موجودات مثالية" - لا مادية ولا ذاتية.
إن هذه الحقائق وهذه القيم لا تخضع لإرادة الإنسان، إنها تقف في وجه هذه الإرادة وتتمرد عليها، وهذا هو الدليل على وجودها المستقل، أي أن دليل الوجود عند هذه المدرسة هو التمرد على إرادة الإنسان، أوبعبارة أخرى: الموضوعية التي تتسم بها المبادئ العلمية والقيم الخلقية.
وبوسعنا أن نضيف إلى هذا برهان ديكارت الوجودي وبراهين كانط المستندة إلى الأخلاق أو الفروض الأخلاقية الأساسية التي أثبتا بها وجود الله.
بل إن الفلسفة الوجودية المشهورة بإلحادها لم تخل من التيار الدينى؛ فاتجاه كركجارد وكارل ياسبرز الديني معروف في تاريخ الفلسفة المعاصرة، فكلاهما يبقي على الديانة النصرانية وسط ضجيج المادية والإلحاد.
وفضلا عن هذا فإن مقاومة النزعة المادية جاءت - أيضا - من بعض رواد العلم التجريبي نفسه؛ فالعلماء التجريبيون، في مجالات الفيزياء والكيمياء والأحياء، وغيرها، انقسموا من حيث مذهبهم الوجودي إلى ماديين وغير ماديين، وإن كانت الأغلبية الساحقة تتبع المادية الحسية، وتصر على رفض كل شىء لا يخضع للتجربة والملاحظة، بما في ذلك الإيمان بالله.
فهذا ألكسيس كاريل يقرر بوضوح أن النزعة المادية هي سبب الشر والخطأ والقصور في الثقافة الأوربية، وأن الخلاص من المادية هو الطريق القويم لتصحيح كل الأخطاء والانحرافات، وإحداث التغييرات الجذرية الكبرى المطلوبة في الحياة الأوربية، ويدرك كاريل أن المادية المسيطرة سوف تقاوم اتجاهه بكل قوة، فيقول: "ولما كان من الواضح أن تحرير الإنسان من المذهب المادي سوف يقلب أغلب جوانب حياتنا، فإن المجتمع العصري (المادي) سوف يعارض بكل قوته هذا التقدم في آرائنا".
ويدعو كاريل إلى أن يسير الإنسان قدما في طريق الدين، وأن يحاول أن يعرف الله، أو بتعبيره هو، أن يحاول فهم الإنسان أو المصدر الغيبي غير المنظور لهذا العالم. ولا يلجأ كاريل إلى إيراد البراهين العقلية على وجود الله، ويقول: إن "الشخص المتجرد من حب متاع الدنيا يمكنه أن يشعر بوجود الله كما يشعر بحرارة الشمس، أو بعطف أحد الأصدقاء عليه".
ويؤمن كاريل بأن عبادة الله يمكن أن تشفي المرضى على نحو معجز، ويذكر أن دراسات عن الشفاء الإعجازي عن طريق الصلاة قد بدأت في الولايات المتحدة، وإن كانت الصلاة أسمى من أن يفهمها الفلاسفة والعلماء؛ لأنها: "سمو لا يدركه العقل، إنها استغراق الشعور في تأمله لمبدأ يخترق عالمنا، ويسمو عليه".
ويؤيد كاريل الاتجاهات المعاصرة لدراسة ما وراء الطبيعة، أو الميتافيزيقا، أو الوجود غير المادي، ويعيد إلى الميتافيزيقا الثقة حين يقرر أنها مثل الفسيولوجيا[81] وعلم النفس، وإن كانت مجالا لتعدد الآراء والمذاهب. وهو بهذا يتصدى لمزاعم كثيرة روجت لها الفلسفات المادية والوضعية والعقلانية[82].
والملاحظ أنه كلما اتسع نطاق العلوم وانكشفت دقائق الطبيعة وأسرارها فقدت فلسفة الماديين والملحدين مكانتها، وها هم كبار رجال العلم على مستوى العالم يعتقدون جميعا، ويؤمنون بقوة خارقة مدركة متعالية عن إدراك البشر، أو يعتقدون أن للخلق سرا لا يمكنهم إدراكه.
ومن هؤلاء: نيوتن، وهو من كبار علماء الفلك والرياضيات، وباستير، عالم الطب ومنشىء علم البكتريولوجيا [83]، ولاباس، أحد كبار الرياضيين والفلكيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
يقول أحد العلماء، وهو كميل فلاماريون في كتابه "الله في الطبيعة":
إذا انتقلنا من ساحة المحسوسات إلى الروحانيات، فإن الله يتجلى لنا بمفهوم روح دائم موجود في حقيقة كل شىء، ليس سلطانا يحكم من فوق السماوات، بل هو نظام مستتر مهيمن على كافة الموجودات، وليس مقيما في جنة مكتظة بالصلحاء والملائكة، بل إن الفضاء اللانهائي مملوء به، فهو موجود مستقر في كل نقطة من الفضاء، وفي كل لحظة من الزمان.
وبتعبير أصح هو قيوم لا نهائي منزه عن المكان والزمان، والتسلسل والتعاقب. وهذا من النتائج القاطعة التي استنبطت من تلك القواعد الثابتة للعلم كنسبية الحركة وقدم القوانين.
إن النظام العام الحاكم في الطبيعة يدل على أن القدرة المطلقة الإلهية هي الحافظة المستترة للكون، وهي النظام الحقيقي، هي المصدر الأصلي لكافة القوانين الطبيعية وأشكالها ومظاهرها.
أما لابلاس فبعد أن درس المجموعة الشمسية يقول: "إن النظام المحير للعقول المشاهد في حركات الأجرام التي تتألف منها المجموعة الشمسية لا يمكن أن يحمل على التصادف، بل التصادف كلمة لا يصح النطق بها في لغة العلم.
إن التصادف معدوم ومحال في هذا العالم الذي نرى فيه كل شىء خاضعا لقوانين الموازنة وقوانين الحساب التي عينتها إرادة غيبية وحكمة بالغة"[84].
إن مجموعة كبيرة من العلماء والأدباء، والفلاسفة الأوربيين، وغير الأوربيين، تحذر من مغبة السير على الخطوط الثقافية الأوربية وتنقذ أصول هذه الثقافة وفروعها، وتبذل قصارى جهدها للكشف عن أفكار ومبادئ ثقافية جديدة. ونريد الآن أن نعرض نماذج من آراء هؤلاء الغربيين وتحذيراتهم فهذه التحذيرات تمثل تقويما إجماليا لثقافتهم.
ونبدأ برأي جون ستيورات مل (1806م - 1873م) الفيلسوف الإنجليزي المشهور، صاحب المذهب النفعي في الأخلاق، وأحد أنصار النزعة الليبرالية الكبار، يأخذ مل على النظريات الأوربية في الإنسان ضيق أفقها الذي أفضى بها إلى: "فهم جزء من الحقيقة على أنه الحقيقة كلها".
ويقول مل في نقده لهذه النظريات: "إنها كانت مصيبة في ما أثبتت، مخطئة في ما أنكرت". يريد بذلك أنها حين اعترفت بالجانب المادي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي في حياة الإنسان، كانت على حق، ولكن إنكار الجوانب الأخرى، لحساب جانب واحد كان خطأ.
وهذا هو أحد العيوب الأساسية في الفلسفات الأوربية الحديثة والمعاصرة، أعنى: عجزها عن النظر إلى الحياة الإنسانية نظرة شاملة فزعمت أيديولوجية[85] فرويد - مثلا - أن السعادة الإنسانية ترتهن بالحياة الجنسية الخالية من الكبت في حين اقتنع ماركس بأن الاقتصاد هو مركز الوجود.
هذه النزعة التجزيئية المتطرفة هي الخاصية المشتركة للفلسفة الحديثة.
إن جانبا واحدا من جوانب الحياة الإنسانية ينتزع من سياقه الصحيح، ويبالغ في أهميته مبالغة تتجاوز كل الحدود المعقولة، فهم - بعبارة أخرى: يتصورون الجزء - خطأ - على أنه الكل".
وهكذا نرى أن الخلل الأساسي في الموقف الأوربي هو خلل ثقافي، بل في قلب الثقافة وجوهرها، ألا وهو النظرة في الإنسان، ويقول بيتريم سوروكين Pitirim A. Sorokin[86]: "إن كل جانب من حياة المجتمع الأوربي مريض وعقله مريض، ولا تكاد توجد نقطة صغيرة واحدة على جسده إلا ويعتورها الألم، ولقد اضطرب جهازه العصبي بجميع أليافه العصبية، فلم يعد قادرا على أداء عمله على النحو السديد. ويبدو أننا نعيش بين عهدين: عهد ثقافتنا الحسية المحتضرة - ثقافة ماضينا المجيد، وعهد الثقافة المثالية المقبلة في الغد الخلاق؛ إننا نعيش ونفكر، ونعمل في اللحظات الأخيرة من عهد حسي مشرق امتد ستمائة عام، ولا تزال أشعة الشمس الماثلة تبرز أمجاد عهدنا الماضي، ولكن الضياء يذوي، وفي الظلام المتكاثف يعسر أن نرى بوضوح، وأن نقود أنفسنا في أمان عبر لحظات الاضطراب عند الغسق.
إن ليل فترة الانتقال بدأ يلوح أمام أعيننا تصحبه كوابيسه المزعجة، وظلامه المخيف، ورعبه الذي يزلزل القلوب، وعلى الرغم من ذلك يلوح لنا - من وراء ذلك الليل - فجر ثقافة مثالية جديدة عظيمة، ربما يتلبث هناك لكي يحيي إنسان المستقبل".
فالمجتمع الغربي في أزمة شاملة، والمرض تفشى في جسده وعقله، في حضارته وثقافته، في سلوكه وفي فكره، إن ثقافته الحسية تحتضر وتموت، والأمل يراود سوروكين في بزوغ فجر ثقافة "مثالية" جديدة، وتعيش أوربا اليوم في عتمة، وتضطرب خطواتها، ويحل عليها ليل فترة الانتقال "من ثقافة الحس إلى ثقافة الفكر" بظلامه وكوابيسه المزعجة.
ويرى هارولد تيتوس Harold H. Titus أن نظرة الأوربيين إلى الإنسان تنطوي على خطأ قاتل، والدليل على ذلك هو مسيرة الأحداث في العقود الأخيرة من هذا القرن: "لقد فاز الإنسان بقوى جديدة كبرى، في مجالات العلم والتكنولوجيا، غير أن هذه القوى استخدمت لأغراض التدمير بكثرة زائدة، ولقد مدد الإنسان بسرعة نطاق معرفته وجود نوعيتها، غير أنه لم يتقدم نحو السعادة وخفض العيش إلا قليلا، هذا إذا كان قد تقدم في هذا الاتجاه على الإطلاق، ولقد صمم الإنسان المخططات وأنشأ المؤسسات العديدة ليفوز بمزيد من الأمن والراحة، ومع ذلك فهو يعاني من الخوف العقلي والوجداني، فيما يتصل بمعنى الحياة وطبيعة العالم الذي يعيش فيه ونوع الحياة التي يريد أن يحياها مع إخوته من بني البشر".
فثمة إذًا خطأ جسيم في بناء الثقافة الأوربية ألا وهو نظرتها إلى الإنسان وحياته، ومكانته في هذا العالم، والأحداث الواقعية في الحياة الأوربية والأمريكية تبرهن على وجود هذا الخطأ المميت. فقوة العلم تستخدم لإبادة البشر "60 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية" وتدمير المدن، والتقدم العقلي والعلمي والصناعي لم يقرب الأوربيين من مثلهم الأعلى وهو السعادة، وإذا كانت الراحة البدنية قد تحققت فإن خوف الأوربيين من أن يكونوا قد فهموا معنى الحياة خطأ هو خوف ملازم لعقولهم، إنهم ليسوا على يقين من صحة مفاهيمهم، وهذا هو الخلل الجذري في موقفهم الراهن تجاه الإنسان والحياة الإنسانية، وهو خلل ثقافي دون ريب.
صفوة القول إذن أن قوة العلم قد سخرت لإبادة الإنسان نفسه، ومعرفته المتنامية أبعدته عن السعادة وعن فهم نفسه وحياته، وهذا هو التناقض عينه، ويقرر العالم البيولوجي كونكلين E. g-Conklin في كتابه "Man, Real and Ideal" الإنسان، الواقع والمثال" أن "الجنس البشري الآن في أشد أزمة مر بها في تاريخه الطويل".
ويقول نوثروب F. S. C. Nothrop - وهو عالم اجتماع -: "إن عالمنا هذا عالم متناقض، فالمنجزات التي تمثل أمجاده هي التي تهدده بالدمار، ويبدو أننا كلما تقدمنا في الحضارة، فقدنا القدرة على الحفاظ عليها".
يشير بذلك إلى الحقيقة القائلة بأن تاريخ التطور العلمي والحضاري في أوربا هو في الوقت نفسه تاريخ تطور القدرة على التدمير والتخريب والإفناء، والعلة من وراء هذا التناقض في عالمنا المعاصر - وهو عالم أوربي غربي أو مغرب - تتمثل في عطب أصاب الثقافة الأوربية، فهي قد ركزت جهودها للكشف عن مصادر القوة، دون أن تعني بإيجاد الضوابط أو الكوابح الأخلاقية التي تضمن إخضاعها للأهداف الإنسانية.
وأما برتراند رسل (1872م - 1970م) الفيلسوف والرياضي الإنجليزي فقد أفزعته إلى أبعد الحدود مظاهر التدمير والتخريب والقتل التي عمرت بها الحرب العالمية الثانية، وما أحدثه هتلر وموسوليني فيها من أساليب وحشية، فقال رسل: "إن وصف الإنسان بأنه وحش ظلم للوحوش، إن مركبا من الذكاء العلمي، شر إبليس هو الذي تمثل في قادة الدولتين الأوربيتين ألمانيا وإيطاليا، ملأ أوربا بالرعب والفزع والخوف الذي لا نظير له، ولقد تخيل الإنسان جهنم في الماضي، ولكنه جسد ذلك الخيال في وقائع في أوربا في العصر الحديث".
فهذا هو الإنسان وهذه هي الإنسانية التي أنضجتها الثقافة الأوربية، لقد تحول الإنسان الأوربي إلى وحش، وليس في الحرب فقط، كما ذكر برتراند رسل، "ولكن في الاستعمار، ومعاملة الشعوب الملونة، في آسيا وإفريقيا وأمريكا، ولا يزال إلى اليوم عاجزا عن الكف عن استغلالها وظلمها ونهبها.
ويدعو ألكسيس كاريل (1873م - 1944م) إلى إحداث تغييرات جذرية في المبادئ والاهتمامات والاتجاهات الأساسية للثقافة الأوربية المعاصرة، بحيث تمتد اهتماماتها العلمية والفكرية لتشمل الإنسان من جميع جوانبه، بدلا من التركيز على جسمه وإهمال روحه وأخلاقه، أو الانصراف إلى علوم الجماد والحيوان علىحساب علوم الإنسان الروحية والعقلية، والأخلاقية والجمالية.
وينادي كاريل بضرورة: "قلب الحضارة الصناعية، وظهور فكرة أخرى للتقدم البشرى". ويقول: "إن من الواجب أن يحول اهتمام البشرية من الآلات وعالم الجماد إلى جسم الإنسان وروحه، إلى العمليات العقلية والعضوية التي ابتدعت الآلات، وابتدعت دنيا نيوتن وآينشتين".
ويتهم كاريل النزعة المادية، والصناعية الطاغية في الثقافة الغربية بتحطيم "الثقافة والجمال والأخلاق"، كما يتهم التعليم العلمي التجريبي بأنه السبب في ذيوع الغباء وبلادة الذهن، ويصور كاريل الأصداء الاجتماعية للانحراف الثقافي فيقول: "إن الشرطة في المجتمعات الغربية أصبحت هي التي تحمي المجرمين، وأصبح الأثرياء ينعمون بكل الحقوق، ويستطيعون اقتراف كل الرذائل الخلقية دون أن يفقدوا احترام الناس.
وكلنا يعلم أن كتاب كاريل: "الإنسان ذلك المجهول" إنما هو حملة علمية ضد التوجهات الثقافية والاجتماعية والفلسفية الأوربية، ودعوة قوية إلى إحداث تغيرات أساسية، وقلب الأوضاع الخاطئة، وإيجاد ثقافة جديدة أو فكر جديد، وأهداف وغايات إنسانية جديدة لأوربا وأمريكا.
وتردد أصداء هذه الصرخة على لسان عالم آخر أمريكي من أصل فرنسي أيضا، مثل كاريل تماما، وهو حائز على جائزة نوبل في العلوم لعام 1976م، بالاشتراك مع عالم آخر، هذا العالم هو رينيه دوبو الذي نادى بثورة فكرية وشعورية، يكون هدفها إنشاء معتقدات إيجابية جديدة وأخلاق اجتماعية جديدة، ودين جديد، ويرى أن هذا العمل يحتاج إلى جهد جماعي وإيمان موحد، لكن هذا الإيمان غير موجود، ولهذا فإنه يرى أن أهم الواجبات الملقاة على الأمريكيين والأوربيين اليوم هو: البحث عن معنى لحياتهم. أي عن الإيمان بهدف كبير لحياتهم يجعل لهذه الحياة معنى.
ويرجع دوبو القول بأن البشرية سوف تدمر نفسها بنفسها، والترسانات النووية جاهزة لدى المعسكرين المتناحرين لإنجاز هذا الهدف على أكمل وجه، وحتى لو لم يقع الدمار الشامل فإن دوبو يرجح تخلى البشرية عن قيم المدنية الغربية؛ إن الوجود الإنساني مهدد بالأسلحة النووية، وتلوث البيئة، ونفاد الطاقة وما يعنيه من انعدام التيار الكهربائي، ثم فساد الأخلاق والآداب، وهناك تهديد آخر يتمثل في نمو التشديد في القوانين الخانقة للمجتمع الإنساني، وضياع حرمة المنزل الأمر الذي قد يؤدي إلى استحالة الحياة المتحضرة.
ويعدد دوبو مظاهر الإخفاق في الحياة الأمريكية والأوربية فيذكر ضمن قائمة المشكلات الطويلة: المشكلة العنصرية، والعزلة، والقلق، والغربة النفسية، وقبح المدن والحواضر الكبرى، وألوان المظالم الفردية والطبقية والدولية، والجنون العام الذي يسبب تهديدا دائما بالحرب النووية.
ويضيف إلى ذلك: اضطراب وسائل النقل والتركيز الزائد على الراحة البدنية والمادية، وذيوع الأنانية، وافتقاد السلوك الاجتماعي والتضحية "بالكيف" في مجالات التربية والإنتاج، وذيوع الرغبة في امتلاك القوة عن طريق العدوان، وجمع المال بالطرق العدوانية وغير المشروعة وتدمير الجمال الطبيعي، واغتصاب البيئة "كأننا الجيل الأخير الذي يعيش على ظهر هذه الأرض"، هكذا يقول دوبو في حسرة وألم.
وأما المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي فيبدو متحفظا كطابع قومه"الأنجلو ساكسون" كما يتحلى كلامه بنبرة من التفاؤل حين يتعرض لتقويم الثقافة الغربية، فهو يرى أن قصور الطاقة الإبداعية لدى الأقلية الزائدة هو سبب انهيار الحضارات، ويقول: إن أوربا لاتزال تملك هذه الطاقة الإبداعية، ومن ثم الأمل في استمرار الحضارة الغربية.
وعلى الرغم من نبرة التفاؤل هذه فإن توينبي يقرر أن عصر اضطرابات الحضارة الغربية قد أناخ[87] - بلا مراء - بكلكله[88] على الغربيين، وعصر الاضطرابات بحسب نظرية توينبي هو المرحلة الأولى لانهيار الحضارة، ثم تتلوها مرحلة الدولة العالمية، ثم الانهيار. ومعنى هذا أن الحضارة الغربية لا تزال تأمل في الحياة بضعة قرون.
و توينبي - مع ذلك - لا يستطيع أن يخفي سخطه وحمقه على الفراغ الروحي: "الذي خلقناه بأيدينا، فراغ يتمثل في ترحيبنا بروح إفريقيا الاستوائية في الموسيقى والرقص، وفي إبرام محالفة - غير مقدسة - بين فن النحت وبين روح بيزنطية كاذبة يبدو أثرها في التصوير والنقش البارز، وقد حطت تلك التأثيرات على بيت ألفته خاليا ومزينا". (يعني أوربا).
ولا تمت مظاهر هذا الانحدار - في جوهرها - إلى الفن لكنها روحانية الطابع؛ فإحلال الفنون الإفريقية محل الفنون الأوربية - في أوربا نفسها - إنما هو في رأيه: "نتيجة نوع من الانهيار الروحاني في حضارتنا الغربية". أي في الثقافة الأوربية نفسها "فكلمة حضارة هنا لا يمكن أن تعني إلا الثقافة" إذن أوربا تعاني من الفراغ الروحي أو الانهيار الروحي، الأمر الذي حمل الأوربيين على اقتباس الفنون الإفريقية، فنون المستعمرات الأوربية السابقة، فنون الزنوج الذين يصنفون طبقا للعنصرية الأمريكية والأوربية في أدنى درجات البشر.
وهذا رجاء جارودي، الذي وجد خلاصه الروحي في اعتناق الإسلام، يقرر أن "الحضارة الغربية تمضي بالعالم إلى الهاوية بما أنتجته من آلات واختراعات تملأ حياتنا وتغزونا من كل جانب وتشوش تصورنا"، ويضيف: "لا بد من تأمل مستقل في المسار التاريخي لتطور الحضارة الغربية، وما آلت إليه"، والهدف من وراء ذلك بطبيعة الحال هو تغيير مسارها الخطر إلى أهداف إنسانية صحيحة.
إن العلوم الأوربية أدت إلى تدمير ستين مليون إنسان منذ الحرب العالمية الثانية وقنبلة هيروشيما؛ وإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه فإننا سنواجه أضعاف أضعاف ما عشناه ويلات وكوارث".
ولا تزال الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ودول أوربا الغنية تنفق بسرف وبذخ على التسليح في حين تضن بمعوناتها على الأطفال الجياع في العالم، بل إن الولايات المتحدة تلقى بالكثير من إنتاجها الزراعي في البحر، وتشجع المزارعين على عدم زراعة أراضيهم، في حين يخيم شبح الجوع على ربع أطفال العالم النامي، ويموت بسبب الجوع وسوء التغذية والعلاج أربعون ألف طفل كل يوم، في عالم يملك وسائل إيقاف ذلك، وهذه وصمة عار للثقافة السائدة.
ويقول مكتب الأمم المتحدة للأطفال: إن 260 مليون نسمة في 24 دولة يعانون آلام الجوع، وإن 100 مليون طفل ينامون جائعين كل ليلة. والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية مسئولة مسئولية مباشرة عن هذه المصائب؛ لأنها هي السبب في التوتر الدولي وإشعال الحروب والنزاعات الإقليمية من أجل تسويق السلاح وتوسيع مناطق النفوذ، ثم إنها هي السبب في فقر الكثير من دول إفريقيا وآسيا التي نهبتها أيام الاستعمار لصالح تنمية الدول الأوربية، ولصالح إعمار القارة الأمريكية بسواعد العبيد المجلوبين من إفريقيا.
وفى ختام ردنا على فكر الملحدين وشبهاتهم نقول:
الإيمان بوجود الله فيه سعادة الفرد والمجتمع، فالثقافة الإسلامية هي التي تبني نظاما أخلاقيا دينيا ثابتا مطلقا، قوامه الإيمان بثواب الله الأخروي، وجوهره الإيثار الذي يتمثل في تقديم حظ الآخرين على حظ النفس بدرجة أو بأخرى؛ طلبا للفوز بالسعادة الأخروية.
ويقول جمال الدين الأفغانى: "وأما الاعتقاد بالألوهية وبيوم الجزاء، وفحواه الإيمان بأن للعالم صانعا عالما بكل شىء، وسامي القدرة، وأنه قدر للخير والشر جزاء يوفاه مستحقه في الدار الآخرة، فهذه العقيدة هي الوحيدة التي تقمع الشهوة، وتردع الهوى، فهذان الاعتقادان هما وسيلة إحقاق الحق، والتوقف عن الشرود في السر والعلن.. وذلك أن العلة الغائية لأعمال الإنسان هي نفسه، فإذا لم يؤمن بأن هناك ثوابا وعقابا، فلا يوجد ما يحمله على تحمل الفضائل والابتعاد عن الرذائل، وخصوصا إذا كان في مأمن من الناس.
وإن النظر في الحالة الدينية للبلاد التي يشيع فيها الإلحاد يبدي أن القيم الإيمانية قد نحيت رأسا عن إدارة الحياة وعن التكوين النفسي للأفراد؛ فلذلك اجتالتهم المذاهب الإلحادية باسم العلم عن حقائق الدين الكبيرة، وذلك قصاراه أن يعطي معنى أن الدين قد غيب عن الحياة، أو أن الدين المعين لا يرضى الضمير الإنساني والمدارك السوية، فأما الإسلام فهو بمعزل عن هذه التيارات، وبلاده أقل البقاع في ظهور مثل هذه المذاهب.
وما يعقلها إلا العالمون وما يتذكر إلا أولو الألباب
[1]. الملحدون: جمع ملحد، وهو الذي ينكر الألوهية ويرفض أدلتها.
[2]. الماديون: جمع مادي، وهو الذي يرجع كل شيء إلى المادة؛ أي: صاحب نظرية مادية للأمور.
[3]. المبثوثة: المنتشرة.
[4]. تضاعيف الكون: نواحيه وأرجاؤه.
[5]. الأكسجين: عنصر غازي من عناصر الهواء، عديم اللون والطعم والرائحة، يكون خمس الهواء الجوي، يعد أساس التأكسد والاحتراق وضروريا لتنفس الإنسان والحيوان.
[6]. الخلية: وحدة بناء الأحياء من نبات أو حيوان، صغيرة الحجم لا ترى بالعين المجردة، وتتألف المادة الحية للخلية ـ وهي البروتوبلازم ـ من النواة والسيتوبلازم وغشاء بلازمي يحيط بها، ويحيط بالخلية النباتية كذلك جدار خلوي يتكون من السليلوز.
[7]. الأيدروجين أو الهيدروجين: غاز عديم اللون والطعم والرائحة، وهو أخف العناصر، يتحد مع الأوكسجين بنسبة خاصة فيكون الماء.
[8]. النواة: جزء الذرة الجوهري الذي تدور حوله الإلكترونات، ويتألف من بروتونات ونيوتورنات، والجمع نويات ونوى.
[9]. البروتون: أحد الجسيمات الأساسية التي تدخل في تركيب النواة، وشحنته موجبة.
[10]. التقريع: التعنيف والتوبيخ.
[11]. المخمل: القطيفة، نسيج له وبر.
[12]. من طريف ما يروى أن الدولة غضبت على جاجارين بسبب هذا التصريح، وأمرته أن يضيف إليه ما ينفيه فقال: ".. فبحثت عن الله فلم أجده"! ونشرت الصحف تصحيحه الثاني بعد الأول بساعات!!
[13]. الناكل: الضعيف، الجبان.
[14]. هكذا يقول دارون، فيقر بالقدرة الإلهية، ولكنه لا ينسبها إلى الله!
[15]. ركائز الإيمان، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص43: 58.
[16]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م، ص50: 53.
[17]. النطفة: خلية جنسية ذكرية موجودة في المني.
[18]. العلقة: قطعة من دم غليظ جامد.
[19]. المضغة: العلقة التي خلق الإنسان منها إذا صارت لحمة.
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله عز وجل: ) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( (الروم: ٢٧) (3018)، وفي مواضع أخرى.
[21]. الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، الباقلاني، طبعة الخانجي، القاهرة،1963م، ص30، 31.
[22]. نهاية الأقدام في علم الكلام، الشهرستاني، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2004م، ص124، 125.
[23]. الجواهر: جمع الجوهر، وهو حقيقة الشيء وذاته، أو أصله ومادته، وهو ما قام بنفسه، ويقابله العرض، وهو: مايقوم بغيره.
[24]. الوحدانية، د. بركات دويدار، دار الآفاق، العربية، القاهرة، ط1، د. ت، ص349، 350.
[25]. المعتزلة: فرقة من الفلاسفة المسلمين، تعد أول مذهب في علم الكلام الإسلامي، اعتمدت على المنطق والقياس في مناقشة القضايا الكلامية، نشأت في البصرة في أواخر القرن الأول الهجري، ويرجع اسمها إلى اعتزال واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري حينما سئل الحسن عن مسألة مرتكب الكبيرة.
[26]. الأشاعرة: فرقة من المتكلمين ينتسبون إلى مؤسسها أبي الحسن الأشعري، تقوم على أساس من التوسط بين السلف والمعتزلة، يخالفون المعتزلة في بعض آدائهم، ويقولون إن معرفة الله بالعقل تحصل، وبالسمع تجب.
[27]. الماتريدية: فرقة من فرق علم الكلام السني، تنسب لشيخها أبي منصور الماتريدي، التزمت في ردها على المخالفين وعرضها للقضايا بمنهج التوسط بين العقل والنقل.
[28]. انظر: الأسس المنهجية لبناء العقيدة الإسلامية، د. يحيى هاشم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1978م، ص35.
[29]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م ، ص53: 55.
[30]. الدهرية: فرقة مادية ظهرت في العهد العباسي جحدت الصانع المدبر، وقالت بقدم الدهر، وبأن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه، كما أنكرت أي شيء لا يمكن إدراكه بالحواس.
[31]. الطبيعيون: هم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة، وأكثروا الخوض في علم تشريح الحيوان، فرأوا فيها عجائب صنع الله ـ عز وجل ـ وبدائع حكمته مما اضطروا معه إلى الاعتراف بفاطر حكيم، إلا أنهم لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم ـ لاعتدال المزاج ـ تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به، فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضا، وإنها تبطل ببطلان مزاجه فينعدم، ثم إذا انعدم فلا يعقل إعادة المعدوم كما زعموا، فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود، فجحدوا الآخرة، وأنكروا الجنة والنار، والحشر والنشر، والقيامة والثواب، فلم يبق عندهم للطاعة ثواب، ولا للمعصية عقاب.
[32]. الماركسية: مذهب نظري يدعو إلى إلغاء حق الفرد في التملك ويدعو إلى الملكية العامة للشعب.
[33]. الدور: توقف كل من الشيئين على الآخر في المنطق.
[34]. الأزلية: مصدر صناعي من أزل: دوام لا بدء له، وأما أزلية العالم فهو مذهب فلسفي يقول بأن العالم لا علة لوجوده فهو قديم.
[35]. علم الطبيعة: علم يبحث عن طبائع المادة وصورها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة، ومعرفة قوانين تبدلها من حيث الصلابة والسيولة والغازية.
[36]. الجزيئات: جمع جزيء، وهو أصغر جزء مستقل من المادة يمكن أن يوجد منفردا، وتظهر فيه خواص المادة وصفاتها، ويتركب من عدة ذرات.
[37]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م ، ص56: 72.
[38]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م، ص73، 74.
[39]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م، ص74: 76.
[40]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م، ص77: 96 بتصرف.
[41]. اتفاقا: مصادفة.
[42]. الأزوت: غاز شفاف لا لون له ولا رائحة ولا طعم، يعتبر من أهم العناصر الطبيعية الحياتية، وهو أكثر غازات الهواء مقدارا، يدخل في تركيب المواد البروتينية والأنسجة الحية الحيوانية والنباتية.
[43]. البيولوجيا: علم عام يشمل علم الأحياء الحيوانية وعلم الأحياء النباتية.
[44]. أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (10/ 234) برقم (4007).
[45]. الفهرنهيت: مقياس لدرجة الحرارة.
[46]. التنور: الفرن الذي يخبز فيه.
[47]. المد: ارتفاع ماء البحر على الشاطئ وامتداده إلى البر، عكسه الجزر.
[48]. تتبارى: تتسابق.
[49]. المجرات: جمع مجرة، وهي مجموعة كبيرة من النجوم، بالإضافة على غازات وغبار، تتراءى من الأرض كوشاح أبيض يعترض السماء.
[50]. الشبكية: غشاء عصبي مبطن لقاع العين، وهو الذي يستقبل المرئيات.
[51]. المخروط البصري: تركيب دقيق في الشبكية مسئول عن الضوء والرؤية.
[52]. العصب البصري: العصب الذي ينقل الإثارة البصرية من العين إلى جذع الدماغ.
[53]. المكين: الحصين المحمي.
[54]. التجريبيون: جمع تجريبي، وهو من يقيم المعرفة على ما تدركه الحواس وحدها، وينكر وجود مبادئ فطرية في النفس وقوانين صادرة عن العقل، ويقابل تلك النظرة النظرة العقلانية.
[55]. الشعيرات: قنوات صغيرة جدا تماثل الشعرة في دقتها.
[56]. الجينات الوراثية: جزيئات مادية دقيقة توجد في صبغيات الخلية وإليها تعزى الصفات المميزة للكائن الحي، وبها تفسر قوانين مندل الوراثية.
[57]. الفرث: بقايا الطعام في البطن.
[58]. القناة الهضمية: قناة في جوف الجسم تتصل بها أعضاء الجهاز الهضمي، تبدأ بالفم وتنتهي بنهاية القولون النازل، وتضم البلعوم والمريء والمعدة والأمعاء.
[59]. الدورة الدموية: دوران الدم في الجسم من الأوردة إلى الشرايين ومن الشرايين إلى الأوردة.
[60]. الغدد الثديية: غدد تفرز اللبن الذي يرضع منه الطفل.
[61]. الكربون: عنصر لا فلزي، أساسي في تكوين الفحم بجميع أنواعه، يوجد على صور مختلفة؛ بعضها متبلور كالفحم، وبعضها غير متبلور كالماس، ويدخل في تركيب جميع الكائنات الحية.
[62]. النيتروجين: عنصر غازي، يشكل ما يقارب خمس الهواء بالكتلة، لا لون له ولا رائحة، يدخل في العديد من المعادن وفي البروتينات، ويستخدم بشكل واسع في كثير من الصناعات المهمة؛ منها الأمونيا، وحمض النتريت، والأسمدة.
[63]. الكبريت: مادة معدنية لا فلزية، صفراء اللون، هشة، لا تنحل في الماء، عديمة الطعم والرائحة، شديدة الاشتعال، ذات لهب أزرق، توجد حول البراكين، تدخل في صناعة البارود الأسود، ومبيدات الحشرات، وتركيب بعض المستحضرات الصيدلية؛ كالأدوية والمراهم، وفي صناعة الثقاب.
[64]. العقيدة الإسلامية في مواجهة التيارات الإلحادية، فرج الله عبد الباري، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2004م ، ص97.
[65]. الانتخاب الطبيعي: نظرية داروين القائلة بأن بقاء الأنواع الحيوانية والنباتية لأفضلها تكيفا مع البيئة، ومنها نظرية تنازع البقاء.
[66]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ (1292)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولود على الفطرة (6928).
[67]. ركائز الإيمان، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص14، 15.
[68]. الإسلام والعقل، د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1988م، ص86: 104.
[69]. السوفسطائيون: فرقة تنكر الحسيات والبدهيات وغيرها، وتعني بالجدل والتلاعب بالألفاظ بقصد الإقناع، وهي فرقة يونانية قديمة عارضها سقراط وكشف عن مغالطتها.
[70]. الرواقيون: جمع رواقي، وهو المنسوب إلى الرواقية، وهي صورة من صور مذهب وحدة الوجود، اشتهرت بآرائها الأخلاقية التي تخضع الخير الأسمى للعقل، وهم من أتباع زينون الفيلسوف اليوناني؛ لأنه كان يعلمهم في رواق، وهم يرون أن السعادة في الفضيلة، وأن الحكيم لا يبالي لذة أو ألما.
[71]. الميتافيزيقا: فرع من الفلسفة يبحث في الموجود الذي خرج من عالم الواقع إلى عالم المعقول.
[72]. العقليين: أنصار المذاهب الفلسفية التي تجعل للعقل الأولوية في تحصيل المعرفة، ومن هؤلاء: أفلاطون، ديكارت، ليبنتز، كانط، لكن الكلمة تطلق خاصة على فلاسفة القرن الثامن عشر الذين رفضوا إقامة المعرفة على الإيمان.
[73]. الاغتراب لغة: يعني ترك العشيرة والوطن، ومصدر الكلمة لاتيني، وهو يعني فقدان الجوهر أو السقوط في التبعية أو فقدان الذات المميزة، أو فقدان التواصل مع المجتمع.
[74]. العصاب: مرض يتميز باضطرابات انفعالية وعاطفية.
[75]. الدهان: اختلال شديد في القوى العقلية، يؤدي إلى اختلال جميع وسائل التكيف والتوافق العقلي والاجتماعي والمهني والديني، مع فقد القدرة على الاستبصار.
[76]. الليبرالية: مذهب يقوم على الاعتقاد في أهمية حرية الفرد ورفاهيته، وإمكانية التقدم الاجتماعي من خلال تغيير التنظيم الاجتماعي وتجديده.
[77]. الإيكولوجيا: علم البيئة، فرع من الأحياء يدرس العلاقات بين الكائنات الحية وبيئتها.
[78]. العطب: الفساد.
[79]. تحيق: تلحق.
[80]. نقد الثقافة الإلحادية، د. أحمد عبد الرحمن إبراهيم، دار هجر، القاهرة، ط1، 1406هـ/ 1985م ، ص37: 43.
[81]. الفسيولوجيا: علم وظائف الأعضاء في الحيوان والنبات.
[82]. نقد الثقافة الإلحادية، د. أحمد عبد الرحمن إبراهيم، دار هجر، القاهرة، ط1، 1406هـ/ 1985م ، ص21: 23.
[83]. البكتريولوجيا: علم الجراثيم، وله أهميته في الطب في مكافحة الأمراض الميكروبية.
[84]. عرفت الله، محمد إبراهيم، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1998م، ص9، 10.
[85]. الأيديولوجية: مجموعة الآراء والأفكار والمعتقدات والفلسفات التي يؤمن بها شعب أو أمة أو حزب أو جماعة.
[86]. سورين كين "بيتريم ألكسندرفيتش": عالم اجتماع أمريكي من أصل روسي، ولد سنة 1889م، كان أستاذا في جامعة ليننجراد، هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1923م، والتحق بجامعة منيوسوتا سنة 1924م، ثم في هارفارد سنة 1931م، وله مؤلفات كبيرة وعديدة، توفي سنة 1968م.
[87]. أناخ عليه: ثقل عليه وضغط.
[88]. الكلكل: الصدر، أو هو ما بين الترقوتين.
[89]. تحمل بين طياتها: تتضمن.
تنكر طائفة من الملحدين [1] الماديين [2]وغيرهم أن يكون لهذا الكون إله خالق مدبر ميسر، بل يزعمون أنه وجد صدفة، وأن ...
مواضع الاتفاق بين الأديان فى القرآن الكريم
إن الأديان السماوية فى الحقيقه دين واحد له اسم واحد هو الإسلام وحين يستخدم الباحثون المسلمون كلمة الأديان فى الكلام عن الأديان الإلهية، فإن المقصد هو التمييز بين ما جاء في القرآن فى الكلام عن الأحكام التى خاطب الله بها محمد صلى الله عليه وسلم وأمته وما حكاه من أحكام خواطب بها الأنبياء من قبله. وفى هذا المقال يعرض الكاتب نقاط الاتفاق فى الأخلاق والسلوك بين ما خوطب به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته وما خوطبت به الأمم السابقة .
التقوى:
التقوى أم الأخلاق وهي من الصفات الأخلاقية المطلوبة فى الأديان، قال تعالى:
"يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" ( 13: الحجرات)
وعلى لسان سيدنا عيسى -عليه السلام- يخاطب قومه، قال تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( (آل عمران:50)
ودفع الله- تعالى - بنى إسرائيل الى طريق التقوى دفعا شديدا، كما يعلم من قوله تعالى : "وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون" َ (الاعراف:171)
ومعلوم أن جميع الأخلاق الفاضلة تتفرع من التقوى -الأخلاق النفسية والسلوكية -ومنها :
البر وحسن المعاملة :
والقرآن الكريم متفق مع الميثاق المأخوذ على بنى اسرائيل فى ذلك، قال تعالى مخاطبا لنا : "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة:8)
كما قال تعالى :"وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ" (البقرة:83)
وقد اشتملت هذه الآية على الإحسان إلى الوالدين وذوي القربى واليتامى والمساكين ... إلى آخر ما فيها وهو فى آيات عديدة فى تشريعات القرآن الأخلاقية والسلوكية للمسلمين، كقوله تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" (الإسراء:23)
وقوله تعالى :"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" (النساء:36)
الزهد
والزهد خلق تجافى عنه الذين يريدون الحياة الدنيا من قوم سيدنا موسى -عليه السلام- حين سال لعابهم لما رأوا من زينة قارون وأبهته وغناه، فزهدهم علماؤهم ووعظوهم، كما فى قوله تعالى :
"وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (القصص:80)
وعبر النصارى عن زهدهم برهبانية ابتدعوها، فأثاب الله المستقيمين,كما قال تعالى : "وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" (الحديد:27)
وزهد الله تعالى المسلمين فى الدنيا فى آيات كثيره منها قوله تعالى : "{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور} [الحديد:20]
المعايشة السلمية:
والمعايشة السلمية داخليا وأيضا خارجيا خلق وسلوك فى دين اليهود والنصارى والمسلمين، وهذا هو الخليل عليه السلام يقول لأبيه : "سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي"(مريم :47) ويتمثل ذلك السلام فى قول موسى وهارون عليهما السلام -لفرعون :
"قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47)(طه :47)وقال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ" (الانفال :61) فالجنوح للسلم مهم، مطلوب فى دينهم ومطلوب يننا .
الكتب السماوية هى الهدى :
نعم تتفق الكتب السماوية على أنها نزلت لتكون هدى للناس، وأنها كذلك تحمل فى تعاليمها الدليل على انها الهدى من الهادي جلَ جلاله، وأنها الطريق إلى سعادة الدنيا وكرامة الآخرة، قال تعالى عن هداية التوراة والإنجيل : "وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ " (ال عمران :4:3)وقال عن هداية القرآن :"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ " ۚ(البقره :185)
ويتحدى الله تعالى المشركين بهداية التوراة التى أنزلها والقرآن الذى نزله يتحداهم أن يتيسر لهم أحسن منهما هدىً فى قوله تعالى : "قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " (القصص:49)
وما دامت كذلك فيجب أن يكون الحكم بما فيها .
الحكم ُبما أنزل الله :
فقد وقع الاتفاق على أن يكون الحكم بما أنزل الله فى كتبه، فهذا هو الدين، وهو الايمان ,وهو الصراط المستقيم ,والسلوك المحفوظ من الهوى والانحراف والزيغ ,قال تعالى عن التوراه : إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( (44(المائدة :44)وقال تعالى عن الانجيل آمرا اهله : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)(المائدة:47)
وقال تعالى عن القرآن الكريم وآمرا نبيه صلى الله عليه وسلم : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ(المائدة :48)
امتثال شرع الله يجلب خيرات الدنيا :امتثال شرع الله تعالى يجلب خيرات الدنيا ,وهذا جزاء حسن لا يقدر عليه وعلى وضعه فى محله إلا الله تعالى ,وخصوصا الجزاء على امتثال ظاهر نابع من خلق كريم فهذا لايعلمه ولا يجزى عليه فى الدنيا والآخرة إلا العليم الخبير جل جلاله ,قال تعالى عن ثمرة اتباع التوراة والإنجيل :
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)(المائدة:66)وقال تعالى عن ثمرة اتباع الإنس والجن لطريقة الإسلام: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)
(الجن:16)
إن الأديان السماوية فى الحقيقه دين واحد له اسم واحد هو الإسلام وحين يستخدم الباحثون المسلمون كلمة الأديان فى الكلام ...
حجة الوداع:منهج وعمل
"حجة الوداع:منهج وعمل"ملخص
الحج فريضة إلهية على جميع المؤمنين، أمر بها ربنا -تبارك وتعالى-جميع أنبيائه ورسله لحكمة بالغة نرى من جوانبها المتعددة طاعة الله -تعالى-فى كل أمر، وتعريض كل من حج البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض فى أشرف أيام السنة، ولو لمرة واحدة فى العمر، وتذكيره بوحدة رسالة السماء، وبالأخوة بين الأنبياء، وبين أتباعهم، وبين الناس جميعا؛ كما تذكرهم بمرحلية الحياة الدنيا، وبحتمية الرجوع إلى الله-تعالى-وبضرورة التوبة، وقضاء الديون، ورد المظالم قبل ذلك، وبوجوب التعود على إخلاص النية لله، وتجديد العهد معه، والانتظام مع حركة الكون فى الخضوع لله-تعالى-وعبادته، وتسبيحه، وحمده، والسجود لجلاله، والتذكير بجهاد السابقين من الأنبياء والمرسلين، والشهداء والصالحين، وتجديد العزم على هزيمة الشيطان وأعوانه ومكائده، والتأكيد على كل من الأخوة الإسلامية والأخوة الإنسانية،وعلى حرمة حقوق العباد، ودمائهم، وأموالهم، وأعراضهم.
وقد استمرت حرمة شعيرة الحج، وقدسية الحرم المكى عبر التاريخ، إلى أيام الجاهلية التى كان الناس قد انحطوا فيها إلى عبادة الأصنام والأوثان، ووصلت أدران هذا الانحطاط إلى ابتداع عدد من التقاليد الجاهلية التى أخرجت عبادة الحج عن إطارها الصحيح، وإن بقيت حرمة هذه الشعيرة، وبقيت قدسية الحرم المكى، ومن هنا كانت ضرورة القيام بحجة الوداع تطهيرا لهذه الشعيرة الربانية العظيمة مما كان قد علق بها من أدران الجاهلية، وعودة بها إلى أصولها الربانية الكريمة: عبادة خالصة لله-تعالى-بعد أن طوى الإسلام العظيم تلك البدع الجاهلية المتوارثة وقضى عليها كما قضى على الشرك بالله، وعلى عبادة الأصنام والأوثان، وطهر بيت الله الحرام من دنسها.ومن الدروس المستفادة من حجة الوداع كمهج حياة ما يلى:(1) ضرورة الإيمان بالله-تعالى-ربا واحدا أحدا، فردا صمدا، بغير شريك، ولا شبيه، ولامنازع، ولا صاحبة ولا ولد، وضرورة تنزيهه-تعالى-عن جمبيع صفات خلقه، وعن كل وصف لايليق بجلاله.(2) التصديق بملائكة الله، وكتبه، ورسله، وبخاتمهم أجمعين، وبالقرآن الكريم، وبأقوال وأفعال النبى والرسول الخاتم-صلى الله عليه وسلم-.(3)التسليم بوحدة رسالة السماء، وبالأخوة بين الأنبياء الذين دعوا جميعا إلى عبادة الله-تعالى-وحده.(4) التسليم بوحدة الجنس البشرى، وبضرورة المساواة بين الناس فى الحقوق والواجبات، والمفاضلة بينهم على أساس من تقوى الله، ومن فهم الإنسان لحقيقة رسالته فى الحياة الدنيا: عبدا لله مطالبا بعبادة ربه بما أمر، وبحسن القيام بواجبات الاستخلاف فى الأرض بعمارتها، وإقامة شرع الله وعدله فيها.(5)الإيمان بالأخوة الإسلامية، وبضرورة الانقياد للحق وأهله، ومحاربة الباطل وجنده.(6) اليقين فى أن الله-تعالى-فضل بعض الرسل، والأنبياء والأفراد على بعض، كما فضل بعض الأزمنة والأماكن على بعض، فجعل مكة المكرمة أشرف بقاع الأرض، وجعل الأيام العشرة الأولى من ذى الحجة أشرف أيام السنة، وجعل يوم عرفة أشرفها على الإطلاق، ومن هنا كان شرف أداء الحج والعمرة، وتحريم دخول الكفار والمشركين إلى الحرم المكى.(7)التسليم بأن الدين عند الله الإسلام ومن ثم التسليم، بفضل الإسلام على غيره من المعتقدات، و بضرورة الالتزام بتعاليمه، والبراءة من جميع الممارسات الجاهلية فى القديم والحديث، وتحديد مصادر تلقى المسلم-فى أمر الدين - بكتاب الله وسنة خاتم أنبيائة ورسله-صلى الله عليه وسلم-.(8) التصديق بأن الدين قد اكتمل، وأن نعمة الله على العباد قد تمت فى حجة الوداع، وأن الأصل فى الشريعة الإسلامية التيسير، والحرص على المصالح المرسلة.(9)الإيمان بحرمة دماء، وأموال، وأعراض الناس، وبضرورة المحافظة عليها، والاقتصاص لها، وسداد الديون ورد المظالم فيها قبل مغادرة هذه الحياة الدنيا.(10)اليقين بحتمية الموت، والبعث والحشر، والحساب والجزاء، وبالخلود فى الحياة القادمة إما فى الجنة أبدا أو فى النار أبدا.(11)التسليم بان الشيطان للإنسان عدو مبين، يتربص للإيقاع به فى سوء عمله من خلال الإغواء باقتراف الخطايا والذنوب-صغيرها وكبيرها.(12)التصديق بأن الحاكم المسلم مؤتمن من قبل المسلمين على تحقيق شرع الله أمرا واقعا فى حياة الناس، فإن قام بذلك فله كل السمع والطاعة، وإن لم يقم بذلك فلا حق له فى السمع أو الطاعة.(13)الإيمان بضرورة تحريم الربا تحريما قطعيا، والنهى عن دعاوى العصبية، والقبلية والعنصرية نهيا قاطعا، وبضرورة تقوى الله فى النساء، ومعرفة كل من الزوجين لحقوقه وواجباته التى شرعها له الله، وبضرورة التأسى برسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأخذ المناسك والتبليغ بما جاء به، ومعرفة فضل الدعاء والابتهال إلى الله –تعالى-وضرورة العمل على جمع كلمة المسلمين، ومنع الاقتتال بينهم.ومن الدروس المستفادة من "حجة الوداع" كبرنامج عمل النقاط التالية:(1) ضرورة العمل على تطهير المجتمعات المسلمة من جميع علائق الجاهلية القديمة والحديثة فى كل أمر من أمور الحياة.(2)العمل على تطبيق شرع الله فى المجتمعات المسلمة، والتعاون مع جميع المسلمين من أجل هذا الهدف النبيل ولو على مراحل متأنية، وتربية الأفراد على حب الله ورسوله، وحب الإسلام، والعمل على تطبيقه أمرا واقعا فى حياة الناس أفرادا ومجتمعات.(3) العمل على التأصيل الإسلامى لجميع المعارف المكتسبة، والممارسات والسلوكيات العامة والخاصة، إنطلاقا من كتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم- مع شرح مثالب الأفكار الوافدة، والمعتقدات والعادات والتقاليد الجاهلية قديما وحديثا.(4)السمع والطاعة للحاكم إذا كان يحكم بكتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-، فإذا مال عنهما فلا سمع ولا طاعة.(5)الدعوة إلى دين الله بالكلمة الطيبة، والحجة البالغة، والحكمة والموعظة الحسنة، والحرص على تعليم الناس بالقدوة الحسنة، وبمباشرة الداعى والمعلم كل لعمله مباشرة مخلصة، متأسيا بما فعله رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فى تعليم أمته أثناء حجة الوداع، مستخدما كل الوسائل التربوية اللازمة من التكرار، وجلب الانتباه، وتحميل الحاضر مسؤلية تبليغ الغائب.(6)العمل على إنصاف المرأة- النصف الأرق فى المجتمع الإنسانى-وقد ظلمت كثيرا فى غيبة شرع الله، ثم رد لها الإسلام كل حقوقها، وحافظ على كرامتها وإنسانيتها، وإن كانت الحضارة المادية المعاصرة تريد استعبادها من جديد بإطلاق الحريات لها بلا حدود.(7) ضرورة الوقوف مع الضعيف حتى يتمكن من الوقوف على قدميه، ومع المظلوم حتى يسترد حقه مهما كلف ذلك من تضحيات.(8)الحرص على تربية المجتمع تربية إسلامية صحيحة، والدعوة إلى المحافظة على دماء، وأموال، وأعراض الناس، وأداء الأمانات، وإشهاد الله-تعالى- على كل عقد، والجمع بين العدل والرحمة فى كل أمر، مع التحذير من الوقوع فى الذنوب والخطايا والآثام- ما ظهر منها وما بطن.(9)الدعوة إلى مراقبة الله فى كل عمل يقوم به الإنسان، والإحساس بهذه المعية هو خير ضابط للسلوك الإنسانى.(10)الدعوة إلى المحافظة على التاريخ الهجرى والشهور القمرية بعد أن ردها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أصولها يوم خلق الله السموات والأرض وذلك في حجة الوداع لأنها أدق علميا من جميع التقاويم الأخرى.(11)الاستفاده بموسم الحج فى عقد مؤتمر سنوى لملوك ورؤساء وزعماء ورجال أعمال العالم الإسلامى لمناقشة قضايا الأمة، ووضع الحلول المانسبة لها.
مصدر
بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2007-11-28
www.elnaggarzr.com
"حجة الوداع:منهج وعمل"ملخص
الحج فريضة إلهية على جميع المؤمنين، أمر بها ربنا -تبارك وتعالى-جميع أنبيائه ورسله ...
الإشارة إلى الأصوات التحت والفوق سمعية
الإشارة إلى الأصوات التحت والفوق سمعية
عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: دخلت على عجوزان من عجز يهود المدينة. فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم. قالت: فكذبتهما. ولم أنعم أن أصدقهما. فخرجتا. ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله! إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا على. فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم. فقال "صدقتا. إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم". قالت: فما رأيته، بعد، في صلاة، إلا يتعوذ من عذاب القبر. رواه مسلم
عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة). قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيراهما جميعا، وأما الكافر، أو المنافق: فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين). رواه البخاري
يظهر من هذا الحديث أنّ المعذبين في القبور – اللهم إنَّا نسألك أن تعيذنا من عذاب القبر – يصدر عنهم والعياذ بالله أصوات مفزعة تسمعها البهائم ولا يسمعها الثقلان " الانس والجانّ " ويبرز في هذا الحديث ملمح إعجازي فيما يختص بأنواع الترددات الصوتيه الشديدة التي تصدر من صراخ أهل القبور وعلاقة ذلك بالمستقبلات (Receivers) الحسية الإلهية التي وافقت هذه الترددات إذ أنها لدى البهائم تستقبل ترددات صوتية لا تعمل عندها الأذن البشرية ولا تحيط بها فسبحان الخالق العظيم الرؤوف الرحيم الحنّان المنّان الذي لو أسمعنا إيّاها كما يسمع بعضنا بعضا لما طاب لنا عيش ولا منام ، ولما تدافن الناس ولصعبت الحياة واختنقت الأنفاس فلا اله إلا أنت يا الله لك الحمد ولك الشكر ولك الثناء الحسن .
وقد أدرجت لكم أحبتي في الله رسما بيانيا يوضح تفاوت المدى السمعي لبعض الكائنات الحيّة مقارنة بالإنسان عند ترددات معينة :
وجه الإعجاز العلمي:
الإشارة النبوية الواضحة إلى أنه هناك أصوات وترددات صوتية لا يسمعها بني الإنسان وتسمعها البهائم وهذا ما أثبته العلم الحديث.
وختاما أسأل الله لي ولكم أن يرزقنا إيمانا صادقا وقلباً حافظا ولساناً للحقِّ لافظاً وأن يرزقنا إخلاصا في العلم العمل ونجاحاً يتبعه فلاح ، وقبولا في الدنيا والآخرة .
المراجع
1) القرءان الكريم
2) صحيح البخاري للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري باب : الميت يسمع خفق النعال.
3) صحيح مسلم بشرح النووي ، باب إستحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم.
4) والسماء ذات الرجع في ضوء علوم الفضاء-الأستاذ الدكتور مسلم شلتوت.
المصدر
بقلم المهندس مراد عبد الوهاب الشوابكه
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
document.getElementById('cloakfc691cf3434b0f025d37da05752f8766').innerHTML = '';
var prefix = 'ma' + 'il' + 'to';
var path = 'hr' + 'ef' + '=';
var addyfc691cf3434b0f025d37da05752f8766 = 'Shau_murad' + '@';
addyfc691cf3434b0f025d37da05752f8766 = addyfc691cf3434b0f025d37da05752f8766 + 'yahoo' + '.' + 'com';
var addy_textfc691cf3434b0f025d37da05752f8766 = 'Shau_murad' + '@' + 'yahoo' + '.' + 'com';document.getElementById('cloakfc691cf3434b0f025d37da05752f8766').innerHTML += ''+addy_textfc691cf3434b0f025d37da05752f8766+'';
الإشارة إلى الأصوات التحت والفوق سمعية
عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: دخلت على عجوزان من عجز يهود ...
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ، الاعجاز العلمي في سورة الذاريات
معجزات القرآن في سورة الذاريات، وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ، الإعجاز العلمي في سورة الذاريات 7
ورد في كتب التفسير: ذات الزينة، حبكها مثل حبك الرمل، ومثل حبك الدرع، ومثل حبك الماء إذا ضربته الريح، فنسجته طرائق. فهل الصورة التالية تصف ما تحَدّث به الصحابة؟ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم،
تفسير { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } - سورة الذاريات 7
نسيج السماء كما ظهر في محاكاة الألفية عام 2005 باستخدام اجهزة الكمبيوتر العملاقة
الموضوع كبير جداً بل هو عظيم والسبب أن ما تراه في الصورة شيء لا يمكن رؤيته بالعين المجردة ولا بالتلسكوبات، وإنما هو مُخرَج لمشروع محاكاة الألفية The Millennium Simulation Project، يُمثّل جزء من السماء عرضه 2.4 مليار سنة ضوئية أو (22,721,472,000,000,000,000,000,000 كيلو متر)، حيث قام العلماء عام 2005 بتحديد مواقع المجرات التي قاموا برصدها وإجراء محاكاة على الحاسبات العملاقة لكشف نمط تكوين السماء وهو ما نراه في الصورة والذي وصفه صحابة رسول الله نقلاً عنه بـ “حبكها مثل حبك الرمل، ومثل حبك الدرع، ومثل حبك الماء إذا ضربته الريح، فنسجته طرائق” و “ذات الخَلْق الحَسَن، حُبِكَت بالنجوم” و “الجعودة“
بالترتيب من البمين الى اليسار: حبك الرمل، وحبك الدرع، وحبك الماء إدا ضربه الريح وحبك السماء (مخرج المحاكاة)
ما يثير الدهشة أنه كيف لمجموعة من الأعراب أن يصفوا وبدقة بالغة وبكل ثقة شيئاً ليس من الممكن رؤيته أو حتى أن يتصوّره العقل البشري من عظم حجمه؟
المحاكاة التالية تمثّل 2.4 مليار سنة ضوئية وستمر بك الى داخل “الحبك” وتذَكّر أن كل نقطة تراها هي عبارة عن مجرّة تحتوي على مئات المليارات من النجوم وتذكّر دائماً أن الله أكبر من كل هذا! أليس هذا ما نقوله قبل كل صلاة وقي كل صلاة؟
{ إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ } سورة الذاريات 8 قال: يتخرّصون يقولون: هذا سحر، ويقولون: هذا أساطير، فبأيّ قولهم يؤخذ؟
قد يتسائل المرء، أين الكرة الأرضية؟ أين نحن من كل هذا؟ التمثيل التالي (ليس محاكاة) قد يساعد!
معجزات القرآن في سورة الذاريات، وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ، الإعجاز العلمي في سورة الذاريات 7
ورد في كتب التفسير: ...
ما هي ٱلْخُنَّسِ؟ ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ؟ معجزات القرآن العلمية في سورة التكوير – 16
ما هي ٱلْخُنَّسِ التي أقسم بها تعالى؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ } التكوير – 16
لا بد أن يكون لهذا القسم شأن يتناسب مع عظمة القسم والمقسوم به، قال أهل التأويل: هي النجوم الدراريّ الخمسة:
بَهْرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرَة، والمُشْتَري – تفسير الطبري، وهي الكواكب المعروفة في ذاك الوقت.
ذكر من قال أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه، فقال: ما { الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال: هي الكواكب.
أي أن الله تعالى أقسم يالكواكب واصفاً إياها بأنها 1- تخنس 2- تجري 3- تكنس!
لتوضيح الموضوع، يتوجب علينا تبسيط المفاهيم لغوياً، فالخنس في لسان العرب هو إنقباضُ الشيء على نفسه والاستخفاء، فالكواكب تدخل في منازل مثل القمر كل حسب موقعها من ناظرها من الأرض فيزداد ضوءها ويقل، وورد الخنوس في سورة الناس { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذُكر الله خَنَس وانقبض، أما الجوار: تجري في السماء، الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرى والشمسُ تَجْرِي، أما الكنس: تكنس ما حولها، كَنَسَ الموضع يَكْنُسُه، بالضم، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عنه. أي أن الله تعالى وصف الكواكب بأنها تنقبض على نفسها وتجري في السماء وتكنس ما حولها من انقاض أو قمامة، قسم قد يبدو في الوهلة الأولى غريب وعجيب! وهذا ما سنوضحه.
عُرفت الكواكب منذ حضارة بابل على أنها أجرام تسير في السماء على عكس النجوم الثابتة. كان بلوتو آخر الكواكب المكتشفة في القرن العشرين وهو الكوكب الذي أحدث أكبر جدل في الأوساط العلمية وأدى إلى صياغة نص لتعريف الكواكب من قبل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006. السبب في ذلك أنه وفي البداية، ظن العلماء بأن حجم بلوتو أكبر من حجم كوكب الأرض فقرروا تصنيفه على أنه “كوكب” ولكن سرعان ما اكتشفوا أن حجم بلوتو أصغر بكثير (18%) من حجم الأرض ولكنهم أبقوا على تصنيفه ككوكب بينما صنفت اجرام أخرى بنفس الحجم على أنها كواكب قزمة.
النظام الشمسي بما فيه من كواكب وكواكب قزمة – معجزات في القران الكريم
الاعجاز العلمي في سورة التكوير – 16
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }
علمياً، تعتمد قوة جاذبية أي جسم على كتلته، فكلّما زادت كتلة الجسم، زادت معها قوة الجذب، فعلى سبيل المثال، تبلغ قوة جاذبية القمر 1/6 جاذبية الأرض، فإذا كان وزن شخص ما على الأرض 60 كيلوجراماً، فإن وزنه على سطح القمر يكون 10 كيلوجرامات. وعليه، فإن قدرة الأرض على جذب أي جسم أقوى بـ 6 مرّات من قدرة القمر، بينما يعتبر العلماء كوكب المشتري “مكنسة شفط كونية” للدور الكبير الذي يلعبه في جذب المذنبات والكويكبات كما بيّنا في مقالتنا وزينّا السماء الدنبا بمصابيح وحفظا.
عند بداية تشكل نظامنا الشمسي، كانت المناطق المحيطة بمركز تكثّف الدخان (السحابة السديمية) مليئة بالكواكب الجنينية (الكِسَف) أو الكويكبات بينما احتوت المناطق الأبعد على الماء والهايدروجين والهيليوم، وقد تكونت الكواكب الصلبة نتيجة تجمّع الكويكبات في أجسام صلبة مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ (داخل الحزام الأبيض) كما هو مبين في الشكل أدناه والتي قامت بدورها بكنس أو تنظيف مداراتها من الكويكبات خلال جريانها، بينما بقيت منطقة حزام الكويكبات على وضعها لعدم وجود كواكب في تلك المنطقة مع العلم أن هناك كوكبين قزمين هما سيريس و فيستا داخل الحزام إلاّ أنهما لم بكونا قادرين على كنس مداراتهما لصغر حجمهما، ولاحظ أيضاً قدرة كوكب المريخ الضعيفة على الكنس مقارنة بكوكب المشتري القوية خارج حزام الكويكبات.
حزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخ Mars والمشتري Jupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها
بعد جدل طويل وواسع، توصّل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006 إلى تعريف “الكَوكَب” ضمن نظامنا الشمسي على أنه جرم سماوي
1- يجري في مدار حول الشمس (جَوار؟)
2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته (خُنّس؟)
3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات (كُنّس؟).
وبناءاً على التعريف السابق، لم يعد كوكب بلوتو يلبي الشروط المذكورة وتم إعادة تصنيفه ليصبح كوكباً قزماً.
هل لاحظت التطابق بين القسم والتعريف؟ هل هذه مصادفة؟ أم أن القسم الذي كان غريباً وعجيباً في بداية المقالة لم يعد كذلك، فالله تعالى وفي ثلاث كلمات {… الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }، صًنَّف الكواكب قبل أن يقوم العلماء بذلك بـ 1430 سنة! في وقت كان الفارق الوحيد بين الأجرام السماوية هو أن النجوم ثابتة والكواكب سيّارة ولم يعرف الناس حقيقة تكوينها.
تعريف الكواكب حسب
الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006 النص القرآني المعنى المرتبط بالنص القرآني
1- جرم سماوي يجري في مدار حول الشمس جوار تجري في السماء، الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرى والشمسُ تَجْرِي
2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته خُنّس إنقباضُ الشيء على نفسه والاستخفاء، وورد الخنوس في سورة الناس { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذُكر الله خَنَس وانقبض
3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات كُنّس كَنَسَ الموضع يَكْنُسُه، بالضم، كَنْساً: كَسَح القُمامَة عنه
لم يستطع العلماء التوصل الى تصنيف الكواكب إلا بعد أن أصبح لديهم في القرن الحادي والعشرين ما يكفي من العلم والتكنولوجيا لمعرفة حقيقة نظامنا الشمسي، مما يطرح السؤال التالي: كيف لآدمي أن يدلي بهذا الوصف دون أن تتوفر له الوسائل العلمية الحديثة؟ جاء هذا القسم ليخبرنا جلّ جلاله بـ { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } التكوير – 19: يقول تعالى ذكره: هذا القرآن لتنزيل رسول كريم، يعني جبريل، نزله على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم. أليس هذا بقسم عظيم؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }،
ما هي ٱلْخُنَّسِ التي أقسم بها تعالى؟ { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ } التكوير – 16
لا بد أن يكون ...
صور تسبح الله .. أجمل سبع أنهار مع البرزخ المائي
ظاهرة البرزخ المائي التي حدثنا عنها القرآن أصبحت مألوفة وهناك مئات الصور التي تظهر هذا البرزخ..إنها صور تدعو لتسبيح الله....
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53].
فهذه الآية الكريمة تتحدث عن ظاهرة عامة في عالم الأنهار والبحار .. وسوف نتأمل اليوم بعض الصور الرائعة لأنهار اختلط فيها ماء عذب مع ماء عكر يحوي رواسب وأملاح... وتشكل البرزخ المائي في مشهد بديع... لنتأمل ونسبح الخالق عز وجل..
ونتذكر آية عظيمة.. قال تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
[النمل: 61].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
ظاهرة البرزخ المائي التي حدثنا عنها القرآن أصبحت مألوفة وهناك مئات الصور التي تظهر هذا البرزخ..إنها صور تدعو لتسبيح ...
الصينية مايو .. محمد أعظم البشر
لم تكن الصينية مايو تشن البالغة من العمر 40 عامًا في يوم من الأيام تعتنق أي دين.. إذن فما هي قصة إسلام الصينية مايو؟تقول مايو تشن -التي أطلقت على نفسها اسم عائشة تيمنًا باسم السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وابنة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه-: كان والدي الذي يعمل أستاذًا في جامعات الصين يذكر -في بعض الأحيان- لي أن أجداده كانوا من المسلمين، ولكنهم تركوا الدين الإسلامي بعد الانتقال من موطنهم الأصلي في جنوب الصين إلى المنطقة الشمالية، فلم يجد الأجداد في الإقليم الذي سكنوه مسجدًا، وكذلك لا يوجد مسلمون، فضاعت الصلاة!ومن ثَمَّ تبعها الزكاة، وتربَّى الجيل الذي جاء بعد الأجداد على الأفكار الشيوعية التي لا تعترف بدين أو خالق لهذا الكون.وتضيف عائشة: كنت لا أهتم حينما يتحدث والدي عن هذا التاريخ، حيث كنتُ أعتبره من الإرث البالي الذي لا يُذكر بنوع من الفخر والتباهي؛ حيث إنني أعيش حياة لا يوجد فيها أي حدود، كل شيء أريد أن أفعله أقوم بفعله، دون أن أخاف من أي شيء، ما دمتُ ملتزمة بالقوانين التي تسير عليها الدولة.وتكمل عائشة: في هذه الأثناء كانت أختي الكبرى قد جاءت إلى دبي لتعمل، وبعد مرور سنة على وجودها هنا أرسلت لنا ما يفيد أنها وجدت السعادة التي ما بعدها سعادة، فتعجبنا كثيرًا وقلنا: إنها ربحت أشياء ثمينة. ولكن قالت: إنني عرفت الله الحق، فعرفت ذاتي؛ لأنني أسلمت.هنا توقعت أن يثور أبي، ولكنه سعد جدًّا لقراءة خبر إسلام أختي مريم في الخطاب الذي أرسلته إلينا، وهنا سألت الوالد: ولو أنا أسلمتُ أو اعتنقتُ ديانة أخرى ستكون في مثل هذه السعادة. ردَّ قائلاً: إنني أعلم أن الإسلام هو الدين الحق، وسأبحثُ بكل دقة حتى أثبت ذلك.تقول عائشة المسلمة الجديدة: بدأت تتبلور فكرة إسلامي بعد مجيئي إلى دبي، واستقبلتني أختي بسلوك يعتبر جديدًا علينا لم أكن أعهده عليها من قبلُ؛ حيث إنها ارتدت ملابس المسلمين، وكثيرًا ما تقرأ في كتابٍ تعظِّمه وتضعه في مكانة عالية في البيت، فعرفتُ أنه القرآن الكريم، وكانت تقوم بحركات على سجادة صغيرة تحافظ دائمًا على طهارتها ونظافتها، علمتُ فيما بعد أنها صلاة المسلمين التي يتقرب فيها العبد إلى خالقه سبحانه وتعالى، وبدأتُ أسأل أصدقاءها عن سر التغيير الذي حدث لأختي، قالوا: إنها أسلمت ودخلت في دين النبي محمد صلى الله عليه وسلم.وتضيف عائشة: في هذه الأثناء قامت أختي بإمدادي بالعديد من الكتب التي تتحدث عن الإسلام في صورة مبسطة، وعندما أنتهي من كتابٍ تعطيني غيره، حتى جاءت اللحظة الحاسمة، حيث قلت لها: كيف أصبح مسلمة؟ هنا تهلَّل وجه أختي؛ فرحًا بما سمعت مني ذلك وهي تكبِّر: الله أكبر، الله أكبر!ثم أخذتني إلى إحدى الأخوات المسلمات من الجنسية الصينية؛ كي تشرح لي بعض المفاهيم الإسلامية مثل وحدانية الله عز وجل، وأنه هو الخالق الوحيد لهذا الكون، وأن الرسل جميعًا أُرسلوا من قِبل الله؛ ليُخرِجوا الناس من عبادة المادة التي طغتْ على كثير من الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء رسولاً من عند الله؛ ليصحِّح ما وقع فيه الناس من أخطاء في عبادتهم وتعاليمهم، وأنه صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل عليهم السلام أجمعين.وعن القرآن الكريم، تقول عائشة: عندما أسمع القرآن الكريم بصوت المقرئين العرب، أشعر أن تيارًا إيمانيًّا يسري في جسدي، فأشعر أنني أحلِّق في فضاء واسع وكبير، تحدث فيه تجليات عظيمة لا أستطيع أن أصفها.وتضيف: لقد سمعتُ القدر اليسير عن سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فاستشعرتُ أنه أعظم إنسان منذ بداية الخليقة حتى يوم القيامة.المصدر: جريدة البيان الإماراتية.
لم تكن الصينية مايو تشن البالغة من العمر 40 عامًا في يوم من الأيام تعتنق أي دين.. إذن فما هي قصة إسلام الصينية ...
مايك تايسون الملاكم الأمريكي
من هو مايك تايسونوُلِدَ تايسون عام 1966م في الثلاثين من شهر يونيو. عاش تايسون حياة قاسية منذ طفولته، فهو ابن إحدى الأسر الزنجية، ترك والده المنزل وهو لا يزال طفلاً، وقد ساعدته عضلاته كثيرًا في أن يصبح متميزًا بين أقرانه، وكان يضرب كل من يخالفه حتى إن إدارة مدرسته اضطرت إلى فصله نهائيًّا؛ خوفًا من خطورته الكبيرة على بقية التلاميذ، وتمَّ إيداعه إحدى دور رعاية الأحداث.وفي هذه الدار لفت (تايسون) بعضلاته الضخمة وتكوينه القوي نظر أحد مدربي الملاكمة فتولاه بالرعاية، وتنبَّأ له بمستقبل كبير في دنيا الملاكمة، وهذا ما حدث بالفعل عندما احترف (تايسون) الملاكمة.وبدأت شهرته عندما أحرز بطولة العالم للوزن الثقيل عام 1985م، لتتوالى انتصاراته بعد ذلك التاريخ؛ حيث استطاع تايسون أن يمتلك سجلاً غنيًّا يضم 50 فوزًا، منها 44 بالضربة القاضية، إضافةً إلى مباراتين لم تُحسَما، محققًا 37 فوزًا متتاليًا منذ إحراز بطولة العالم 1985م، وحتى عام 1990م.
إسلام مايك تايسون
ساعد تايسون في التفكير الجدي في اعتناق الإسلام تمضيةُ ثلاث سنوات في السجن، أي نصف مدة العقوبة التي حُوكم بها وهي ست سنوات في سجن إنديانا للشباب؛ حيث وجد في خلوة السجن فرصة سانحة في مراجعة مسار حياته داخل حلبة الملاكمة وخارجها، فصمم بعد دراسته للإسلام على أن هذا الدين هو الذي سيساعده على تجاوز كل مشكلاته في الحياة.اختار مايك تايسون بعد اعتناقه الإسلام اسمًا جديدًا لنفسه، وهو مالك عبد العزيز، باعتبار أن اسم مالك هو الاسم الإسلامي المقابل لاسم مايك، ورغم نجاحه في تغيير دينه، إلا أنه لم ينجح في تغيير اسمه؛ إذ ظلَّت وسائل الإعلام المختلفة تناديه بمايك تايسون؛ حيث كان إسلام تايسون بالنسبة لوسائل الإعلام الأميركية المختلفة له نفس صدى إسلام محمد علي كلاي في الستينيات.ومن وقتها لاحظ كثيرون كيف أصبح تايسون حنونًا وأكثر تواضعًا واحترامًا بعد اعتناقه الإسلام، فقد أخذ على نفسه عهدًا بالحفاظ على الصلوات الخمس، والالتزام بأوامر الله ونواهيه؛ ليكون مسلمًا صادقًا في إيمانه، ومخلصًا في إسلامه ومطيعًا لربه، راجيًا رضاه ومغفرته[1].يقول مايك تايسون: لقد قضى السجن على غروري، ومنحني الفرصة للتعرف على الإسلام، وإدراك تعاليمه السمحة التي كشفت لي عن حياة أخرى لها مذاق مختلف. وقد أمدني الإسلام بقدرة فائقة على الصبر، وعلمني أن أشكر الله حتى على الكوارث.ويضيف: لم أكن أقبل أن أسلم بدون اقتناع؛ ولهذا كنت مترددًا في بداية الأمر حتى درست القرآن الكريم، ووجدت فيه إجابات على كل الأسئلة عن الحياة والموت، وأشد ما أقنعني في القرآن أنه يحترم اليهودية والمسيحية في الوقت الذي ينكر فيه اليهود المسيح، والمسيحيون ينكرون الإسلام، وكان إسلامي بعد هذا الاقتناع أكثر قوة فيما لو أسلمت دون دراسة أو وعي.وعمّا أضافه الإسلام له، يقول مايك تايسون: كوني مسلمًا لا يعني أنني أصبحت ملاكًا، لكن ذلك سوف يجعلني شخصًا أفضل، أبتعد بنفسي عن الرذائل. وقد خرج تايسون من السجن ليعيش حياة إسلامية هادئة وسط أسرته التي أسلمت جميعًا، وكان أول ما فعله تايسون عقب خروجه من السجن أن توجه إلى أحد المساجد بصحبة أستاذه محمد علي كلاي ولاعب كرة السلة السابق كريم عبد الجبار اللذين كانا في استقباله؛ وذلك لأداء صلاة الشكر لله أن منَّ عليه بنعمة الإسلام[2].[1] موقع عشرينات، الرابط http://www.20at.com/newArticle.php?sid=1307[2] مجلة الجزيرة، العدد 56، الرابط http://www.al-jazirah.com.sa/magazine/28102003/lmazaaslmna26.htm
المصدر: موقع قصة الإسلام
من هو مايك تايسونوُلِدَ تايسون عام 1966م في الثلاثين من شهر يونيو. عاش تايسون حياة قاسية منذ طفولته، فهو ابن إحدى الأسر ...
قصة إسلام فتاة يهودية
أيها الإخوة هذا الدين العظيم الإسلام، إذا وجد من يعرضه عرضا صحيحًا سليمًا، فإن النفوس بفطرها تقبل عليه أياً كان دينها، في هذه القصة تقول صاحبتها: رأيتها بوجهها المضيء في مسجد يقع على ربوة في مدينة أمريكية صغيرة تقرأ القرآن الذي كان مترجم باللغة الإنجليزية، سلمت عليها، وقد ردت ببشاشة، تجاذبنا أطراف الحديث وبسرعة صرنا صديقتين حميمتين، وفي ليلة جمعتنا على شاطئ بحيرة جميلة حكت لي قصة إسلامها تعالوا لنسمع هذه القصة:قالت الأخت نشأت في بيت أمريكي يهودي، في أسرة مفككة، وبعد انفصال أبي عن أمي، تزوج بأخرى أذاقتني أصناف العذاب، فهربت وأنا في السابعة عشرة من ولاية إلى أخرى، حيث التقيت بشباب عرب، وهم كما حكت رفيقاتي المشردات كرماء، وما على إحداهن إلا الابتسام في وجههم حتى تنال عشاء، وفعلت مثلهن، في نهاية كل سهرة، كنت أهرب، فقد كنت لا أحب مثل هذه العلاقات، ثم إنني أكره العرب، ولكني لم أكن سعيدة بحياتي، ولم أشعر بالأمان، بل كنت دائما أشعر بالضيق، والضياع، لجأت إلى الدين لكي أشعر بالروحانية، ولأستمد منه قوة دافعة في الحياة، ولكن اليهود بدينهم لم يقنعوني، وجدته دينا لا يحترم المرأة، ولا يحترم الإنسانية، دين أناني، كرهته، ووجدت فيه التخلف، ولو سألت سؤالاً؟ لم أجد إجابة، فتنصرت!! ولم تكن النصرانية إلا أكثر تناقضا في أشياء لا يصدقها عقل، ويطلبون منا التسليم بها، سألت كثيرًا كيف يقتل الرب ابنه؟ كيف ينجب؟ كيف تكون لديننا ثلاثة آلهة، ولا نرى أحدا منهم؟ احترت، تركت كل شيء، ولكنني كنت أعلم أن للعالم خالقاً، وكنت في كل ليلة أفكر وأفكر حتى الصباح، في ليلة، وفي وقت السحر، كنت على وشك الانتحار من سوء حالتي النفسية، كنت في الحضيض، لا شيء له معنى، المطر يهطل بغزارة، السحب تتراكم وكأنها سجن يحيط بي، والكون حولي يقتلني، ضيق الشجر ينظر إلى ببغض، قطرة مطر تعزف لحنا كريها رتيبا، أنا أطل من نافذة في بيت مهجور، عندها وجدت نفسي أتضرع لله، يا رب أعرف أنك هنا، أعرف أنك تحبني، أنا سجينة، أنا مخلوقتك الضعيفة، أرشدني إلى أين الطريق، رباه إما أن ترشدني، أو تقتلني، كنت أبكي بحرقة حتى غفوت، وفي الصباح صحوت بقلب منشرح غريب علي، كنت أتمتم، خرجت كعادتي إلى الخارج أسعى للرزق، لعل أحدهم يدفع تكاليف فطوري، أو أغسل له الصحون، فأتقاضى أجرها، هناك التقيت بشاب عربي تحدثت إليه طويلاً، وطلب مني بعد الإفطار أن أذهب معه إلى بيته، وعرض علي أن أعيش معه، تقول صديقتي، ذهبت معه، وبينما نحن نتغدى، ونشرب، ونضحك، دخل علينا شاب ملتح اسمه سعد، كما عرفت من جليسي، الذي هتف باسمه متفاجئاً، أخذ هذا الشاب بيد صديقي، وقام بطرده، وبقيت أرتعد فها أنا أمام إرهابي وجها لوجه كما تقول سابقاً، لم يفعل شيئا مخيفاً بل طلب مني وبكل أدب أن أذهب إلى بيتي، فقلت له: لا بيت لي، نظر نحوي بحزن، استشعرته في قسمات وجهه، وقال: حسنًا، ابقي هنا هذه الليلة، فقد كان البرد قارص، وفي الغد ارحلي وخذي هذا المبلغ ينفعك ريثما تجدين عملاً، وهم بالخروج، فاستوقفته، وقلت له: شكراً، فلتبقى هنا، وسأخرج، وستبقى أنت.فقلت له لي رجاء، أريد أن تحدثني عن أسباب تصرفك مع صديقك، ومعي، فجلس، وأخذ يحدثني وعيناه في الأرض، فقال: إنه الإسلام يحرم المحرمات، ويحرم الخلوة بالنساء، وشرب الخمر، ويحثنا على الإحسان إلى الناس، وإلى حسن الخلق، تعجبت أهؤلاء الذين يقال عنهم إرهابيون، لقد كنت أظنهم يحملون مسدساً، ويقتلون كل من يقابلون، هكذا علمني الإعلام الأمريكي، قلت له: أريد أن أعرف أكثر عن الإسلام هل لك أن تخبرني، قال لي سأذهب بك إلى عائلة مسلمة متدينة، تعيش هنا، وأعلم أنهم سيعلمونك خير تعليم، فانطلق بي إليهم، وفي الساعة العاشرة كنت في بيتهم حيث رحبوا بي، وأخذت أسأل، والدكتور سليمان رب الأسرة يجيب، حتى اقتنعت تماما بالفعل، واقتنعت بأني وجدت ما كنت أبحث عنه لأسئلتي، دين صريح، واضح، متوافق مع الفطرة، لم أجد أي صعوبة في تصديق أي شيء مما سمعت كله، حق أحسست بنشوة لا تضاهى، حينها أعلنت إسلامي، وارتديت الحجاب من فوري في نفس اليوم الذي صحوت فيه منشرحة في الساعة الواحدة مساء، أخذتني السيدة إلى أجمل غرف البيت، وقالت: هي لك ابقي فيها ما شئت، رأتني أنظر إلى النافذة، وابتسم، ودموعي تنهمر على خدي، وسألتني عن السبب، قلت لها: إنني كنت بالأمس في مثل هذا الوقت تماما كنت أقف في نافذة، وأتضرع إلى الله ربي، إما أن تدلني على الطريق الحق، وإما أن نميتني، لقد دلني، وأكرمني، وأنا الآن مسلمة محجبة مكرمة، هذا هو الطريق، هذا هو الطريق، وأخذت السيدة تبكي معي، وتحتضنني.
المصدر :شبكة الألوكة
أيها الإخوة هذا الدين العظيم الإسلام، إذا وجد من يعرضه عرضا صحيحًا سليمًا، فإن النفوس بفطرها تقبل عليه أياً كان دينها، ...
قصه حقيقيه : فتاة إعتنقت الإسلام على يد قسيس
قصة بائسة إلى كل مسلم أكتب قصه غيرت حياتى كان البطل الأساسى فيها هو القس زكريا بطرس الذى لا أعرف ان كنت أشكره أم ألعنه. أنا فتاه مسيحية مصرية أسكن فى احدى مدن الوجه البحرى فى أسره فوق المتوسطة قليلا أدرس فى احدى الكليات وأعتذر عن عدم كتابة اسمى حتى لا يفتضح أمرى ورأيت أن هذا أفضل من ذكر اسم مستعار . بدأت قصتى عندما بدأت أتابع برامج الاب زكريا بطرس مع بداية هذا الصيف 2007 ولن تتخيلوا حجم المتعة التى كان يشعر بها أبى وأمى عند متابعه هذة البرامج وبدأوا يعدون هذا الرجل من الأبطال ولكننى كان ينتابنى قلق من نوع أخر فكل أصدقائى فى الجامعة من المسلمين (3 بنات وولدين) نحب بعضنا منذ العام الأول للجامعة ونأخذ دروسنا سويا بالاضافة الى انى كثيرا ما اقضى أوقاتا فى النادى معهم باختصار هم أقرب أصدقائى فكان رعبى من أن يتجنوبننى ويكرهونى بعد مشاهدة تلك البرامج وفى كل مرة أقابلهم فيها فى النادى كنت أشكر ربى أنى أجدهم يتعاملون معى بطريقة عاديه وأقول فى نفسى لم يروا شيئا الحمد لله. وظلت الحال هكذا حتى بدأت أيام الدراسة وزادت مقابلاتى بزملائى بالذات الأولاد منهم الذين كانت علاقتى بهم فى الصيف محدودة واجتمعت الشلة مرة أخرى الى أن جاء يوم وفتح هشام صديقنا الموضوع وهو شخص متدين لدرجة بسيطة وكنا فى شقة احدى زميلاتنا عندئذ لأخذ درس وكان الرعب يتملكنى من تغير حب اصحابى لى ولكنهم لم يوجهوا لى كلام مباشر فوجدت نفسى أقول لهم اننا نكره هذا الرجل وننتقد كلامه وكان من الأشياء التى ضايقتنى هو انى كذبت عليهم ولكنى شعرت بارتياح من ناحيتهم لردى هذا. ولكن الغريب كان صديقنا عمر الذى لم يكن يعلم أى شىء عن الموضوع كله وكان عمر شابا مهذبا جدا وشهم ووسيم ولكنه لم يكن له أى اهتمام بالدين حتى الصلاه لم يكن يعرف لها طريقا أبدا لذا تعجبت جدا من اهتمامه بمعرفة الأمر وسؤال اصحابنا عنه باهتمام حتى وصفوا له كيفية مشاهدة تلك الفيديوهات على اليوتيوب -عندئذ نبت بداخلى أمل غريب فهذا هو عمر الذى طالما كنت أشعر باهتمامه الخاص بى وبنظراته الخاطفة التى يحاول اخفائها فهو شخص راقى جدا لم يحاول أبدا لفت التقرب منى أكثر من علاقة صداقتنا القوية لذا احترمته جدا فهو يشعر بشيئا ما ناحيتى ولكنه قد علم الحاجز الدينى بيننا لذا فانه يحاول قتل هذا الاحساس داخله. اذن قد بدأ الأمل يدب فى فهذا هو عمر قد أخذ قرارا بمشاهدة فيديوهات أبونا زكريا التى كلما رأيتها قال أهلى “أى مسلم عاقل هيشوف الفيديوهات دى لازم يسيب الاسلام” -اذن هناك أمل فى أن يغير عمر دينه ويصبح على نفس دينى وخاصة أنه لا يعرف شيئا عن دينه حتى الصلاه لا يؤديها عندها لن يكون هناك حواجز بيننا ، عدت الى بيتى فى هذا اليوم وكان الأربعاء وعندنا الخميس والجمعة أجازة من الجامعة وكنت فى قمة الأحلام ظللت أحلم بان عمر أصبح مسيحى وترك أهله وجاء الى أبى وأن أبى ساعده وزوجنا لبعض وكنت فى قمة السعادة حتى توجهت الى يسوع وصليت لهذا الأمر طوال الليل . وجاء يوم السبت ورأيته كان على غير عادته ولم يقف معنا سوى دقائق معدوده لكن فى اليوم التالى بدأت الأمور تسير طبيعية وكل شىء عادى فيما عادى تغير عظيم حدث فى حياه عمر لم أكن أتصورة – بدأ عمر يستأذن منا فى أوقات الصلاه ويذهب ليصلى فى جامع الجامعة واذا كان وقت الصلاه فى محاضرة فانه يشجع باقى زملائنا الأولاد على الذهاب بعد المحاضرة حتى يمكنهم أن يصلوا جماعة مع بعض وبدأ الاثنان فى التغير التام شيئا فشيئا وبالذات عمر الذى ربى ذقن خفيفة على وجهه لم تزده الا جاذبية وكانت مأساتى وصدمتى التى لم أكن أستطيع الاستفسار عنها ولا كيف حدثت كونى مسيحية ولايصح الخوض فى هذه الأمور الدينية. لكن عرفت الحقيقة الغريبة فى يوم كانت تتحدث فيه 2 من صديقاتنا وأنا ثالثتهما فى هذا الموضوع وقالت احداهما للأخرى أنا سألت هشام عن سبب تغير عمر فقال لى زكريا بطرس -كان رد الثانية عليها كيف؟ وبمنتهى الدهشة -فقالت لها عندما كنا نتحدث عن هذا الرجل وسمعنا عمر وأرشدناه الى مكان الفيديوهات على يوتيوب فقد تفرج عليها وصدم فى البدايه وثار غيره على دينه وظل يبحث ويشاهد حتى وصل الى فيديوهات اسلامية ترد على أكاذيب هذا الرجل فظل يتابعها باهتمام ومرت الأيام وأصبح هذا الأمر هو شغله الشاغل الى أن بدأ يقرأ عن دينه الذى كان يهمله وانتقل اهتمامه من فيديوهات زكريا بطرس الى المواقع الاسلامية والوعظ والارشاد اللاسلامى حتى وصل به الحال الى ماهو عليه والعجيب أنه لم يتحول الى انسان معقد وثقيل الدم كما كنت أتخيل المتدينين المسلمين ولكنه ظل على ماهو عليه من خفة دم ولكن زادت ايجابياته واعظمها أنه يكرر دائما لكل واحد منا “مش عايزين نتكلم على حد النميمة حرام ” كم كانت خيبتى وصدمتى ماهذا الدين الذى يقوى فى نفوس معتنقيه كلما هوجم وتم انتقاده -ماهذه اللعنة التى بددت الحلم الذى بدأ يدب فى نفسى -لماذا يحدث هذا ؟ هنا وقد بدأت قصتى عدت الى البيت وكلى غضب وعصبية ثم قررت أن أفتح الانترنت نعم أريد أن أشاهد تلك الردود الملعونة التى غيرت حياه هذا الانسان هكذا ما هذه المواقع الاسلامية التى يمكن أن تغير حياه شاب يعيش حياه بدون دين الا بالاسم فقط الى شاب متدين الدين هو أعظم مافى حياته. دخلت عملت سيرش على اسم زكريا بطرس ووجدت عشرات الفيديوهات التى ترد على الأب زكريا فحاولت قراءه بعضها ولم تثيرنى فقد كنت مقتنعة تماما بما يقوله ولكن فى معظم تلك الردود كانت هناك أيات قرأنية كنت أحاول التركيز فيها لمعرفة ما فيها من رد على انتقاد الأب زكريا -وكان بداية الاحساس الغريب ان هذه الكلمات غريبة فعلا -كيف لرجل مثل محمد يصفه كل المسيحيين بالجهل والتخلف وأن كل همه الزواج فقط كيف له أن يؤلف هذة الكلمات الى أن وجدت أمامى فى الركن الأيمن من يوتيوب وهو خاص بالفيديوهات ذات الصلة بالفيديو الذى أشاهده ، أقول وجدت فيديو مكتوبا عليه معجزه فى القرأن فدخلت اليه بفضول وكانت الصدمه كان لدكتور مسلم يتكلم عن معجزات علمية اكتشفها العلم حديثا وذكرها القرأن منذ ألاف السنين ولم أهتم كثيرا ولكن لا أنكر وجود بعض الشك بداخلى لكن أيضا بجانب هذا الفيديو وجدت فيديوهات مشابهة كثيرة كلها تتحدث عن معجزات القرأن وأصبح هذه هى هوايتى الجديدة لمده أسبوعين أتعرض خلالهما لأقصى درجات الحيرة والقلق من كل ماتتخيل من فيديوهات شاهدتها من مناظرات عربية وأجنبية وللأسف فان أبسط مناظرة لأحمد ديدات كفيلة بنسف دينى لكن الحقيقة أننا لانثق فى كلام المسلمين ويتم تحذيرنا من مشاهدة تلك الأشياء. الى أن جاء يوم ووقفت عند فيديو استفزنى جدا كان يسخر من الهى يسوع ويقال فيه كلام قذر عنه لم أتمالك نفسى فوضعت ردا فيه عتاب لواضع الفيديو وتحذير له من غضب وعقاب المسيح الى هنا كنت مسيحية عادية ليس عندى أى احتمال لغيير دينى الى أن رسالة واردة لى على اسمى فى اليوتيوب وكانت من أحد المشتركين وكان يرد على ردى الذى سبق وذكرته وكان كالتالى: عزيزى “اسمى على يوتيوب لايوضح كونى بنت أو ولد” لك حق أن تغضب وأنا معك ومثلك غاضب من السخرية على السيد المسيح ولكن أرجوك ألا تقول مرة أخرى المسيح سينتقم منكم لأن الذى ينتقم ويسامح هو ربى وربك ورب المسيح ولعلمك نحن نحب المسيح أكثر منكم لأننا نحن الذين نطيعه ليس أنتم . انتهت الرسالة وابتدأت معى رحلة جديدة فقد تهت فى هذه الكلمات الغريبة على أذنى ما هذا الذى قاله هل هو مسلم؟ مستحيل فانه يقول ربى وربك ورب المسيحى هل هو مسيحى من طائفة أخرى ؟ لا ان اسمه اسلامى -كل ما اعرفه أن رب المسلمين هو رب محمد الذى يسخر منهما أهلى دائما كيف يقول هذا الشخص أن ربنا وربه واحد ؟ ولكن هناك الأغرب انه يقول أنهم يحبون يسوع أكثر منا – ماهذا الجنون -لم أتمالك نفسى من الرد عليه فكان سؤالى له ماهذا الهراء الذى قلته وأكملت باقى استفسراتى. لم يرد على يوما كاملا وجائنى الرد ثانى يوم مغيرا حياتى كلها: أولا بخصوص الله فان المسيح عليه السلام كان يدعو ربه ويصلى له ويصوم له وذكر لى أياتا من الانجيل تشهد بهذا وكانت كأنى أول مرة أسمعها أو قل أفهمها وأكمل كلامه قائلا ثم جاء سيدنا محمد بدين الاسلام ليكمل به المسيحية مؤكدا على نبوة المسيح ومؤكدا أنه أى محمد يعبد رب المسيح ورب موسى ورب كل الأنبياء اذن ياعزيزى ربنا وربكم واحد وهو رب عيسى ورب محمد -ثانيا بخصوص سؤالك الثانى فنعم نحن نحب عيسى أكثر منكم لأننا لم نصفه بالخروف بل عظمه القرأن ولكن الأهم أننا نطيعه بعكس ماتفعلون فقد دعا عيسى ربه ودعا الى وحدانيتة بدليل (الحياه الأبديه أن يعرفوك انت الاله الحقيقى ويسوع المسيح الذى أرسلته) اذن ياصديقى الحياه الأبدية فى انجيلك أن تقول لا اله الا الله المسيح رسول الله وهذا ما فعلناه نحن المسلمون اذن من منا يطيع يسوع أكثر ويحبه أكثر الذين التزموا بتعاليمة وبتعاليم من جاء بعده أم الذين اختلقوا عليه ألوهية لم ينسبها لنفسة فى أى موضع أو قول -ياصديقى لقد قرأت كتابكم المقدس وزادنى ايمانا بنبوه عيسى ووحدانيه الله عز وجل فكل كلمة نطقت من فمه فى الانجيل تشهد بنبوته وتكفر بألوهيته -ياصديقى لقد تبرأ يسوع من ذنبكم حينما قال لأحد الرجال يوما ما (لاتدعونى صالحا فليس هناك صالحا الا الله ) ومن هنا فقد أنكر عليه السلام أى علافة له بالألوهية بل لقد شهد بوحدانيه الخالق الذى ليس فيه أى شىء منه فقد نفى عن نفسه صفة الصلاح وألصقها بالله الواحد اذن أنا لست هو وهو ليس أنا. وفى النهاية دعا لى الله بالهداية قال كلماته وتركنى أغرق فى بحور من الخيال والحيرة ظللت لمدة ساعة لا أفعل شيئا سوى التأمل فى رسالته وتقليبها يمينا وشمالا ثم بدأت أعود للانجيل كى أتأكد -نعم كل كلامه صح اذن كيف؟ انه نسف عقيدتى كلها فى دقائق -قلب حياتى رأسا على عقب فى عدة سطور والمصيبة أن مصدره هو كتابى نفسه لم يخترع ولم يكذب وكانت نهايتى كمسيحية مستقرة مع دينى وبدأت حياتى كتائهة. كان خوفى من أهلى وأصدقائى المسيحيين وأقربائى عظيما من ان يشكون فى فخلقت ايميل جديد باسم وهمى ولجأت الى مواقع مسيحية مهمتها الرد على الأسئلة وأرسلت لهم كل ماقاله لى هذا الولد للسؤال عنه. وكان الرد مخذلا لايمكنه الوصول الى عقلى (ياابنتى ان المسيح هو الرب الذى تحمل الصلب والألام كيف يغفر لك ذنبك لا تشكى في الوهيته ابدا ومثل هذه النصائح التى بدأت أسئم من سماعها وجاء الرد على السؤال من كل المواقع تقريبا متشابها :ان المسيح كان له كيانين اللاهوت والناسوت فهو عندما قال كذا كان ناسوت وعندما قال أو فعل كذا كان لاهوت بالاضافة الى أن هناك موقعان كان ردهما ببعض الصلوات لى ونفس النصائح الخاصة بالمسيح وفى النهاية نصيحة بتجنب الحديث مع غير المسيحيين لرغبتهم فى تضليلنا. كان رد فعلى حاسما ضربت بعرض الحائط كل تلك الهراءات وكل هؤلاء الأشخاص الذين بدأت أراهم برؤيا مختلفة تماما -ومر الوقت بى بطيئا حتى بداية 11/2007 عندما تغيرت حياتى وقبل هذا اليوم كنت أمارس حياتى مع أصدقائى بطريقة عادية بل قل أفضل من عادية فقد رفعت عن عينى اطار التخلف الذى كنت أضعه عليهم فأصبح الأمر بينى وبينهم متساوى الأن فأنا لا أعلم من منا الصح ومن الخطأ – وحتى هذا اليوم فقد كان كل ماهو يتعلق بالاسلام يشدنى أنظر للمسجد فى شارعنا وأقول فى نفسى أه لو أستطيع الدخول الى أعماقك وأعرف بماذا يشعرون عند الدخول اليك. لن أطيل عليك حتى جاء اليوم المشهود فى بداية هذا الشهر حيث كنت عائدة من الجامعة وحدى وركبت تاكسى وكان يدير شريط قرأن لرجل صوته رائع وكم كنت مستمعة بسماعة ومحاولة التركيز فى كلامه بعكس ما كان يحدث قبلا حيث كنت ألعن الحظ الذى أوقعنى فى تاكسى يشغل القرأن -وجاءت اللحظة الحاسمة حيث ركب احد الشباب معنا فى الكرسى الأمامى ودار الحوار بينه وبين السائق عن اسم الشيخ فقل له فلان فرد عليه الشاب ان صوته رائع يهز القلب بالخشوع وقد وقعت على هذه الكلمات وقع من وجد ضالته فقد كان هذا التعبير هو بالضبط ما أشعر به شىء يهز قلبى من الداخل ثم جائت الأيه التى لن أنساها طيلة حياتى والتى بكى فيها المقرىء وهو يقرا { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } الزمر73 الى أخر الأيه حتى وجدتنى أبكى معه أبكى أملا فى أن أكون من هؤلاء الذين يساقوا الى الجنه وتستقبلهم الملائكة بالترحاب وأبكى خوفا من أن اكون من هؤلاء الذين يساقون الى النار. ونزلت والله ماكنت أريد النزول حتى أظل أسمع القرأن وكان كل شىء داخلى مضطرب وكنت قد أصبحت انسانة اخرى ولاحظ اخى ووالدى على التغير قبل هذا اليوم بيومين فقررت أن اصرف شكهم عنى فقلت لهم انى ذاهبة الى درس الوعظ اليوم فى الكنيسة وفعلا ذهبت وأدركت يومها انى لم يعد لى حياه فى هذا الدين فقد كنت ساخطة على كل ماسمعت فى الكنيسة ولولا أدبى وخوفى من افتضاح امرى لقمت ورديت على أبونا بالردود الى سمعتها واللى ممكن تخليه واقف فى نص هدومه قدام الناس -المهم خرجت من الكنيسة قرفانة ومش قادرة اسمع صوت حد منهم كنت من متابعتى للفيديوهات على اليوتيوب قد بدأت أتابع أسماء بعض الأشخاص الذين يضعون فيديوهات فى نفس المجال وكان منهم واحد كنت أحترمه جدا لأن أسلوبه راقى ويضع تعبيرات محترمة جدا على فيديوهاته فدخلت على قناته لأجد أنه واضع بروفيل لذيذ جدا يهدى فيه للاسلام بأسلوب راقى وكان قرارى السريع جدا بأن أرسل له رساله وشرحت له حالتى بدون تفاصيل طالبه منه أن يهدينى للاسلام وأن يذكر لى المواقع التى قد تساعدنى. وكان الرد أسرع مما أتخيل بعد حوالى 45 دقيقة وكان مالم أتخيله فقد كان كلامه ساحرا وهذا نص كلامه ( أختى العزيزة انك لاتحتاجين هدايتى فمن أكون أنا وقد هداك الواحد القادر ان رسالتك تقودنى لأن أؤمن بأن الله عز وجل قد قادك الى طريق الايمان وان كنت انا شخصا مؤمنا قوى الايمان بحمد الله فانك أفضل منى لأنك تمشين فى طريق الاسلام والايمان برجليك وبارادتك وبتفكيرك وبحثك لكن أنا مسلم بميلادى فأكيد أنك أفضل -أما نصيحتى لك يا أختى كى تتغلبى على حيرتك فهى:حاولى التطهر بكامل جسدك وذلك بالاستحمام واعذرينى فان ايام الدورة الشهرية عند البنت ليس من الطهارة فى الاسلام فيجب الا تفعلى هذا الأمر الا بعد تمام الطهارة وبعد الاستحمام فعليك مهمة صعبة وصعوبتها فى التركيز حيث سأطلب منك أن تنسى أنك مسيحية وتنسى أنك تفكرى فى الاسلام وتنسى كل شىء وتتجهى الى الله الذى خلقك داعيه اياه -ياربى يامن خلقتنى أدعوك ياخالق هذا الكون وياخالق البشر وياخالقى أيا كنت أرجوك ياربى أن ترشدنى الى طريقك الذى ترضاه لى أرجوك ياربى أن تأخذ بيدى الى طريق الجنة ياربى انك رحيم عشمى فيك انك لن ترضى لى الضلال يارب ان كان دينى الذى انا عليه هو دينك الذى يرضيك فثبتنى عليه وان كان رضاك فى دين أخر وطريق أخر فارشدنى وخذ بيدى يارب الى الدين الذى ترضاه واجعله قدرى يارب وأدخلنى الجنه يارب فقد توكلت عليك وسلمتك أمرى أن ترشدنى اليها وعشمى فيك ياربى أنك لن تخذلنى) انتهى الدعاء ولاتتخيلوا كم أعجبنى هذا الدعاء لأنه حيادى تماما ونفذت ما قاله تماما حتى اننى امسكت بالموبايل بعد أن كتبت الدعاء عليه فى الملف السرى حتى لايفضحنى أحد ومرت أول ليلة عادية ولكنى صممت على المعاودة فكررت نفس مافعلته بالأمس وعند الدعاء تذكرت كلام الرجل يجب على التركيز فعلا يجب أن أنسى أنى أخاطب يسوع أو حتى رب المسلمين أنا أخاطب الله الذى خلق الكون أيا كان فهو كيان لا صوره له فى خيالى ففعلت فعلا هذا الأمر ولن تتخيل حجم البكاء الذى بكيته عند دعائى وبالذات عند الكلمة التى قعدت أكررها عشرات المرات وأنا أبكى “مهما كنت يارب” والحمد لله أن لم يسمعنى أو يكشفنى أحد فقد كان الجميع نائما ولى غرفتى الخاصة كما أنى كنت أدعو وأنا فى السرير وغطاء السرير على وبقيت فى سريرى أفكر وأتخيل ماذا سيحدث وهل سيتجيب لى الله أم لا وهل أن هذا هو غضب يسوع على أن جعلنى محتارة هكذا حتى رحت فى نوم عميق وكانت الساعة بعد 2 صباحا تقريبا وقد كانت أعظم معجزة فى حياتى بل أعظم معجزة حدثت لانسانة عادية مثلى على الاطلاق وفى هذه الليلة حدثت المعجزة -تلك السيدة جارتنا التى توفت منذ حوالى 3 سنين وكانت امراه فى قمة الأخلاق والتدين ووجهها عليه ابتسامه من نور هذه السيده التى لم يستطع أحد أن يمنع محبتها من أن تتملك قلبه حتى أبى وأمى عند موتها قالا انها أكثر سيده مسلمة أحبناها فى حياتنا وأذكر عند ترحيبنا بها بعد عودتها من الحج وكانت قد تذكرت كل فرد من أسرتنا بهدية بسيطة فى ثمنها ولكنها غالية فى شعورنا بتذكرها لنا وفى هذا اليوم كان ابى وامى ينتاقشان فقالا بالذمة مش حرام واحدة زى دى تدخل النار عشان مسلمة ياريتها تفهم وعندها رفض عقلى أو قلبى أن يتخيل أن هذه السيده قد تكون فى النار يوما ما مستحيل فهى طيبة جدا ولا أستطيع أن أصف لك كم بكيت عند وفاتها وافتقدتها كثيرا. ما علاقة كل هذا بهذه الليله -اسفه على التطويل ولكن كان على أن اشرح لك مكانة هذه السيده فى قلبى فقد كانت جزءا من المعجزة اذ أنى وأقسم لك بأن هذا حدث وبعد أن نمت بعد الثانية صباحا رايت حلما بان هذه السيده امامى على السرير وهى تبتسم نفس الابتسامى المنيرة وتقول لى باللفظ”يلا بينا يا … عشان ماتتاخريش ” وأقسم بالله وكأن يدها تربت على كتفى فصحوت من نومى فورا وجلست استعيد مارايت فاذا أنه بعد حوالى دقيقة اذا بأذان الفجر يهز كيانى وكأنه يأذن لى أنا وكان القرار لقد استجبت لى يارب اذن هو انت فعلا ربى ورب يسوع ورب محمد ورب البشرية كلها منذ بداية الخلق -اذن انت فعلا الله الرحيم الذى لم يقبل أن يخذلنى واستجاب لى فى أول دعاء أدعوك به -اذن هو الطريق الذى تهدينى اليه بان جعلتنى ارى هذا الحلم الذى يدعونى لطريقك بعد ان تاخرت عليه كثيرا. وهنا أردت أن أصلى ولكنى لا أستطيع الصلاه أولا لأنى لا لأعرف كيفية الصلاه وثانيا أخاف من اكتشاف أمرى -فكل مافعلته أن ذهبت وغسلت وجهى ويدى وقدمى كما اسمع من المسلمين ثم وقفت لا أعرف ماذا أفعل ولا أين القبلة فوجهت وجهى الى ناحية الجامع و سجدت على الأرض كما يسجد المسلمون وظللت ساجدة فوق الربع ساعة أبكى بحرقة واشكر ربى وأقولها عشرات المرات أشهد أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله -كثيرا سمعتها وكنت اسخر منها واليوم أقولها وأشعر أنى أكثر من يؤمن بها. الى هنا ابتدأت قصه عذاب جديدة فمن هذا اليوم أصبحت انسانة أخرى فى قمة التوازن النفسى وفى قمة الاستقرار والثبات الايمانى حتى أن هذا الشخص الذى كنت أحبه أصبحت لا أذكره ملأ حب الله والايمان به كل قلبى ولم يعد مكان لسواه. الا أنه تبقى المصيبة فى حياتى وهى عدم قدرتى الصلاه أو الصيام كباقى المسلمين ومصيبتى الكبرى أنى لو أظهرت اسلامى فسيكون مصيرى كمصير ماريان وتريز بنات الفيوم وهما محبوسين لحد النهاردة فى دير مسيحى ويلقون العذاب النفسى حتى يتم اجبارهم على الرجوع للمسيحية
قصة بائسة إلى كل مسلم أكتب قصه غيرت حياتى كان البطل الأساسى فيها هو القس زكريا بطرس الذى لا أعرف ان كنت أشكره أم ...
قصة إسلام لبناني سمع الأذان على عمق 61 متراً تحت سطح البحر
نقلاً عن: جريدة البيان الإماراتية: لبناني الأصل يبلغ من العمر 43 عاماً، نشأ وترعرع في بيروت، ست الدنيا كما يحلو لأهلها تسميتها بذلك، ولد لأسرة تدين بالديانة المسيحية، ولكنه لم يكن ملتزماً، وغير مداوم على الذهاب إلى الكنيسة إلا في المناسبات فقط، ولذلك لم يكن يحضر أي دروس للوعظ والإرشاد، ولكن في الوقت ذاته كان لديه العديد من الأصدقاء المسلمين.وكان يشاهد المساجد المنتشرة في بلده وعمارها وهم يسارعون الخطى إليها طلباً في رضوان الله عز وجل، وكثيراً ما كان هذا المشهد يستوقفه ويسأل نفسه لماذا هؤلاء الناس يذهبون خمس مرات في اليوم والليلة إلى مساجدهم وخصوصاً في صلاة الفجر التي كثيراً ما كان يشاهد فيها المسلمين وهو عائد إلى بيته، بعض قضاء سهرة، أو أحياناً بعد عودته من أداء عمله.يقول يوسف معلوف الذي أشهر إسلامه في مبنى دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بقسم المسلمين الجدد في دبي: كانت حياتي قبل دخولي الإسلام عادية فأنا أحب عملي جداً، وكنت أقضى معظم وقتي في أداء مهامي العملية، وهي مهنة الغطس، وعلى الرغم من صعوبتها إلا أنني أحبها وأمارسها بشغف وحب كبيرين.كما أنني كنت أرى أنه يجب علي أن استمتع بكل ملذات الحياة لأن الإنسان لا يعيش إلا مرة واحدة، فبالتالي كنت آخذ أجمل ما فيها، من أجل ذلك لم أكن من ضمن المسيحيين الملتزمين الذين يحافظون على الذهاب إلى دور العبادة، وحضور دروس الوعظ والإرشاد، بل كنت أذهب إلى الكنيسة في المناسبات فقط لا غير، وكنت لا أمكث فيها طويلاً.ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها:◄ أنني كنت أرى في الدين المسيحي بعض المتناقضات مثال ذلك كيف يكون الإله له ولد، ثم يموت، وإذا نظرنا إلى أي شخص مسئول، وله ابن ارتكب أي خطأ، فإنه يدافع عن ابنه بشتى الطرق، حتى يطلق سراحه، أضف إلى ذلك أن بعض الرهبان يتحدثون بكلام ويأتون بأفعال غير التي يقولونها.◄ شاهدت المعجزة: ويضيف يوسف معلوف اللبناني الأصل عن سبب إسلامه فيقول: على الرغم من أن عصر المعجزات قد انتهى إلا أنني أجزم بأنني شاهدت وسمعت معجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى.يقص يوسف معلوف قصة المعجزة التي شاهدها وسمعها فيقول: كنت في يوم من الأيام على متن مركب لي أنا وصديقي المسلم نتجول في البحر الأبيض في المنطقة الواقعة بين مدينتين جبيل، وحالات، وكانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة والنصف عصراً، وأثناء تأدية عملنا إذا بجهاز gbs يعطينا إشارات تدل على أن في قاع البحر من تحتنا يوجد كهف أو مغارة، وكانت المسافة تبلغ 42 متراً عمقاً في قاع البحر، فما كان منا إلا أن قررنا النزول إلى هذا الكهف حتى نستطلعه ونصوره ونرى ما بداخله، فأعددنا العدة الخاصة بالغطس، ونزلنا فشاهدنا مشاهد خلابة من الشعب المرجانية، والنحوتات الصخرية داخل الكهف، بالإضافة إلى أنواع غريبة من الأسماك لم أشاهدها من قبل، وأثناء انهماكنا في مشاهدة هذه العجائب إذا بصوت ينبعث من أرجاء الكهف بلسان عربي مبين، ولم يكن من الصعب علي التعرف عليه إنه الأذان الشرعي للمسلمين الذي يعلن دخول وقت الصلاة فتعجبت جداً حتى أنني لم أصدق في بداية الأمر، ولكني سألت صديقي المسلم الذي كان معي فأكد لي أنه سمعه أيضاً، وأثناء الأذان قررنا الصعود إلى المركب فوق سطح البحر، وقد شعرت بشيء لا استطيع أن أصفه هل هو رهبة أم خوف أم اندهاش غريب لم يحدث لي من قبل، ومما زاد هذا الشعور أنني وجدت زميلي المسلم في حالة ذهول كبيرة جداً، ويردد بعض آيات من القرآن الكريم ولكن لم أفهم معناها فكان يقول بصوت مرتفع تارة، وبصوت منخفض تارة أخرى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت الآية 53].وبعد أن ذهب الذهول من زميلي، بدأت أسأله عما سمعنا، فقال لي: إنه الأذان، فقلت له: نعم أعرف ذلك، ثم سألته كيف وصل هذا الصوت إلى هذا العمق من البحر الذي يبلغ 42 متراً، وعمق الكهف الذي يبلغ 19 متراً، فكان رده مباشرة إنها معجزة يا يوسف، وبعد مرور ساعتين من الزمن قررنا النزول مرة ثانية إلى الكهف، وإذا بنا نسمع هذه المرة الأذان ثم آيات قرآنية كريمة لم أعرف من أي السور هي، مما زاد من روع وذهول صديقي المسلم الذي أشار إلي بالصعود مرة ثانية إلى سطح المركب، ثم وضح لي أننا سمعنا العشر آيات الأولى من سورة الرحمن، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)} [الرحمن: 1-10].◄ إيطاليان يسمعان القرآن تحت سطح البحر:يكمل يوسف معلوف قصة إسلامه فيقول: خرجنا من البحر سوياً والحيرة تعلو وجهينا، ثم حدثنا بعض زملائنا في العمل فكان هناك غطاسان إيطاليان معنا فلم يصدقا حديثنا، وقررا النزول إلى الكهف في الصباح، وبالفعل ذهبا الاثنان معا، وبعد تحديد المكان لهما قام الغطاسان الإيطاليان بالهبوط إلى قاع البحر ليسمعا ويشاهدا ما سمعنا، وبعد فترة زمنية ليست بالقليلة خرجا إلينا ونحن ننتظرهما بشغف حتى أقر الاثنان أنهما سمعا صوتاً بشبه الصوت الذي يخرج من مساجد المسلمين، فاندهش كل من مكان على المركب وكبر المسلمون منهم.◄ التعرف على الإسلام:يكمل يوسف فيقول: أيقنت في نفسي أن ما حدث لي ما هو إلا رسالة لي من رب العالمين، حتى أبدأ دراسة الدين الإسلامي والتعرف عليه أكثر، فبدأت أقرأ بعض الكتب الإسلامية التي تدل على وحدانية الله عز وجل، وأن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء جميعاً، وكنت استمع إلى القرآن الكريم سواء في البيت أو في السيارة، فكنت أشعر بأن هناك شعوراً بالهدوء والطمأنينة يملأ ذاتي، وماذا بعد ذلك؟! يقول معلوف في هذه الأثناء وأنا أشعر أنني بدأت أسير في الطريق الصحيح جاءتني مهمة سفر إلى دبي، فجئت وأنا ما زلت على ديني السابق، ولكن المعاملة الحسنة التي وجدتها من أهل الإمارات، والأصدقاء هنا جعلتني أكمل قراءاتي عن الدين الإسلامي، وكنت كثيراً ما أسأل عن الإسلام فوجهني أحد الأصدقاء المسلمين إلى إمام المسجد القريب من مسكني، فكنت أشعر منه وأنا معه بالطيبة وحسن الخلق، إلا أنه أرشدني إلى دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، فما كان مني إلا أنني اتخذت أعظم قرار في حياتي وهو دخولي الإسلام حتى أنال رضا الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.
المصدر : شبكة الألوكة
نقلاً عن: جريدة البيان الإماراتية: لبناني الأصل يبلغ من العمر 43 عاماً، نشأ وترعرع في بيروت، ست الدنيا كما يحلو ...
عدم الإتيان بجواب " لمَّا "
عدم الإتيان بجواب " لمَّا " منشأ هذه الشبهة: هو قوله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) (1). وموطن الشاهد عندهم هو قوله جل شأنه: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه.. (. بحثوا عن جواب " لما " فلم يجدوه ، فرموا القرآن بالخطأ ؛ لأنه لم يذكر جواب " لما " ثم قالوا: " فأين جواب لما ؟ ولو حذفت الواو التى قبل أوحينا لاستقام المعنى ".الرد على الشبهة: قلنا إن هذه الشبهة تتعلق بفن الحذف ، وهو مبحث بلاغى أكثر منه نحويًّا. إن كل محذوف عندهم غلط شنيع ، وكل حذف خلط فظيع ، والناس ـ كما قيل فى المثل ـ أعداء ما جهلوا. يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى ـ شيخ البلاغيين ـ فى وصف الحذف البلاغى ، وروائع ثماره ، وبديع آثاره:" هو بحث دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر ، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبن " (2). هذه هى منزلة الحذف فى البيان العربى ، السارى فى أعطاف الكلام سريان النسيم فى الرياض الفيحاء ، وقد شاع شيوعاً لا حصر له فى القرآن الكريم ، إذ لم تكد تخلو منه سورة من سوره ، ولا آية من آياته والمعانى التى يدل عليها الحذف فى القرآن تكاد تعادل ربع معانى القرآن كله. وهو منهج واسع وحكيم من مناهج اللغة العربية لا مثيل له. ولذلك نجد العلامة اللغوى العظيم ابن جنى ، يسميه فى كتابه "الخصائص" اسمًا طريفًا ، هو: شجاعة العربية ". وينتمى الحذف البلاغى إلى فن بلاغى حصر بعض العلماء البلاغة فيه ، وهو " فن الإيجاز " أى قلة الألفاظ مع كثرة المعانى. وله مقامات يتألق فيها ، ومقتضيات يوفى بأغراضها. ومن مقاماته الحذف الوارد فى آية سورة " يوسف " التى رآها من عشا بصره ، وغلظ قفاه ، وضل عقله خطأ ينبغى أن يصوَّب ، ولحنًا يجب أن يقوَّم. إن حذف جواب " لما " هنا المراد منه تهويل وتفظيع ما حدث من إخوة يوسف ليوسف ، بعد أن أذن لهم أبوهم بالذهاب به إلى الصحراء ، وقد روى عنهم أنهم أخذوا يؤذونه بالقول والفعل وهم فى الطريق إلى المكان الذى قصدوه ، حتى كادوا يقتلونه ، والدليل على هذا قوله تعالى حكاية عن أحد إخوته:(قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ) (3). فالنهى عن القتل لا يكون إلا عند العزم عليه ومباشرة أسبابه. لذلك حذف جواب " لما " لتذهب النفس فى تصوره كل مذهب ، وحذف هذا الجواب فيه دلالة على طول ما حدث منهم ، وعلى غرابته وبشاعته ، لذلك قدره الإمام الزمخشرى فقال: " فعلوا به ما فعلوا من الأذى.. وأظهروا له العداوة وأخذوا يهينونه ويضربونه ، وإذا استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة والضرب.. " (4). وسار على هذا النهج الإمام البيضاوى (5). وذهب غيرهما فى تقدير الجواب مذاهب أخرى ، والذى أتاح لهم هذا الاختلاف فى تقدير الجواب المحذوف هو الحذف نفسه (6). أما اقتراح مثيرى الشبهة أن يحذف " الواو " فى " وأوحينا " ليستقيم المعنى فخطأ جسيم ؛ لأن " أوحينا " ليس هو جواب " لما " وإنما هو معطوف على الجواب المقدر لأن جواب " لمَّا " هو ما حدث ليوسف من إخوته بمجرد خروجهم به من عند أبيهم وبعدهم عنه قليلاً. ودليل ذلك هو العطف بالفاء فى " فلما " لأنها تفيد الفورية والترتيب.
المراجع(1) يوسف: 15.(2) دلائل الإعجاز (146) تحقيق الشيخ محمد محمد شاكر.(3) يوسف: 9.(4) الكشاف (3/306-307).(5) أنوار التنزيل (1/387).(6) الدر المصون (6/453).
المصدر
www.islamic-council.com
عدم الإتيان بجواب " لمَّا " منشأ هذه الشبهة: هو قوله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب ...
خواطر في طريق للدعوة إلى الله
بفضل الله ومنه وكرمه وخلال عشر سنوات :- اطلعت على أكثر من ٢٠٠ رسالة علمية في مجال الدعوة.- وكذلك أكثر من ٩٥ كتاب وكتيب في دعوة غير المسلمين.- وحضرت أكثر من ١٠٠٠ ورشة عمل.- والتقيت بما يزيد عن ١٥٠٠ داعية ومسؤول وشخصية رسمية ووزراء من أنحاء العالم.- ودربت ما يزيد عن ٦٠٠ متدرب من أكثر من ٤٠ دولة. - ونظمت وحضرت العديد من المؤتمرات والندوات.- بالإضافة إلى عملي في الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام ١٠ سنوات.- وأكملت بحثين أكاديميين .خرجت بالنتائج التالية خذوها في خواطر :١- بلاد الحرمين قبلة العالم ومحط أنظار المسلمين وما يصدر عنها محل ثقة الناس.٢- الجهود المبذولة أقل بكثير مما ينتظره الناس من أهل الحرمين حكام وعلماء ودعاة ورجال أعمال.٣- في كل بلاد العالم جهود جبارة لخدمة الإسلام وهي بحاجة إلى التكامل والتنسيق.٤- غالب الجهود المبذولة هي في المجال الإغاثي مع تقصير كبير في دعم البرامج العلمية والدعوية والفكرية.٥- العالم لا ينقصه إلا أن يعرف الإسلام لتتغير الصورة المغلوطة لديهم عنه.٦- تعلمت قاعدة ذهبية تقول " من سبقنا إلى مشروع دعمناه ولا نزاحمه " فوجدتها من أنفع ما يعالج الخلافات في الساحة الدعوية.٧- الفوبيا من الإسلام تتنامى عند الحكومات فقط أم الشعوب فهي متلهفة لمعرفة الإسلام.٨- القرآن الكريم وتراجمه من أنفع ما يعرف بالإسلام.٩- مع شدة الحصار الدولي على الأموال المسلمة إلا أن التجار المسلمون كانت لهم كلمتهم التي سجلها لهم الله.١٠- فرط كثير من الدعاة في فرص كثيرة بسبب محدودية المعرفة لديهم وعدم مواكبة العلوم المعاصرة والانفتاح العالمي والتقني.١١ - يوجد عدد كبير من الدعاة لا ينقصهم سوى من يكفلهم ويغنيهم ليتفرغوا لخدمة الإسلام.١٢- التدريب والتأهيل على أهميته إلا أن التقصير فيه واضح.١٣- الجيل القادم تنقصه فقط المحاضن التربوية والإيمانية ليصنع الفرق على مستوى العالم .١٤- من لا يتقدم يتقادم وهذا ما اثبتته وسائل التواصل الاجتماعي. ١٥ - بالدعوة إلى الله تصنع لك صديقا في كل بلد فلا تجد الغربة وأنت مع إخوانك الدعاة.١٦- حب الرياسة والشرف من أكثر ما يفسد العمل والنية وصدق ﷺ ١٧- من يتأخر في المبادرة يسبقه غيره وقد يكون التأخر خسارة لا تنجبر.١٨- الذي يفكر في المال قبل الإعداد والاستعداد غالبا لا يعمل.١٩ - عصرنا عصر الريادة والتخطيط.٢٠- أحرص على فرق العمل ولا تفرط فيها وإن لم تجد من يعمل معك فاتهم نفسك وعد عليها بالتربية.٢١- إذا لم تجد من يعمل معك فإياك والإنقطاع عن العمل فالنبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد. ٢٢- تعلمت أن حسن الخلق له سحره في التأثير وقد يفعل ما لا تفعله الملايين.٢٣ - من النساء من فاق الرجال حكمة وعلما وفهما ودعما.٢٤ - التأخر في مشاركة المرأة في العمل الدعوي كان له آثاره.٢٥ - طلابك ومن يعمل معك ربما يملكون من المؤهلات ما لا يخطر لك على بال فإياك أن تتعالى عليهم فتستمر في نظرتك القاصرة لهم فكم من طالب فاق أستاذه.٢٦- العلم والعبادة هي من تعينك على تجاوز العقبات والمشاق والفقر والألم التي لا تخلو منها طريق الدعوة.هذه خواطر وفي الجعبة المزيد كتبتها بلا ترتيب فلعلها تقع موقعها فقد خرجت بلا استئذان ووجدت نفسي أكتبها بلا تردد فخذوها على علاتها .إن وجدتم فيها خيرا فاقبلوه وإن وجدت غير ذلك فسددوا الخلل وادعو لي بالمغفرة والثوابكتبها محبكم عبدالله بن محمد الغامديجدة - ١ - ٥ - ١٤٣٧ هـ
بفضل الله ومنه وكرمه وخلال عشر سنوات :- اطلعت على أكثر من ٢٠٠ رسالة علمية في مجال الدعوة.- وكذلك أكثر من ٩٥ كتاب وكتيب ...
التنشئة الاجتماعية في الفكر التربوي الإسلامي
لقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بالطفولة باعتبارها صانعة المستقبل المنشود للأمة ونجد ذلك واضحًا
في الآيات القرآنية الكريمة،
مثل: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (سورة الكهف آية: 46). ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾
(سورة الإسراء: 6).
وتبرز أهمية السنة النبوية بموضوع الأطفال والطفولة وخاصة المتعلق بالتنشئة الاجتماعية منذ اختيار الزوجة الصالحة ومرورًا بتسمية الطفل باسم حسن والاهتمام برعايته وإرضاعه والحرص على بناء شخصيته في جوانبها الاجتماعية والنفسية والفكرية والأخلاقية.
ويتمثل ذلك في بعض الأحاديث النبوية الشريفة التالية:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء} (رواه ابن ماجه).
2- وتبرز أهمية الاهتمام بالطفل منذ الميلاد فيما روى ابن عباس رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى} (البيهقي في شعب الإيمان).
3- واهتم الرسول باسم الطفل لأن ذلك يؤثر على نفسيته، فقال صلى الله عليه وسلم: {إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم} (رواه أبو داود).
4- وفي مجال الحنان والحب ووجوب توفراهما للطفل روى البخاري بسنده أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: {قبّل رسول الله الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم} (متفق عليه).
5- وفي أهمية العدل بين الأبناء يقول عليه الصلاة والسلام: {اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم} (رواه البخاري).
كما يعتبر موضوع التنشئة الاجتماعية من المواضيع الهامة التي تناولها الباحثون في مجال علم النفس والاجتماع سواء من ناحية المضامين أو الأساليب، نظرًا لأهمية هذا الموضوع في إعداد الأجيال القادمة التي ستحافظ على استمرارية وجود المجتمع ماديا ومعنويا.
والتنشئة الاجتماعية هي عملية انتقال الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي ويتم هذا عن طريق التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
فالفرد خلال جميع مراحل عمره المختلفة يتعرض لمجموعة كبيرة من المعايير الاجتماعية والأحكام الخلقية واكتساب المهارات واللغة والثقافة والمعلومات التي تجعل منه كائنا اجتماعيا يتفاعل مع الآخرين له ثقافة وأفكار واتجاهات وميول خاصة به اكتسبها خلال عملية هذه التنشئة طوال حياته.
ويمكن وصف عملية التنشئة الاجتماعية بأنها العملية التي تتشكل فيها معايير الفرد ومهاراته ودوافعه واتجاهاته وسلوكه لكي تتوافق مع تلك التي يعتبرها المجتمع مرغوبة ومستحسنه لدوره الراهن أو المستقبل في المجتمع.
ومن أساليب التنشئة الاجتماعية عند الإمام الغزالي التي ينصح بها الوالد ما يأتي:
1- شجع طفلك على ممارسة الخلق الجميل، والفعل المحمود.
2- تجاهل أخطاء طفلك أول الأمر، ولا تكن معاقبه، فإن عاد فاستعمل اللوم والتوبيخ.
3- عود طفلك على الخشونة والبعد عن قرناء السوء، وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.
4- اغرس في الطفل احترام ومراعاة الآداب العامة، وينبغي أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجل على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه، مما يوضح لنا أن الوالدين هما من يقومان بعملية التنشئة التي من خلالها تتشكل شخصية الطفل، ومشاعره وسلوكه، وعلاقاته بحيث يصبح عضوًا فاعلًا ومتفاعلا ومنسجمًا ومنتجًا في المجتمع.
كما عرف علماء النفس دور الوالدين في عملية التنشئة الاجتماعية مع أطفالهم بأنها عملية تعليم وتعلم وتربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى اكتساب الطفل سلوكًا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية إذ إنها عملية تشكيل السلوك الاجتماعي للطفل وهي عملية إدخال ثقافة المجتمع في بناء الشخصية.
فالوالدان هما من يلعبان الدور الأساسي في غرس السلوكيات المقبولة اجتماعيا من خلال الضبط الداخلي للسلوك الذي يغرسونه في نفوس أبنائهم والذي تكون بمثابة الضمير والرقيب على تصرفاتهم مستقبلًا.
لذلك يُنصح الأبوان أن يكونا قدوة لأبنائهما من خلال التزامهما بالأنماط السلوكية المتفقة مع تعاليم ديننا الإسلامي والمقبولة مع الآداب الاجتماعية فهما بمثابة اللبنة الأساسية في تكوين الضمير الأخلاقي في ذات الطفل.
كما يجب أن يحرص الأبوين على توفير الجو الأسري بإشعارهما بوجود أسرة مترابطة من خلال الاجتماعات العائلية كالالتزام بالوجود مع أفراد الأسرة في تناول الوجبات الغذائية اليومية كتخصيص يوم في كل أسبوع لقضاء الوقت معًا في نزهة.
لقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بالطفولة باعتبارها صانعة المستقبل المنشود للأمة ونجد ذلك واضحًا
في الآيات القرآنية ...
قضية الأعجاز العلمي للقرآن وضوابط التعامل معها
قضية الأعجاز العلمي للقرآن وضوابط التعامل معها
أما باقي الآيات الكونية الكريمة التي تعرض لها القرآن الكريم – واغلبها من الآيات الوصفية – فلا يجوز أن يوظف في الاستشهاد علي سبقها العلمي إلا الحقائق القطعية الثابتة التي لا رجعة فيها بالضوابط المنهجية التالية : -
1. حسن فهم النص القرآني الكريم وفق دلالات الألفاظ في اللغة العربية، ووفق قواعد تلك اللغة وأساليب التعبير فيها؛ وذلك لان القران الكريم قد أنزل بلسان عربي مبين. علي إلا يخرج باللفظ من الحقيقة إلي المجاز إلا بقرينة كافية ، وعند الضرورة القصوى ؛ ومن هنا فلا يمكن إثبات الإعجاز العلمي بتأويل النص القرآني .
المراجع
بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2006-01-12
المصدر
www.elnaggarzr.com
قضية الأعجاز العلمي للقرآن وضوابط التعامل معها
أما باقي الآيات الكونية الكريمة التي تعرض لها القرآن الكريم – واغلبها ...
علم الجيولوجيا عند العرب والمسلمين
علم الجيولوجيا عند العرب والمسلمين
جاء في كثير من آيات القرآن الكريم إشاراتٌ واضحة إلى علم طبقات الأرض (الجيولوجيا)؛ ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ [فاطر: 27]، وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 10]، وقوله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [الطارق: 12]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 20]، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تحدَّثت عن هذا النوع من العلوم، والتي دفعت المسلمين إلى دراسته دراسة مستفيضة.
إنَّ الحضارةَ العربية الإسلامية حضارةٌ إنسانيةُ النَّزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، سمتُها التسامح، تؤمن بالعلمِ في أصدقِ صورةٍ وأعمق أصول؛ مما كانَ له أثره البارز في تكوين الفكر العلمي لدى الغربيِّين منهجًا وأساليبَ بحثٍ، ومعارفَ نظريةً وتجاربَ تطبيقية في شتى العلوم، إضافة إلى إسهامِ الفكرِ العربي في نقلِ التراث اليوناني والهندي والفارسي والحضارات القديمة في موطنِ العرب، وحضارة بلاد ما بين النهرين، وحضارة وادي نهر النيل، وهكذا كان دورُ حضارةِ العرب مُنطلقَ النورِ الذي عمَّ أوربا بعد الظلام، وهوَ دورٌ لا يمكنُ أن يُجحَد أو يُنكر[1].
لقدْ أكَّدت البحوث الحديثة الدَّين الكبيرَ الذي يَدينُ بهِ العالم للعلماءِ العرب والمسلمين الذينَ حثُّوا على نموِّ المعارف، في حين كانت أوربا تعيش في ظلامٍ دامس، كما كانَ للحضارةِ العربيةِ الإسلامية دورٌ بارزٌ في إمداد أوربا بالعلومِ والمعارفِ التي قامت عليها الحضارة الغربية؛ حيث أضاف العرب إلى ما أخَذوه من العلوم والآدابِ التجديدَ والابتكار، والترجمة والدراسة، والمناقشةَ والنَّقد.
وبعد أن ترجم العرب المسلمون كلَّ ما ورثوه عن الحضارات الهندية والفارسية واليونانية، أخذوا يُعمِلون عقولهم في كل ما ترجموه ونقَلوه بعد أن مزَجوه بالروح الإسلامية، فجاءت كتاباتهم ومؤلَّفاتهم دليلَ خصبٍ على حضارتهم وتميزها عن كلِّ ما جمَعوه من السابقين، وتمثَّلوه من الحضارات المعاصِرة لهم، فأثبتوا بذلك أنهم واسطةُ العِقد في حضارات الإنسانية.
وقد قال المؤلف رام لاندو في كتابه مآثر العرب في الحضارة: "إن المسلمينَ قدموا الكثيرَ من الفتوحاتِ في العلومِ، فاجتذبَ ذلك العلماءَ والحكماءَ وأهلَ البحث والنظر ورجالَ الفن والأدب من جميعِ الأصقاع، وأنشؤوا مؤسسات لنقل علوم الشعوب؛ مثل: بيت الحكمة، دار الحكمة، دار العلم، والجامع الكبير، كما أنشؤوا المكتبات، ونخصُّ بالذِّكر فترة الحكم العباسي الذي بدأ عام 132هـ/ 750م؛ لأنها من فترات التاريخ اللامعة الزاهرة.
إننا نجد أن الأسلوب العلمي لم يكن مطبقًا في بلدان العالم القديم؛ مثل مصر والصين والهند، ونجد القليل منه في اليونان، ولا نجده في روما، ولكن العرب امتازوا بالروح العلمية الاستطلاعية، مما يجعلهم يُدعَون بجدارة آباء العلم الحديث، لقد بنى العرب على الأساس العلمي الذي استقَوه من غيرهم أبحاثًا عظيمة، وتوصلوا إلى اكتشافات عظيمة؛ لقد صنعوا أول مكبر وأول بوصلة، وطبَقَت شهرةُ أطبائهم وجرَّاحيهم آفاقَ أوربا، وكانت بغدادُ مركزَ إشعاع فكري، وقرطبةُ عاصمة إسبانيا العربية مثيلة بغداد في دنيا الغرب، وكانت في العالم العربي مراكز علمية أخرى ازدهرَت فيها العلوم"[2].
رغمَ ذلك لم يحظَ إسهامُ العرب المسلمين في العلومِ باهتمامٍ لائقٍ وعنايةٍ مرجوَّةٍ من الباحثين في البلادِ العربية، ويدَّعي علماء الغرب أن إنجازات العرب اقتصرَت على العلوم الدينية والأدبية، ومن هنا بدأت انطلاقةٌ هدفها إحياء التراث العربي علومًا وأعلامًا؛ لأن إحياء القديم وربْطَه بالحاضر من أقوى الدعائم التي بنَتِ الأمم عليها كيانَها؛ يقول غوستاف لوبون: "إن العرب استطاعوا أن يبدعوا حضارة جديدة، وكان تأثير العرب في الغرب عظيمًا، يرجع إليهم الفضلُ في حضارة أوربا"، ويقول المستشرق الألماني شخت: "لقد تتلمذَت أوربا على العرب مدة "خمسة قرون" نهلت في أثنائها من حياض العلوم العربية، وبهذا أعدَّت نفسها لما تنتج الآن من البحوث العلمية الحديثة"[3].
أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى جمود العلوم عامة - وفي الجيولوجيا خاصة - لقرونٍ عديدة في أوربا، عندئذٍ حمَل العرب مِشعلَ العلم في وقت كانت غارقةً في الجهل، بُنِيت جهود العلماء العرب والمسلمين في الجيولوجيا[4] على المنطق والدقة والتجربة، بخلاف مَن سبَقَهم من الإغريق والرومان، وشارك علماءُ الشعوب الإسلامية في كافَّة فروع العلم التجريبية، وانتشرت المختبرات العلمية، والمكتبات العلمية مع العلماء المسلمين في معظم البلاد الإسلامية، وقرأ فريقٌ من العلماء التجريبيِّين المسلمين كتابَ الله بإيمان كامل، وتمعَّن في كلمات الله وما تحمِلُه من معانٍ، ووجَدوا أن هناك أشياءَ يمكن أن يُضيفوها مما أفاء الله عليهم من العلم الحديث؛ مما يُلقي المزيد من الأضواء على بعض الجوانب في تفسير بعض الآيات، تلك الجوانب التي لم يُلقِ المفسرون السابقون لها بالاً.
ورأى هؤلاء العلماء التجريبيون في إعلان هذه المعاني التي استنبطوها والتي ترتكِزُ على آخِر ما توصَّل إليه العلم الحديث - توضيحًا لعدد من القضايا القرآنية، وتثبيتًا للإيمان العميق، كما وجدوا فيه جانبًا من الإعجاز أسمَوه: الإعجاز العلميَّ للقرآن، فهم يرَون أن ثمة إشارات علميةً عديدة وردَت في ثنايا القرآن الكريم، لها صفة الإعجاز الذي يضَع العلماءَ أنفسَهم بمختلف تخصصاتهم موضعَ الانبهار إزاء تلك الإشارات التي تبيِّن أنها حقائقُ علمية ساطعة، لم يمض على كشف كُنهِها سوى بضعةِ عقودٍ من السنين، ولم يعُد هذا الانبهار شعورًا فرديًّا لبعض العلماء في هذا القُطر الإسلامي أو ذاك؛ فقد انتظمَت مجموعاتٌ من هؤلاء العلماء في تآلُف، غرضُه التعاون في أبحاث الإعجاز العلميِّ للقرآن، وعرضه على عامة المسلمين في ندوات ومؤتمرات، ونشره بوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيَّة.
كان للعرب والمسلمين نظرياتٌ عديدة عن أصل الصُّخور وكيفية تكوُّنها، وخصُّوا بالذِّكر الصخور الرسوبيَّة وتعاقُبَ الطبقات بعضها فوق بعض، والنَّيازك، واقترحوا لها تصنيفاتٍ فئوية؛ فقد قسَّموا النيازك إلى فئتين: حجرية وحديدية، وهو نفس التقسيم المتبَع حاليًّا.
ولعل أول تلميح للتقسيم الحالي لما يسمى الصخور الناريَّة والرُّسوبية والمتحركة - جاء في كتابات جابر بن حيَّان قبل عام 200 هـ - 815م؛ وبذا يكون علماء الجيولوجيا العرب أسبقَ مِن غيرهم إلى ذلك؛ إذ نجد أن هذا الأمر لم يُثِر انتباه الجيولوجيين إلا في نهاية القرن الثامنَ عشر وبداية القرن التاسع عشرَ الميلاديَّين.
كان انطلاق مفكِّري الإسلام وعلمائه في كل ساحات الفكر وميادين العقل غيرَ عابئين بالعراقيل والتقاليد القديمة، بعد أن أعطاهم الإسلامُ حريةً فكرية خصبة، وحرَّر عقولهم من كلِّ قيد إلا قيد الحقيقة والتزام الصدقِ والموضوعية.
وإذا نظرنا إلى العلم من وجهةِ نظر الفلاسفة الإسلاميِّين، وجَدنا أنَّ العلم الطبيعيَّ كان يمثِّل الناحية الوصفيَّة من العلم؛ أي: الكيفيَّة، وهو أول مرحلة يجتازها العلم في التعرف بالأشياء وأعراضها، وكان التعليميُّ في جملته يمثِّل الناحية الكَمِّية، وهي المرحلة التي يكون بها كمالُ الأولى، وهناك مرحلة ثالثة وصَل إليها العلم العربي في منهجه العلمي، وهي مرحلة الاستِقراء، وقد ظهر
ذلك ضمنًا في أبحاثهم، كما أثبتَت الدراسات مؤخرًا عند الكثيرين من علماء وفلاسفة العرب[5].
ويرجع كل ذلك إلى استِلهام علماء المسلمين لروح حضارتهم التجريبيَّة التي خالفَت الروح اليونانية؛ يقول المؤرِّخ جورج سارتون أعظمُ مؤرِّخي العلم في القرن العشرين في اعترافٍ بفضل المسلمين على روَّاد المنهج العلمي الحديث: "عند نهاية القرن
الثالثَ عشر، استعدَّت عقولُ بعض أعاظم حكماء العالَم النصراني، منهم "ألبرت الكبير" و"روجر بيكون" و"ريمون لال" إلى الاعتراف بتفوُّق الثقافة الإسلامية، وربما كانت المأثرة الأساسية التي تمخَّض عنها الجهدُ في العصور الوسطى هي تربيب الروح التجريبية، وترجع هذه المأثرة بداية إلى جهد المسلمين حتى آخرِ القرن الثاني عشر، ثم انتحلها النصارى".
لقد تبيَّن أن الكثير من المفاهيم الأساسية الحديثة لهذا العلم بالتحديد - ولكثير من العلوم الأخرى - قد طُرِحت في عصر الحضارة الإسلامية، وهذا ثابتٌ في المخطوطات العربية التي انتقلَت في فترات لاحقة إلى المكتبات والمهتمين في أوربا في وقتٍ تزامَنَ مع ضعف الدولة الإسلامية.
والملاحَظ - تاريخيًّا - أن مراحل تداعي الدولة الإسلامية كان مُتزامنًا مع بَدء ازدهار الحضارة في أوربا، ولعل ذلك كان بفضل استفادتهم من الحضارة العربيَّة؛ حيث نشطَت حركة نقل المخطوطات إلى الغرب، ومن ثَمَّ حركة الترجمة، حتى شهدت أوربا الإمبراطور "فردريك" الثاني، الذي اعتلى عرش إيطاليا - وكان يلقَّب بأعجوبة الدنيا - يتمرَّد على سلطة البابا، ويفتح بلاطَه لعلماء المسلمين ومفكِّريهم، ثمَّ ذهب إعجابه بنهضة المسلمين الفكرية والحضارية إلى إدخال تقاليدهم وعاداتهم في بلاطه! وفي سنة "6
12هـ/ 1224م" أسَّس جامعة "نابولي"، وكانت هذه الجامعة تدرِّس فلسفة الفيلسوف العربي ابن رشد وفلسفة الفيلسوف اليوناني أرسطو المنقولة بأقلام المترجمين المسلمين، وكانت تَعتمِد على الدروس التي وضَعها علماء من المسلمين مثل: "ابن سينا، والرازي، والفارابي" وغيرهم.
الإمبراطور "فريدريك" هو الذي أدخَل الأرقام العربية وعِلم الجَبر إلى أوربا، وكانت جامعة نابولي لترجمة العلوم العربية إلى اللغة اللاتينية، وانتشرَت في جميع أجزاء أوربا، وإلى ما بعد النهضة الأوربية الكبرى بقيَت جامعاتُ فرنسا وإنكلترا وإيطاليا تَعتمد على المراجع العربية[6].
لقد ساهمت جامعة نابولي وجامعة "ساليرنو" بشكل كبير جدًّا في نقل النهضة الفكرية إلى جامعات "باريس" و"بولونيا" و"إكسفورد"، ثمَّ منها إلى جميع أنحاء أوربا، ثمَّ اتسع احتكاك الأوربيِّين الثقافيُّ بالمسلمين في الأندلس، وفي القاهرة، ودمشق، وبغداد، وسائر العواصم الكبرى في العالم الإسلامي؛ عن طريق التجارات، والرحلات، والسفارات[7].
وتقدَّر نسبة المخطوطات العربية الموجودة في المكتبات الغربية الآن بما يَزيد عن خمسين في المائة؛ حيث يبدو أن المسلمين في نهاية عصرهم الذهبيِّ أهملوا هذا الإرثَ العظيم مما حازوه من نفائس المخطوطات، وباعوها بأبخَس الأثمان، هذا فضلاً عمَّا سُلبَ ونُهب أثناء الغزو.
يَعُدُّ المختصون الغربيون تاريخ نشأة علم الجيولوجيا علمًا حديثًّا (أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسعَ عشر الميلاديَّين) على يد علماءِ أواسط عصر النهضة الأوربية؛ حيث بدأ علمُ الأرض الحديث بالظهور والتفرُّع على يد الكثير من العلماء:
• منهم العالم الأسكتلندي جيمس هاتون James Hutton (1726 - 1797) في القرن الثامنَ عشر الميلاديِّ؛ حيث يُعتبر أولَ من وضع فيه أسسَ الجيولوجيا العلمية الحديثة، وأسهَم في تقدم وتطور الجيولوجيا، ووضع تلك الأسس عام 1779 م في كتابه الشهي
ر The Theory of the Erath، مستنِدًا في ذلك - على ما يبدو - إلى ما هو امتداد طبيعي لتراث الفكر الجيولوجي العربي الإسلامي، ولكن دون الإشارة لذلك.
• والعالم كوفييه مؤسس علم الأحافير الفقريَّة.
• ولامارك مؤسس علم الأحافير اللافقارية.
• ووليم سميث William Smith مؤسس علم الطبقات، ويعتبر سميث أولَ من قام بوضع حجر الأساس للجيولوجيا التاريخية، ولا عجب أن نجد مَن يطلق على ذلك العالم لقبَ "أبو الجيولوجيا التاريخية" Father of Historical Geology.
إن ما شدَّني للتركيز على دَور علماء الإسلام في العلوم الجيولوجية والعلوم الأخرى هو أنَّ الباحث والطالب الذي يَدرُس أو يطَّلع على المراجع والكتب الأجنبية في شتى مجالات العلوم والأدب لا يَقرأ إلا أسماءَ العلماء الغربيِّين والأوربيين، إضافةً إلى فلاسفة الإغريق والرومان؛ حيث إن الكُتَّاب يُشيدون بآرائهم الأولية وإسهاماتهم، وبالمقابل غالبًا ما نجدهم يَقفزون عن زمن ومرحلة مهمة من تاريخ العلم (العصر الإسلامي)، وإن ذكَروا أحدَ أسماء علماء المسلمين القدماء فإنَّهم لا يعطونه حقَّه العلمي والأدبي، وقد يحاول الكاتبُ إخفاء الحقيقة وتشويهَها ونسبتها إلى من لا يستحق!
جاء في كتاب "محاضرات في تاريخ العلوم" للمستشرق الدكتور "فؤاد سزكين"[8] أن "شبرجس" أثبتَ بالأدلة أن الجامعات التي نشأت فجأةً في أوربا منذ القرن الثالثَ عشر الميلادي قد كانت كلها تقليدًا مطلقًا للجامعات الإسلامية؛ إذ لم يكن لها نماذجُ سابقة عند الإغريق القدماء، ولا عند الرومان ولا عند البيزنطيين[9].
واكتشف ديفيد كينج أن كثيرًا من النظريات المنسوبة لنيكولا كوبرنيكس هي للفلكيِّ العربي المشهور ابن الشاطر (ت777هـ - 1375م)، يقول كينج: "لقد عُثر في بولونيا موطن كوبرنيكس (1473 - 1543م) على مخطوطات عربية عام (1973م)، وثبت أن كوبرنيكس كان يأخذ عنها، ويدَّعي لنفسه ما يأخُذ، ولقد ثبت منذ عام (1950م) أنَّ نظريات كوبرنيكس في الفلَك هي في أصلها مأخوذةٌ عن ابن الشاطر من كتابه المعروف "زيج ابن الشاطر" وادَّعاها كوبرنيكس لنفسه، وبذلك يكون ابن الشاطر قد سبق كوبرنيكس، الذي عاش في القرن السادسَ عشر الميلادي، بوضع نظريته عن حركة الكواكب، ودورانها حول الشمس، أو ما يسمَّى الآن بالنظام الشمسي[10].
ويعترف هيرودوت (484 - 424 ق.م) بفضل الحضارتين المصريَّة والبابلية (موطن العرب القديم) على الفكر الإغريقي، ويقول سارتون (1950) الذي درَس الحضارات الإنسانية على اختلافها: إن العلم الروماني ليس إلا نسلاً ضعيفًا للعلم "الهيلني"، وما بعدَ الحضارة الإغريقية تشتَّت العلماء، وأُحرق الكثير من الكتب، إلى أن جاءت الحضارة العربية الإسلامية[11].
ويرى "لوبون" أن الحضار
ة العربية لم تدخل أوربا نتيجةَ الحروب الصليبية كما هو الرأي الشائع، بل دخلَت بوساطة الأندلس وصقلِّية وإيطالية، وزهاء مدة "خمسة قرون أو ستة" ظلَّت ترجمة كتب العرب العلمية هي المصدرَ الوحيد للتدريس بجامعات أوربا، ولم يَظهر في أوربا قبل "القرن الخامسَ عشر" عالمٌ لم يقتصر على استِنساخ كتب العرب، وكان الموسوعيون الأوربيون حينما يتحدثون عن الأرض يردِّدون ببساطة آراءَ ابن سينا، وقبل نهاية القرن "الثالثَ عشر الميلادي" كانت معظم العلوم - بما فيها علومُ الأرض والفلسفات العربية - قد تمت ترجمتها ونقلها إلى أوربا.
وهكذا نرى أن الدعائم الأولى للحضارة الأوربية الحديثة ارتكَزَت على أسُس متينة من الحضارة الإسلامية، التي تركَت بصماتها واضحةً في شتى مجالات الفكر الأوربي وعلومه؛ من ذلك شيوعُ مصطلحات عربية أو ذاتِ أصل عربي في اللغات الأوربية على اختلافها، وقد تأثَّر بذلك بخاصةٍ اللغاتُ الإسبانية والبرتغالية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، ونقلوا عن العرب العلوم والفلسفات العربية كما هي بأسمائها الأصلية، وفي أغلب الأحيان لم يُشيروا إلى مَصادرها، كما أخذوا عن العرب منهجهم العلميَّ في البحث[12].
[1] غوستاف جرونيباوم؛ حضارة الإسلام، ترجمة: عبدالعزيز توفيق جاويد، دار مصر للطباعة 1956، ص 428.
[2] لمحات عن تاريخ العالم؛ البندبت جواهر لال نهرو، ط1، بيروت 1957، ص 32 - 35.
[3] حضارة العرب؛ غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، مطبعة عيسى بابي الحلبي، ص 179.
[4] يطلق لفظ العلماء العرب على من عاشوا العصر الإسلامي وفي الإمبراطورية العربية، الممتدة من حدود الصين شرقًا إلى حدود فرنسا غربًا، وهم كل العلماء الناطقين بالعربية أو المؤلفين بها، أو الناقلين إليها؛ سواء كانوا عربًا خلصًا أو مستعمرين لغة، وبغض النظر عن أصلهم أو موطنهم - فارس، أو الحجاز أو الشام أو مصر، أو الأندلس أو المغرب العربي.
[5] منهج البحث العلمي عند العرب في مجال العلوم الطبيعية والكونية؛ بحث للدكتور جلال موسى.
[6] روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم؛ علي عبيدالله الدفاع، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت 1988 ص 2.
[7] كواشف زيوف؛ عبدالرحمن الدمشقي (ت: 1425هـ)، دار القلم - دمشق1991م، ص 38 - 39.
[8] د. فؤاد سزكين العلامة التركي مؤلف كتاب تاريخ التراث العربي، صدر باللغة الألمانية سنة 1967م Geschichte des arabischen Schrifttums""، وترجم للعربية سنة 1973م، ويُعدُّ هذا الكتاب أوسع مؤلَّف في تاريخ التراث العربي، وهو يحمل الجنسية الألمانية، وعمل لفترة من الزمن كأستاذ في جامعة فرانكفورت.
[9] كواشف زيوف في المذاهب الفكريَّة المعاصرة؛ عبدالرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت 1425هـ)، دار القلم، دمشق ط 2، 1412هـ - 1991م، ص 41.
[10] العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية، ص 364، ص 422.
[11] البحث العلمي أساسياته النظرية وممارسته العملية؛ رجاء وحيد دويدري - دار الفكر المعاصر - لبنان ط1، 2000 ص 85.
[12] حسين محمد كامل؛ أثر العرب والإسلام في النهضة الأوروبية، اليونسكو، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر - القاهرة 1970.
علم الجيولوجيا عند العرب والمسلمين
جاء في كثير من آيات القرآن الكريم إشاراتٌ واضحة إلى علم طبقات الأرض ...
لم يولد المسيح في رأس السنة
يختلف المسيحيون الغربيون عن الشرقيين في موعد احتفالاتهم بعيد ميلاد السيد المسيح. فبينما في الغرب هو يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) عند الكاثوليك والبروتستانت، فإنّه عند الأرثوذوكس في الشرق يوم 7 يناير (كانون الثاني) من كل عام. والاحتفال الذي يسمى بالإنجليزية "كريسماس" والفرنسية "نويل" أصله "ناتيفيتاس" في اللاتينية. ولم يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد إلاّ منذ منتصف القرن الرابع الميلادي، بعدما تحولّت الدولة الرومانية إلى الديانة الجديدة على يد الإمبراطور "قسطنطين". ولا أحد يدري كيف اختير يوم 25 ديسمبر، فقد كان هذا اليوم هو يوم الاحتفال بـ "هيليوس" الذي يمثل الشمس عند الرومان قبل ذلك.المعلومات التي وصلتنا عن حياة المسيح جاءت كلها من القرآن الكريم وكتب العهد الجديد (الإنجيل)، وهي المصدر الوحيد من تاريخ "يسوع" تتضمن معلومات محدودة في شأن ميلاده وحياته. ولم يذكر القرآن الكريم أي تاريخ سواء لمولد المسيح (عيسى ابن مريم) أو لوفاته، كما لم يذكر موطنا محددا لميلاده سوى أنّه كان "مكانا شرقيا" بالنسبة إلى مسكن عائلة أمه مريم. أمّا أناجيل العهد الجديد الأربعة، فبينما لم يتحدث "مرقص ويوحنا" عن واقعة الميلاد اختلف "متى ولوقا" سواء في تحديدهما لتاريخ الميلاد أو لموقعه. فبينما يذكر إنجيل "متى" أنّ مولده كان في أيّام حكم الملك "هيرودوس"، الذي مات في العام الرابع قبل الميلاد، فإنّ إنجيل "مرقص" يجعل مولده في عام الاحصاء الروماني، أي في العام السادس الميلادي. ويقول إنجيل "متى" بشأن ميلاد المسيح أنّه: "لما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيّام "هيرودوس" الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فإنّنا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودوس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا: في بيت لحم اليهودية.. حينئذ دعا هيردوس المجوس سراً وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي، ومتى وجدتموه أخبروني فلما سمعوا من الملك ذهبوا واذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف حيث كان الصبي.. فخرّوا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبا ولبانا ومر. ثم أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودوس.. وبعدما انصرفوا إذ ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا، قم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأنّ هيرودوس مزمع أان يطلب الصبي ليهلكه.. ولمّا رأى هيرودوس أن المجوس سخروا به غضب جدا. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه المجوس.. فلما مات هيرودوس إذا بملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل. لأنّه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي".ولما كان الملك "هيرودوس" قد مات في العام الرابع قبل الميلاد فإنّ ميلاد المسيح ـ بحسب هذه الرواية ـ لا بد وأن يكون قد حصل قبل هذا التاريخ. أمّا إنجيل لوقا فيقول: "في الشهر السادس أرسل جبريل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها الناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء "مريم". فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيّتها المنعم عليها. الرب معك، مباركة أنت في النّساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنّك وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا تسمينه "يسوع". هذا يكون عظيما.. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا. فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك". وعن تاريخ الميلاد يقول لوقا في الأصحاح الثاني أنّه: "في تلك الأيّام صدر أمر من "اغسطس قيصر" بأن يكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان "كيرينوس" والي سورية. فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته. فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته، ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى. وبينما هما هناك تمت أيّامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود (الإسطبل) إذ لم يكن لهما موضع في المنزل".ضرائب اليونانونحن نجد هنا أنّ تاريخ ميلاد المسيح السادس من العصر المسيحي، فهذا هو وقت أول اكتتاب ضرائبي فرضه الرومان على أهل فلسطين. ومع اختلاف عام الميلاد بين الروايتين ليس هناك ذكر في أيّهما عن اليوم أو الشهر الذي حدثت فيه الولادة. وعلى هذا فإنّ المصدرين الوحيدين لميلاد المسيح بالأناجيل، يختلفان في تحديد تاريخ هذه الواقعة.وبالرغم من أنّنا دخلنا الألف الثالثة للتاريخ الميلادي، ليس لدينا أية معلومات تاريخية مؤكدة عن حياة السيد المسيح نفسه. وكان الاعتقاد السائد فيما مضى هو أنّ كتبة الأناجيل سألوا أخبارا ووقائع كانوا هم أنفسهم شهودا عليها، إلاّ أنّه تبين عدم صحة هذا الاعتقاد. فلم يتم كتابة أول الأناجيل ـ التي لدينا الآن ـ إلاّ بعد مرور حوالي نصف قرن من الزمان على الأحداث التي تتكلم عنها، ثم أدخلت عليها تعديلات بعد ذلك خلال القرن الثاني للميلاد.والقصة كما وردت في أناجيل العهد الجديد تقول أنّ يسوع ولد في بيت لحم في عهد الملك "هيرودوس" الذي حكم فلسطين أربعين سنة انتهت بوفاته في العام الرابع السابق للتاريخ الميلادي. ثم هربت السيدة مريم بابنها إلى مصر عقب ولادته خوفا عليه من بطش الملك، وكانت النبوءات قد دلته على مكان وزمان مولد المسيح الذي سيطالب بعرش داوود، ولم ترجع الأم وولدها من مصر إلى فلسطين إلاّ بعد موت الملك "هيرودوس"، حيث ذهبت بالطفل لتعيش في بلدة الناصرة في الجليل (شمال فلسطين).وتقول الرواية أنّه بعد أن كبر الصبي وأصبح في الثلاثين من عمر، ذهب إلى وادي الإردن حيث التقى بـ "يوحنا" المعمدان الذي عمده بالماء في وسط النهر. وبعد هذا اعتكف "يسوع" في خلوة أربعين يوما صائما في الصحراء، حيث دخل في صراع مع الشيطان الذي حاول إغراءه بملك ممالك العالم. وعاد المسيح ـ بعدما فشل الشيطان في مهمته ـ إلى الجليل ليختار حوارييه الـ12 ويبدأ دعوته، ممّا أثار حقد الكهنة الصدوقيين اليهود والأحبار الفريسيين عليه. وازداد غضب الكهنة اليهود على المسيح ـ بحسب رواية الأناجيل ـ عندما جاء إلى مدينة "القدس" قبل عيد الفصح، ودخل الهيكل وصار يبشر فيه بدعوته متحديا إياهم. فتآمروا عليه وأرسلوا حرسا للقبض عليه ـ بمساعدة "يهوذا الاسخريوطي الحواري" الذي خانه ـ وكان يستريح مع تلاميذه عند جبل الزيتون بشمال المدينة. أتى به الحراس إلى الهيكل واستمر التحقيق والمحاكمة أمام مجلس الكهنة برئاسة "قيافا" الكاهن الأكبر طوال الليل. وبعد انتهاء المحاكمة عند الصباح، أخذ الكهنة المسيح إلى "بيلاطس البنطي" الوالي الروماني على فلسطين، الذي أعاد محاكمته. وحاول "بيلاطس" الإفراج عنه بمناسبة عيد الفصح لأنّه لم يجد مبررا لعقابه، لكن رؤساء الكهنة حرضوا الجموع على المطالبة بإعدام المسيح فخضع الوالي لرغبتهم.مخطوطات قمرانولقد كان للعثور على مخطوطات البحر الميت المكتوبة بالعبرية والآرامية عام 1947، في كهف بخربة "قمران" بالضفة الغربية للأردن، أثر كبير في إلقاء الضوء على الحياة في فلسطين عند بداية التاريخ الميلادي. لأنّ تدوين هذه المخطوطات جرى ما بين القرن الثاني قبل الميلاد ومنتصف القرن الميلادي الأول ـ في ذات الوقت الذي عاش فيه السيد المسيح ـ حاول الباحثون العثور على ذكر لحياته وموته بين صفحاتها. والموضوع الذي أثار الجدل حوله منذ نشر "مخطوطات قمران"، هو علاقة جماعة العيسويين (التي تركت لنا المخطوطات) بالمسيحيين الأوائل.فبينما تختلف إعتقادات الجماعة عن الاعتقادات اليهودية الأرثوذكسية التقليدية، فهي تتفق مع الفكر المسيحي الخاص بالبعث والخلاص.والسؤال الذي ثار بين الباحثين هو ما هي علاقة "المعلم الصديق" الذي كانت جماعة قمران تعد الطريق لعودته، بالسيد المسيح؟فهو مثله مات على يد الكاهن الشرير ـ الذي يتبعه كهنة هيكل القدس ـ وهو مثله بعث من الموت، وهو مثله ينتظر أتباعه عودته ليهزم الشر في معركة "آرماجيدون" في نهاية الأيّام. والأمر المحير هو أنّ هذه الأفكار وجدت مكتوبة في مخطوطات ترجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد. والاختلاف الجوهري بين "جماعة قمران" وبين اليهود، يتعلق بالاعتقاد بخلود الروح وبالقيامة والحساب بعد الموت.فحسب ما جاء في مخطوطة "حرب أبناء النور ضد أبناء الظلام" نجد أنّهم كانوا يعتقدون بحتمية الموت وحتمية البعث في نهاية الأيّام (يوم القيامة)، إذ يقولون أنّ معلمهم الأول ـ والذي يطلقون عليه لقب "معلم الصدق" أو "المعلم الصديق" ـ الذي ينتمي إلى سلالة الملك داوود، والذي مات على يد "الكاهن الشرير"، سوف يبعث إلى الحياة من جديد ليقودهم في آخر الأيّام. إلاّ أنّ الشر سوف يسيطر قبل أربعين سنة من القيامة فيأتي معلمهم ـ والذي يسمى هنا "أمير النور" ليصارع الكاهن الشرير ـ والذي يسمونه هنا "ملاك الظلام" ـ وفي معركة ذات أبعاد روحية يقضي النور على ملاك الشر ويحرر البشر من سلطته عليهم إلى الأبد، حيث يبدأ البعث والحساب.وقد كتب الدكتور مصطفى شاهين تحت عنوان:ما هو السبب في جعل ميلاد المسيح في فصل الشتاء؟الجواب هو مجرد مصادفة إذ حدث، كما يقول الأسقف "بارنز" أنّ هذا التاريخ التاريخ 25 ديسمبر قد صادف يوم احتفال كبير بعيد وثني قومي في روما، ولم تستطع الكنيسة أن تلغي هذا العيد، بل باركته كعيد قومي لشمس البر فصار ذلك تقليدي منذ هذا الوقت.وقد تم الإتفاق على الإحتفال بعيد الميلاد في ديسمبر بالنسبة للغربيين بعد مناقشات طويلة حوالي عام 300.وهذا الرأي الذي ذهب إليه الأسقف "بارنز" أخذت به دائرة المعارف البريطانية ودائرة معارف شامبرو (انظر ذلك في الصفحة 642، 643 من دائرة المعارف البريطانية ط:15 مجلد: 5).نقلا عن موقع ابن مريم
يختلف المسيحيون الغربيون عن الشرقيين في موعد احتفالاتهم بعيد ميلاد السيد المسيح. فبينما في الغرب هو يوم 25 ديسمبر ...
عن أي ميلاد يتحدثون ؟!
عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:فيحتج معظم من يهنئ النصارى في كنائسهم بعيد الميلاد بأنه عيد ميلاد نبي من أنبياء الله الذين لا يصح إيمان المسلم إلا إذا آمن بهم، وهذا الذي ذكروه بشأن الإيمان بعيسى عليه السلام حق لا مرية فيه، ولكن يبقى سؤالان:•• الأول: هل شرع لنا الاحتفال بميلاد الأنبياء، ومنهم: محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام؟!•• الثاني: هل ما يحتفلون به هم هو ميلاد عيسى النبي أم عيسى الرب تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً؟!فبالنسبة للسؤال الأول إن أجابوا عليه بـ: "نعم"؛ توجه عليهم سؤال آخر وهو: أين الاحتفال بميلاد سائر الأنبياء؟!فإن قيل: إننا علمنا ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم من السيرة، وميلاد عيسى عليه السلام من أتباعه، ولم نعلم الباقي.قلنا: أما ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم فإنما يشرع لنا تعظيم يوم مولده من أيام الأسبوع -يوم الاثنين- ويكون ذلك بالصيام، ولم يثبت على وجه اليقين يوم مولده السنوي، وأهل السير مختلفون فيه؛ وذلك لعدم ارتباط أمر شرعي به فقلت العناية بضبطه.وأما ميلاد عيسى عليه السلام فلم يأت في شريعتنا موعد له، والإشارة إلى كونه صيفاً لا شتاء، كما قال تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً} [مريم: 25]، وهذا يكون صيفاً لا شتاء، وقد أشارت (دائرة المعارف البريطانية) إلى هذا الأمر، وزادت فيه دليلاً من الأناجيل التي بين أيدي النصارى اليوم، وهو ما ورد فيها من ليلة ميلاد المسيح عليه السلام كان الرعاة يتسامرون فيها في أعلى الجبل، وهذا لا يكون في بلاد الشام إلا في فصل الصيف؛ مما حدا بـ: (دائرة المعارف البريطانية) أن تؤكد أن موعد ميلاد المسيح عليه السلام قد غُيِّر عن عمد؛ ليوافق عيد إله من الآلهة، وهو الإله: "يناير" الذي بدأ: "بولس" بتعظيمه في أول تبشيره بدينه في أوروبا، ثم ادعى أن هذا الإله ما هو إلا المسيح!وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: حول ماهية المحتفل به، فهم يحتفلون بعيسى بمعتقد آخر غير الذي يراد لنا أن نحتفل به، وذكر ميلاد عيسى عليه السلام وفق معتقدهم لابد أن يتضمن ذكر الإله المتجسد، وذكر الخطيئة الأولى، وذكر الصلب والقيامة، وهذه العقائد ما هي إلا طعن في القرآن والرسول، وفي المسلم الذي ذهب مهنئاً فرحاً.فأما القران فقد قال الله تعالى: {قل هو الله أحدٌ * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحدٌ} [الإخلاص]، وقال تعالى: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل} [التوبة: 30]، وقال: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} [النساء: 157].وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء يبين لأهل الكتاب ما حرفوه وما بدلوه؛ فكفروا بعد ما جاءهم بالبينات، وقالوا عنه: "كذاب"، واستمرارهم في ترديد ما هم عليه تأكيد لهذا المعنى.ثم هو طعن فيك أنت أيها المهنئ؛ بالكلام الذي تسمعه هناك دون أن تدري معناه بقول إنك وكل بني آدم تولدون بخطيئة أصلية تبقى في وحلها، اللهم إلا إذا آمنت بالمسيح المخلص إلهاً متجسداً مصلوباً!إذا واجهت وفود المهنئين بهذه الأمور؛ كان جوابهم أنهم لم يسمعوا بشيء من هذا في أي مرة من المرات التي ذهبوا فيها إلى هناك، بل توسع بعضهم فنفى عن النصارى كثيراً مما يعتقدون! إلا أن المقالات التي تفردها الصحف لرجال الكنيسة في تلك المناسبات تفضح هذا كله، وتأخذ جريدة: "اليوم السابع" الإلكترونية، والتي نشرت يوم السبت 7 يناير مقالتين لاثنين من القساوسة:الأول هو "الأنبا سرافيم" أسقف الإسماعيلية، والذي تعمد أن يذكر كلمة "الميلاد بالجسد" إشارة إلى أن اللاهوت عندهم مولود من الأب قبل كل العصور، والإله المتجسد مولود من مريم عليها السلام متحداً لاهوته بناسوته.وإذا الأنبا "سرافيم" قد لجأ إلى الإشارة التي لا يفهمها إلا دارس للمعتقد الكنسي فإن الجريدة ضمت مقالاً آخر للقس: "بولس عبد المسيح"، والذي ظن نفسه يعطي محاضرة في كلية اللاهوت لا أنه يكتب في جريدة عامة في بلد دينه الرسمي الإسلام! فجعل عنوان مقالته: "بميلاده أشرق جسدياً لكي يخلصنا"، لم يترك فيها شيئاً من عقائد الكنيسة التي هي بدورها مصادمة لعقائد الإسلام إلا وذكرها!وهذه مقتطفات منها، قال: "إن الإشراقة الإلهية التي تمت بالتجسد تعني: تبديد الظلام الدامس قبل ميلاد السيد المسيح -له المجد-، والتي تحتاج إلى أن يقشها نور المسيح: ظلام الخطية التي عمت البشرية". يعني: عامة البشرية سوى من يؤمن بالإله المتجسد في هذا الظلام الدامس.ثم قال مبينـاً أين كان هذا الإله قبل التجسد: "الميلاد"، وأن اللاهوت مولود من الأب قبل كل الدهور -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-: "فالسيد المسيح هو النور المولود من الآب قبل كل الدهور، وهو الذي جعل منا أن نحمل اللقب الذي له، فهو قال: "أنا هو نور العالم"، وقال: أنتم نور العالم، فالسيد المسيح يوجهنا أن نسير في النور لتتمتع بالنور الحقيقي الذي جاء إلى العالم، ولا نعثر في سيرنا معه حتى نصل إلى الحياة الأبدية".وطبعاً فـ: "الحياة الأبدية"، وفق هذا النص حكر على من اعتقد في "الخطيئة الأولى - التجسد - الفداء - الصلب"!ومن سماحة الإسلام مع غير المسلمين أن نعلم كل هذه العقائد وأضعاف أضعافها، ثم نطبق القاعدة القرآنية: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} [البقرة: 256]، وأن نتركهم وما يدنيون به في بيعهم وكنائسهم.أما أن أذهب مهنئاً، وأسمع ضاحكاً، وأما أن ينشر هذا الكلام على عموم الناس متهماً إياهم بأنهم في ظلام الخطيئة التي ولدوا بها، وسيظلون فيها، ويموتون بها، ويحرمون من دخول الملكوت...!فهذا يا معشر العقلاء -كما يقولون لكم في الأمثلة الشعبية-: "الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده"، وبعض الأشياء -"ومن أبرزها: التسامح"- إن زادت عن حدها؛ انقلبت إلى معانٍ بالغة الفحش.المصدر: صوت السلف
عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:فيحتج معظم من يهنئ النصارى في كنائسهم بعيد ...
نظرات في الاحتفالات برأس السنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد:فاعلم أخي المسلم رحمنا الله جميعاً أنّ من المصائب العظيمة التي حلّت بالمسلمين في هذا الزمان: متابعتهم غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الملل الكافرة وتشبههم بهم، حتى تحقّق في غالبنا قول النبي: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذة بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضب لدخلتموه» قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟! قال: «فمن؟» (صحيح، رواه الإمام أحمد).أي: فمن أعني غيرهم!. وفي رواية: «حتى لو أن أحدهم جامع أمه بالطريق لفعلتموه» (رواه مسلم).الله أكبر إنها السنن، حتى أصبحنا لا نميز اليوم غالبية المنتسبين للإسلام عن غيرهم، وانقسمت هذه الغالبية إلى أقسام عديدة:- قسم: أعرض عن الدين إعراضاً تاماً، واتبع هواه وكان أمره فرطاً، فما عاد يعرف من الدين إلا الاسم، ولا من معالمه إلا الرسم، إما تكبراً واحتقاراً لأهله وموالاة لأعداء الدين، وإما إعراضاً عنه وانشغالاً بالدنيا وتكالباً على حطامها الفاني وهؤلاء كثرٌ، وهم محسوبون على الإسلام بأسمائهم وأنسابهم والله المستعان.- وقسم ثان: وجد أن نفسه لا تطيق الثبات والتمسك بهذا الدين الذي كان عليه القرن الأول من صحابة النبي، لأن في ذلك الالتزام بالوحيين والعض على السنة النبوية بالنواجذ، وفيه مرارة قول الحق والصبر عليه، ولما لم يقدروا أن يفعلوا ذلك حاولوا أن يجمعوا بين الإسلام وغيره ليخرجوا لنا إسلاماً عصرياً، ليوافق بذلك أهواء الذين لا يعلمون ويرضيهم فذهبوا يلوون أعناق الآيات والأحاديث ويحملونها على غير محملها ويتشبهون بأصحاب الجحيم من اليهود والنصارى والمجوس في غالب ما يفعلونه من عاداتهم وهيئاتهم ومعايشهم وهؤلاء أيضاً كثر، ولا نشك أنهم من ذلك الغثاء الذي ذكره النبي: «بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل» (رواه البخاري ومسلم).
حتى ولو كان كثير منهم يظهر بقالب الإسلام الظاهري، وربما بمظهر الدعوة والحرص على مصلحتها ومصلحة الدين، إلا أنهم يستنّون بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديهم مغاير لهديه وأحسب أنهم ليسوا ممن ينتصر الدين بهم، وإن كثروا وامتلأت أقطار الدنيا بأمثالهم.- وقسم ثالث: وهم الذين هداهم الله إلى الحق وثبت أقدامهم، فلزموا كتاب الله عز وجل وما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، لا يفارقونه ولا يبدلونه حتى يلقوه صلى الله عليه وسلم على حوضه، وهؤلاء هم أهل الحق والطائفة المنصورة التي قال فيها النبي: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (صحيح رواه الحاكم).جعلنا الله منهم فهم أهل الفوز والفلاح، وهم أبعد الناس من التشبه بالكفار، فهم المعتزون بدينهم العظيم، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.والقسم الأول: أعاذنا الله منهم هم أهل الخسار والندامة، وأهل الذلة والمهانة ، يعيشون بضنك، ويحشرون عمياً، ومآلهم إلى سقر إن لم يبادروا بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله وتجديد الإيمان.أما القسم الثاني: فهم الذين أردنا أن نذكرهم بهذه الرسالة، وندعوهم إلى العودة إلى الله تعالى واتباع صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ونحذرهم من اتباع الأهواء والتشبه بغير المسلمين، ذلك أن أكثر هؤلاء إنما يتبعونهم عن جهل وقلة بصيرة وضعف في الإيمان، ولا يجدون من يدلهم على الحق أو يهديهم إلى سبيل الرشاد.ومن التشبه بالكفار الذي نحن في صدده: الاحتفال برأس السنة أو ما يسمونه بـ (الكريسماس)، ففي هذا اليوم يحتفل النصارى الذين قال الله تعالى عنهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة : 72]. وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة : 73]. يحتفلون بهذه المناسبة، ويفترون فيه زوراً وبهتاناً على المسيح عليه الصلاة والسلام وهو منهم براء، حيث يُحدِثون في هذا العيد من الفواحش والمنكرات ما لا يمت بأي صلة إلى شريعة عيسى أو غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وتقام السهرات والحفلات المختلطة التي يتخللها الرقص والغناء وشرب الخمر في كثير من الأحيان إلى غير ذلك مما يحدث فيها من المنكرات التي لا يتسع المقام لعدها. وكل ذلك بزعمهم احتفال بالمسيح وذكرى ميلاده، والمسيح بريء من كل ذلك به لا يقرّه ولا يرضاه.وناهيك إشهارهم لعقائدهم الباطلة من ادعاء الألوهية لعيسى عليه السلام الذي سوف يتبرأ منهم أمام الخلائق كلها يوم القيامة حين يسأله تعالى عن ذلك قائلاً: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة : 116-117] .وهذه الافتراءات الباطلة والعقائد الزائفة التي ما أنزل الله بها من سلطان تنفر منها النفوس الصحيحة والفطر السليمة وحتى الجمادات كالأرض والسماوات والجبال الصم الصلاب، قال تعالى واصفاً ذلك الموقف: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إداً . تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَداً . أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً . وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً . إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً} [مريم : 88-95].فالعجب العجاب من جهال زماننا المنتسبين للإسلام، الذين ذهبوا يتابعون اليهود والنصارى في كل صغيرة وكبيرة، حتى في هذه المناسبات الفاسدة. ويزعمون بجهلهم أن التقدم والحضارة يُلتَمسان في متابعة اليهود والنصارى في كل شيء وما ذلك إلا لجهلهم بدينهم، مصدر عزتهم حتى سيطر عليهم مركّب النقص والذلّة، فغدوا إمّعات يلهثون وراءهم ويتابعونهم كالعميان في كل شيء، مع العلم أن من أصول ديننا العظيم، مخالفة كل من انحرف عن شريعة الله عز وجل في كل ما يقدر عليه المسلم من شرائعهم وعاداتهم وأعيادهم بل وملابسهم وطرق أكلهم وكلامهم وهيئاتهم.وإليكم قليلاً من الأدلة الكثيرة على ذلك.. لنكون على بينة وبصيرة من ديننا العظيم في زمان يعز فيه الناصحون:1- قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية : 18]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته" (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق د ناصر بن عبد الكريم العقل، ص 84/1).2- قال الله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إنَّكَ إذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 145]. ويقول تعالى عن اليهود والنصارى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد : 37]. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية: "وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعد ما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والمحجة المحمدية على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام .ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ففيه دلالة على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة.3- قال النبي: «من تشبه بقوم فهو منهم» (صحيح سنن أبي داود للألباني).والحديث فيه وعيد شديد على التشبه بغير المسلمين، فمن تشبه بالأتقياء والصالحين فهو منهم، ومن تشبه باليهود والنصارى وغيرهم من الكفار فهو منهم والعياذ بالله.يقول ابن كثير رحمه الله في شرح هذا الحديث: "ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعبادتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نقر عليها" تفسير ابن كثير في تفسير الآية: 104 من سورة البقرة.4- وقال النبي: «إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم» (رواه البخاري ومسلم).وعندما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله: «إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر» (صحيح سنن أبي داود للألباني).5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67]. كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقه في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه. (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق د ناصر بن عبد الكريم العقل، ص 471/1 ).وبعد.. فإن الأدلة في هذه المسألة كثيرة جداً لا يتسع لها هذا المقال، والذي يريد التفصيل فليراجع الكتاب القيم لشيخ الإسلام ابن تيمية: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) وهو كتاب عظيم جدير بالقراءة.وما ذكرناه من الأدلة، كفاية لطالب الحق ليعلم الضلال والانحراف الذي عليه كثير من الناس في تشبههم بالكفار وتركهم سنة خير البرية محمد.وختاماً: فإن الله قد أمرنا بمخالفة الكفار لحكمة جليلة وعظيمة، منها :كي لا تدخل محبة هؤلاء إلى قلوب المسلمين، فهم أعداء الله وأعداء المسلمين، والتوافق والتشابه في الأمور يولد التآلف والتقارب، ومن ثم الود والحب.
وقد نفى الله عز وجل الإيمان عمن أحب أعداءه المنحرفين عن شرعه فقال تعال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة : 22].وهذا لا ينافي العدل معهم وحسن معاملتهم ما لم يكونوا محاربين. قال تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].ونسأل الله أن يجعلنا ممن يحب من يحبه، ويعادي من يعاديه، ويوالي من يواليه إنه نعم المولى ونعم النصير.05/01/33أبو محمد الأثريمجلة البيان ـ العدد [121] صــ 44 رمضان 1418 - يناير 1998
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما ...
والمسلمون يحتفلون بعيسى عليه السلام
قال - تعالى -: "....والمؤمنون: كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. "نؤمن بعيسى - عليه السلام -:- نبياً من أنبياء الله الكرام، ورسولاً من رسله الخمسة أولي العزم.- ولد كما ولدت المخلوقات، وتدرج في حياته كما تدرج كل مخلوق من طفل إلى فتى إلى شاب ورجل.- ومن له بداية فله نهاية. فعيسى - عليه السلام - بدأ حين قدر الله - تعالى -له أن يبدأ. وسيموت حين ينتهي أجله. " والسلام عليّ يوم ولدتُ ويوم أموت، ويوم أُبعث حياّ "بعض النصارى قالوا: كيف تقولون إنه لم يمت على الرغم أنهم يعتقدون إلهاً لا يموت، ولكنه الجدال والمراء - وقرآنكم يقول في سورة آل عمران الآية 55 " إذ قال الله: يا عيسى، إني متوفيك، ورافعك إليّ، ومطهرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة... "فهو إذاً- كما يدعي هؤلاء يأخذون على القرآن أنه ذكر أمرين يستدعيان الوقوف عندهما:1- أنه مات، ومن مات لا يعود. فكيف تقولون: إنه عائد آخر الزمان؟2- أن أتباعه خير من كل الناس ديناً ومكانة. ويقصدون أنهم هو أتباعه، وأنهم المقصودون بالخيريّة.أما تصحيح الفكرة الآولى: فإن كلمة " متوفيك " لا تعني الموت بل تعني القبض والموافاة فقط. وسأذكر من القرآن الكريم دليلين واضحين:أما الأول فقوله - تعالى -في سورة الأنعام الآية 60 " وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى... " فمعنى الوفاة بالليل: ينيمكم بالليل، ويعلم ما كسبتم من العمل بالنهار. قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: ليس ذلك موتاً حقيقة بل هو قبض للأرواح في الليل وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: يقبض أرواحكم في منامكم.وأما الثاني فقوله - تعالى -في سورة الزمر الآية 42 " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها. فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".. فالناس حين يتوفاهم الله - تعالى -قسمان.. فالقسم الأول: من انتهى أجله فيموت. والقسم الثاني من لم ينته أجله، تعود إليه روحه، فتبقى في جسده إلى الأجل المحتوم الموت الذي قدره الله على كل الكائنات -.فكلمة متوفيك تعني قابضك ورافعك إليه، ومطهرك من الذين كفروا وهذا لم يقل لغيره من البشر بدليل أن عيسى لم يمت، وسيعود إلى الدنيا ويكون من علامات الساعة. قال - تعالى -مؤكداً ذلك في سورة النساء الآيات 157- 159 " وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه، ولكنْ شُبّه لهم. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم إلا اتباع الظن. وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه، وكان الله عزيزاً حكيماً " وقال - تعالى -في سورة الزخرف الآية 61 " وإنه لعلم للساعة، فلا تمتـَرُنّ بها.. ". فنزوله الأرض دليل على دنوّ قيام الساعة.وأما تصحيح الفكرة الثانية: فإن أتباع المسيح - عليه السلام - هم الذين آمنوا به نبياً رسولاً وبشراً عبداً، لارباً ولاإلهاً. فهو - عليه السلام - يقول في سورة مريم حين أشارت إليه أمه: " إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا ً.... "- وحجة النصارى أن عيسى - عليه السلام - هو الوحيد الذي ولد بلا أب وأنه من روح الله وابنه والعياذ بالله أن يكون له ولد أو شريك - فالجواب أن كثيراً من الآيات تدل على أن آدم نفخ الله فيه من روحه يقول - تعالى -في سورة الحجر الآية 29 وسورة ص الآية 72 " فإذا سوّيته ونفخت في من روحي فقعوا له ساجدين " وقال كذلك في سورة السجدة الآية 9 " ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه ".. فكل أرواحنا - على هذا- من روح الله، فهل نحن أبناؤه؟! نحن لا شك عباده المخلصون أما المشركون فهم عبيده. وشتان ما بين العباد والعبيد.- بل نقول لمن يتعجب أن يولد عيسى من غير أب: إن آدم خلق من غير أب وأم، فأمْرُه أشد غرابة لمن يتعجب، وأمرُ الله بين الكاف والنون، فلا غرابة وقد نبه الله - تعالى -إلى أن خلق عيسى كخلق آدم - عليهما السلام -، والله يفعل ما يشاء " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: كنْ فيكونُ ".وتعال معي نقرأ القصة الشائقة بالتعبير القرآني الفريد بالحوار السلس البيّن لترى مكانة عيسى - عليه السلام - عند المسلمين الذين يحبونه ويجلونه نبياً كريماً وبشراً معصوماً:- واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً.- فاتخذت من دونهم حجاباً.- فأرسلنا إليها روحنا، فتمثّل لها بشراً سويّاً.- قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً...فهي طاهرة حصان، ليست مثل من يدعي اتباعها ثم يرى الزنا والشذوذ أمراً عادياً!- قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً- قالت: أنّى يكون لي غلام1- ولم يمسسني بشر، 2- ولم أك بغيّاًفالمرأة الشريفة لا يملكها الرجل إلا بالحلال، ومريم لم تتزوج، وليست زانية. فهي تتعجب من عملية الحمل دون ذينك الأمرين. فأين النساء اللواتي يدّعين حبها منها؟!. لو كنّ أتباعها لاقتدين بها وسِرْنَ على طريقتها من الشرف المصون والعفة التامّة.- قال: كذلكِ قال ربك هو عليّ هيّن، ولنجعله آية للناس ورحمة منّا، وكان أمراً مَقضِيّا ً.- فحملته فانتبذت به مكاناً قصيّاً. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة.- قالت: يا ليتني مِتّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً.- فناداها من تحتها ألاّ تحزني، قد جعل ربك تحتك سريّا.- وهزّي إليك بجذع النخلة تُساقطْ عليكِ رُطَباً جنيّاً. فكلي واشربي، وقَرّي عيناً.- فإما ترَيِنّ من البشر أحداً فقولي: إني نذرت للرحمن صوماً، فلن أكلم اليوم إنسِيّاً.ملاحظة: لم تكن ولادة عيسى - عليه السلام - في الشتاء، إنما كانت في الصيف، ولجوء العفيفة الطاهرة إلى جذع النخلة صيفاً.... ولو حدث الأمر شتاء لماتت وابنها من البرد. يقول العلماء كان حملها وولادتها أيام نضوج ثمار النخيل. ولئن ادعى أحدهم أن هذا من المعجزات قلنا: إن لجوءها خارج المعبد بعيداً عن الناس وعيونهم ليس فيه معجزة بل فيه الخوف من المصير المجهول الذي رأت نفسها متورطة فيه، وكانت عين الله ترعاها.- فأتت به قومها تحمله.- قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً. يا أخت هارون، ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ، وما كانت أمك بغيّاً.لاحظ الحالة النفسية التي كانت تعيشها، وتخطيط المولى - سبحانه - لإنقاذها، فلم تتكلم.- فأشارتْ إليه.- قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبيّاً؟!.- قال: 1- إني عبد الله. 2 - آتاني الكتاب. 3- وجعلني نبيّاً. 4- وجعلني مباركاً أينما كنتُ. 5- وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. 6- وبراً بوالدتي، ولم يجعلني جباراً شقياً...فهو إنسان كريم رباه الله - تعالى -على عينه، ثم كلفه بما كلف الأنبياء صلوات الله عليهم.ولا شك أن أتباعه- عليه السلام - سيؤمنون به حين نزوله إلى الأرض آخر الزمان يحكم بشرع الإسلام " وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً " النساء الآية 159. ولعلنا نرى عيسى - عليه السلام - يبشر بمجيء المصطفى عليهما الصلاة والسلام في سورة الصف الآية 6 "... ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " فأتباعه هم الذين يُصَدقونه ويؤمنون بالنبي الأمي الذي جاء رحمة للعالمين. وهادياً للمتقين.إن احتفالنا بميلاد عيسى - عليه السلام - دليل حب له ولكل الأنبياء... أما احتفالنا واحتفاؤنا به صلوات الله عليه وسلامه فبالتوجه إلى الله - تعالى -نسأله الهداية والرشاد، ونعاهده أن نكون عباداً صالحين، وأن نلتزم شرعه القويم الذي ارتضاه لنا، ونبتعد عن المباذل والمفاسد، وعن كل ما يغضبه - سبحانه -.اللهم إننا نؤمن بعيسى نبياً كريماً دعا إلى عبادتك فبيّن وبلّغ الأمانة وأدى الرسالة.اللهم صل على سيدنا محمد وعلى الأنبياء جميعاً واحشرنا في زمرة عبادك الصالحين.
المصدر: صيد الفوائد
قال - تعالى -: "....والمؤمنون: كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ...
منزلة المسيح في الإسلام
المقدمة:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:فبعد أن نال هؤلاء المجرمون من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهبَّت الأمة الإسلامية لنصرة نبيها عليه الصلاة والسلام، وقعوا في ما كشف سوءاتهم وعوراتهم أخرجوا فيلماً بعد أن صوروا بالكاريكاتور."الفيلم للمسيح، والكاريكاتور لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"الفيلم... وما أدراك ما فيه...زعموا وقُطعت ألسنتهم أن المسيح تزوج ببائعة هوى وإن تابت!! وأنه أنجب منها ابنة!!فهل لهذه المزاعم والبلايا من نهاية؟إن واجبنا تجاه المسيح لا يقل عن واجبنا تجاه الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.وإليك أخي المسلم منزلة المسيح باختصار في الكتاب والسنة، حتى تعرف قدر النعمة التي أنت فيها وهي نعمة القرآن ونعمة السنة:وإننا إن شاء الله تعالى سنرجئ الآيات القرآنية لكي نختم بقوة:وإليك هذه العبارات المليئة بالحب والأخوة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما يذكر المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام:1 - في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".2 - وفي البخاري ومسلم واللفظ لأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأنبياء إخوة لعلات: دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، لأنه ليس بيني وبينه نبي".3 - في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأى عيسى بن مريم رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو. فقال عيسى:آمنت بالله وكذَّبتُ عيسى"، وفي رواية: "آمنت بالله وكذَّبتُ بصري".قال ابن كثير: وهذا يدل على سجيةٍ طاهرةٍ، حيث قدَّم حلف ذلك الرجل، فظن أن أحداً لا يحلف بعظمة الله كاذباً على ما شهده منه عياناً، فقبل عذره ورجع على نفسه فقال: "آمنت بالله"، أي صدقتك، وكذبت بصري لأجل حلفك.4 - في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشرون حفاةً عراةً غرلاً، ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده}، فأول الخق يكسى إبراهيم، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين، فأقول أصحابي. فيقال: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم: {وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}".5 - وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليلة أسري بي... ولقيت عيسى -فنعته النبي صلى الله عليه وسلم- فقال: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس -يعني الحمام- " أ.هـ والحمَّام هنا حمام البخار.6 - وفي الترمذي بسنده عن عبد الله بن سلام قال: "مكتوب في التوراة: صفة محمد وعيسى بن مريم عليهم السلام يدفن معه"، قال أبو مودود أحد الرواة: "وقد بقي من البيت موضع قبر"، قال الترمذي: هذا حديث حسن.النصوص القرآنية:1 - وصفه تعالى بأنه آية: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [سورة المؤمنون: 50]، {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 91].2 - وصفه تعالى بأنه من الصالحين: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [سورة الأنعام: 85]، وقد جاء هذا الوصف في حديث ابن عباس المتقدم.3 - رسول الله وكلمته وروح منه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} [سورة النساء: 171].4 - وصفه الله بالعبودية: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [سورة الزخرف: 59]، وكما أخبر عيسى عليه السلام عن نفسه بهذا: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [سورة مريم: 30].5 - وصفه بالبركة: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [سورة مريم: 31].6 - أنه بارٌ بوالدته: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [سورة مريم: 32].7 - ليس جباراً ولا شقياً: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [سورة مريم: 32].8 - وجعل الله سلامه على نفسه متقبلاً: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [سورة مريم: 33].9 - وصفه تعالى بأنه يصدِّق بكتاب الله: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} [سورة المائدة: 46].10 – وصفه بأن كتابه فيه هدى ونور: {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [سورة المائدة: 46].11 - أن الله آتاه الحكمة: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [سورة آل عمران: 48].12 - أنه من علامات الساعة: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [سورة الزخرف: 61]. وهذا أيضاً وصفَ النبي محمد صلى الله عليه وسلم به نفسه: "بعثت أنا والساعة كهاتين وفرق بين السبابة والوسطى، إن كادت لتسبقني"، روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة. قال فردوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السلام، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال عيسى: أمَّا وجْبتُها فلم يعلم بها أحد إلا الله عز وجل، وفيما عَهِدَ إليَّ ربي عز وجل أن الدجال خارجٌ ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه الله عز وجل، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم. فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيطاردن بلادهم فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يردون على ماءً إلا شربوه، ثم يرجع إلى الناس فيشكونهم، فأدعوا الله عز وجل فيهلكهم ويميتهم".الأدلة على أن المسيح لم يتزوج:1 – اسمه: "المسيح"، يعني ليس له منزل يأوي إليه، وهو دائماً يسيح في الأرض، ليس له قرارٌ، ولا موضعٌ يُعرَف له, والزوجية تحتاج إلى بيت يستقر فيه المتزوج.2 - سؤال الله له يوم القيامة: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} [سورة المائدة: 116]، فلو كان متزوجاً لكانت زوجته زوجةَ ابنِ الله، ولو كان قد أنجب لكانت ابنته ابنة ابنِ الله، فيقال له عندئذٍ: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي وزوجتي وابنتي".3 – التقرير: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [سورة المائدة: 75]، بالتثنية. فلو كان له زوجة وابنة لقال: "كانوا يأكلون الطعام".4 - دعاء أم مريم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة آل عمران: 36]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولودٍ إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهله صارخاً من مسَّةِ الشيطان إلا مريم وابنها"، ثم قال أبو هريرة: "إقرأوا إن شئتم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}" (رواه البخاري ومسلم وأحمد)، وفي رواية لأحمد: "يمسه الشيطان بأصبعه، إلا مريم ابنة عمران وابنها عيسى عليهما السلام"، وفي رواية: "ألم تر إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: "ذلك حين يهزه الشيطان ...".، وفي رواية لأحمد على شرط الشيخين: "كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد، إلا عيسى ابن مريم، ذهب يطعنه فطعن في الحجاب".فلو كان تزوج وله ابنة لدخلت الابنة المزعومة في الاستثناء.أما زعمهم أن زوجته المجدلية المزعومة كانت بائعة هوى فهذا يرده قول ربنا عزَّ وجل: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النــور: 3]، وعيسى عليه السلام من أشرف المؤمنين أن يتزوج بزانيةٍ وإن تابت.والحمد لله أن هذه الأمة هي التي تملك الأدلة الثابتة القاطعة لرد مثل هذه المزاعم الردئية، وللأسف أن أهل الكتاب أنفسهم ليس عندهم شيء يردون به هذه المزاعم. وحُقَّ لنا أن نفخر بهذا الخطاب:في قصص الأنبياء لابن كثير قال: وقال إسحاق بن بشير: وأنبأنا سعيد بن أبي عروة، ومقاتل عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة قال: "أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم: يا عيسى، جدّ في أمري واسمع وأطع. يا ابن الطاهرة البكر البتول، إنك من غير فحلٍ وأنا خلقتك آية للعالمين، إياي فاعبد، وعليَّ فتوكل، إني أنا الحق الحي القائم الذي لا أزول، صدِّقوا النبي الأمي العربي، الذي عرفوه في وجهه كاللؤلؤ وريح المسك ينفح منه، ولم ير قبله ولا بعده مثله. كلامه القرآن، ودينه الإسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه، قال عيسى: وما طوبى؟ قال: غرس شجرةٍ أنا غرستها بيدي. فهي للجنان كلها، أصلها من رضوانٍ وماؤها من تسنيم، وبردها برد الكافور، وطعمها طعم الزنجبيل، وريحها ريح المسك، من شرب من ماء عينها شربة لم يظمأ بعدها أبداً. قال عيسى: يا ربِّ اسقني منها. قال: حرامٌ على النبيين أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب منها أمة ذلك النبي".قال هشام ابن عمَّار عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه أن عيسى عليه السلام قال: "يا ربِّ أنبئني عن هذه الأمة المرحومة أمة أحمد. قال: هم علماءٌ، حكماءٌ، كأنهم أنبياء. يرضون مني بالقليل من العطاء وأرضى منهم باليسير من العمل، وأدخلهم الجنة بلا إله إلا الله. يا عيسى: هم أكثر سكان الجنة لأنه لم تذلَّ ألسن قوم قط بلا إله إلا الله كما ذلّت بها ألسنتهم، ولم تذل رقاب قوم قط بالسجود كما ذلت به رقابهم".وعند بن عساكر قال: "يا عيسى ابن مريم ما آمنت بي خليقة قط، إلا خشعت، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي، فأُشهِدكَ أنها آمنة من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي".والحمد الله أن أدخلنا في قوله تعالى: {لا نفرق بين أحد من رسله}.
المقدمة:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:فبعد أن نال هؤلاء المجرمون من سيدنا محمد صلى ...
مقالات
- الأكثر قراءة
- الأحدث
أخبار المسلمين
علن النائب الهولندي السابق يورام فان كلافيرين المعروف بمواقفه المناهضة للمسلمين، اعتناقه الإسلام.
وكان كلافيرين بمثابة الذراع الأيمن للسياسي غيرت...
الأربعاء, 06 شباط/فبراير 2019
أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن سلطات إفريقيا الوسطى سلمتها برلمانيا متهما بارتكاب جرائم حرب ضد المسلمين في الجمهورية.
وأصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق...
الإثنين, 26 تشرين2/نوفمبر 2018
لا شك أن إلهان عمر لم تكن لتتخيل عام 1991 بعد أن فرت من الصومال على وقع الحرب الأهلية، لتحتمي في أحد مخيمات اللاجئين في كينيا، أنها ستصل يوماً لتمثل ولاية...
الإثنين, 26 تشرين2/نوفمبر 2018
انتقل الى رحمة الله الدكتور محمد عبد الرحمن - الذي اسلم على يديه الداعية يوسف استس - وصلي عليه فجر اليوم السبت الموافق 24 نوفمبر 2018 بالقاهرة.....
السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018
انتقل عشرات اللاعبين المسلمين للعب في الدوري الإنجليزي الممتاز ويحاولون اليوم تغيير النظرة السلبية عن الإسلام بين عشاق المستديرة الساحرة وبين أفراد...
السبت, 22 أيلول/سبتمبر 2018
جمهوريه أوزباكستان أرض حبيسة، ولها شاطئ على بحرأورال(بحر مغلق)بطول 420كم ، وهي تقع في منتصف قارة أسيا، ويحدها من الشمال والغرب كازاخستان، ومن الجنوب أفغانستان...
الأحد, 09 أيلول/سبتمبر 2018
إخوتي أخواتي سنزور في حلقة اليوم جزر فارو,ولكننا لابد خلال زيارتنا لها أن نعبر الدانمارك,حيث أن جزر فارو تقع ضمن أراض التاج الدانماركي.
تعتبر...
الثلاثاء, 14 آب/أغسطس 2018
إشهار 75 إسلامهم في قرية "كونغاندو" بغانا
أشهر 75 شخصًا من قرية "كونغاندو"، التَّابعة لمنطقة "بيمبلا" في شمال "غانا"، أمس إسلامَهم إثر زيارة دعويَّة لـ"مؤسَّسة نماء الخيريَّة"؛ دعتْهم...
الأربعاء, 11 نيسان/أبريل 2018
في إنديانا بوليس بولاية إنديانا بالولايات المتحدة عقد اجتماع "غير رسمي" حول الدراسات الإسلامية وما يتعلق بها في الجامعات الأمريكية، وكان هناك مجموعة من...
السبت, 24 آذار/مارس 2018
أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أن الأزهر يقوم بدور مهم في مواجهة ما يحيق بالعالم الإسلامي والعربي من مخاطر، جاء ذلك خلال زيارة ولي...
الجمعة, 23 آذار/مارس 2018
كتب
- جديد
- الأكثر قراءة
صوتيات
- الأكثر الاستماعاً
- مميز
- جديد
فديوهات
- مميز
- الاكثر مشاهدة
- الأحدث
American Surgeon embraced Islamا أشهر دكتور في أمريكا الدكتور الملحد لورانس براون يدخل الإسلام
Featured- Details
- by Super User 4 years ago
ضربة فى صميم العقيدة النصرانية نحن نتسال عن الخطيئة الأصلية وننتظر الاجابة جزء 3
- Details
- by Super User 11 years ago
اشترك بالقائمة البريدية
عدد الزوار
1507052
![]() | اليوم | 453 |